موقفان عظيمان يقف العبد فيهما بين يدي الله تعالى
أحمد رشيد
إن العبد يقف بين يدي الله تعالى موقفين عظيمين: الموقف الأول في الصلاة، والموقف الثاني يوم لقاء الله.. فإن أحسن العبد الموقف الأول سهل عليه الموقف الثاني، ومن استهان بالموقف الأول صعب عليه الموقف الثاني...
- التصنيفات: الزهد والرقائق - الدار الآخرة -
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإن العبد يقف بين يدي الله تعالى موقفين عظيمين: الموقف الأول في الصلاة، والموقف الثاني يوم لقاء الله.. فإن أحسن العبد الموقف الأول سهل عليه الموقف الثاني، ومن استهان بالموقف الأول صعب عليه الموقف الثاني (من كلام ابن القيم رحمه الله بتصرُّف).
إنه مما لا شك فيه أن العبد يقف بين يدي الله تعالى موقفًا ما أعظمه؟ حين يأتي ربنا جل وعلا مجيئًا يليق بكماله وجلاله {هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ ۚ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [البقرة:210].
فهو موقف عظيم تحضره ملائكة الرحمن جل وعلا {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22]، ولشدة هول هذا الموقف تجثوا الأمم على الركب عندما يدعى الناس للوقوف والعرض بين يدي الله تعالى، وذلك لعظم ما يُشاهدِون وما هم فيه واقعون {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:28].
فإذا ما وقف العبد بين يدي ربه للحساب.. فأول ما يسأل عنه أمام الله تعالى من الأعمال الصلاة، فقد روى الترمذي وغيره من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ».
وهي جملة قيمة من ابن القيم رحمه الله تعالى.. من قام بحق الموقف الأول سهل عليه الموقف الثاني، ومن استهان بالموقف الأول صعب عليه الموقف الثاني.
فكم يكون الموقف الثاني بجوار الموقف الأول؟
قال الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى: "لنفترض أنك عشت ستين سنة قضيت ثلثها في النوم -عشرين سنة نوم- إلى جانب خمسة عشر عامًا قبل البلوغ يتبقى خمسة وعشرون عامًا (عمل، زيارات، طعام...) فلو أن الإنسان عبد ربه خمسة وعشرين عامًا؛ كم تساوي بجانب وقوف الإنسان خمسين ألف سنة أمام الله تعالى؟"..
ولكن بفضل الله تعالى ورحمته يهون الله هذا اليوم العصيب على المؤمنين. فقد ثبت ما يفيد قِصَر مدة وقوف المؤمنين في يوم الحساب؛ حيث روى أبو يعلى بسندٍ صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[1] » وهذا الحديث (صحَّحه الهيتمي في الزواجر، والألباني في صحيح الترغيب).
وبعد أن عرفنا صعوبة هذا الموقف.. وأن سهولته مترتبة على صلاح الموقف الأول (الصلاة)؛ فيا ترى ما هي الصلاة التي تنفع العبد عندما يقف بين يدي الله تعالى؟
يُجيبك على هذا السؤال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (الوابل الصيب من الكلم الطيب): "قال: والناس في الصلاة على مراتب خمس:
أولها: مرتبة الظالم للنفسه المفرِّط، وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها.
الثانية: من يُحافِظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكن قد ضيَّع مجاهدة نفسه في الوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار.
الثالثة: من حافظ على حدودها وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار.. فهو مشغول بمجاهدة عدوِّه لئلا يسرق صلاته فهو في صلاةٍ وجهاد.
الرابعة: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها، وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه في مراعاة حدودها وحقوقها.. لئلا يُضيِّع شيء منها بل همَّه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها وإتمامها قد استغرق قلبه شأن الصلاة عبودية ربه تبارك وتعالى فيها.
خامسًا: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك.. ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه عز وجل، ناظرًا بقلبه إليه مراقِبًا له ممتلئًا من محبته وعظمته كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك المساوس والخطرات، وارتفعت حجوبها بينه وبين ربه.. فهذا بينه وبين الغافل في الصلاة أفضل وأعظم ما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه عز وجل قرير العين به.
فالقسم الأول معاقَب، والثاني محاسَب، والثالث مُكفِّر عنه، والرابع مثاب، والخامس مُقرَّب من ربه" اهـ (من كلام ابن القيم).
فيا ترى ما هو القسم الذي تختاره لنفسك، ويليق بك بين يدي الله تعالى..!
ألا فلنتقِ الله في صلاتنا، ولنحرِص على أداءها بخشوعٍ وخضوعٍ لله تعالى.. ليُنجينا الله إذا وقفنا غدًا بين يديه.
أسأل الله تعالى أن يُوفقِنا لما يُحبّه ويرضاه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- [المطففين:6].