آداب طالب العلم
وحيد عبد السلام بالي
مَن أراد أن يطلب العلم، فليُخلِص في طلبه؛ لأن العلم عبادة، ولا تُقبَل العبادة إلا مع الإخلاص، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5].
- التصنيفات: طلب العلم - أخلاق إسلامية -
1- أن يقصد بعلمه وجهَ الله:
مَن أراد أن يطلب العلم، فليُخلِص في طلبه لأن العلم عبادة، ولا تُقبَل العبادة إلا مع الإخلاص، قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5].
وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ».
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » [1].
ومن الإخلاص أن تنوي بطلب العلم:
• أن ترفع الجهلَ عن نفسك.
• أن تعبدَ الله على بصيرة.
• أن تتقرَّب إلى الله بطلب العلم لأن طلبَه جهاد.
• أن تتعبَّد لله بطلب العلم لأن مدارسته عبادة.
• أن تزداد به خشية، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر:28].
• أن ترتفع به عند الله درجات، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [المجادلة:11].
وليحذرْ طالبُ العلم أن ينويَ بالعلم تحصيلَ الدنيا:
فقد روى أبو داود بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » يعني: ريحها [2].
2- الرحلة في طلب العلم:
ينبغي لطالب العلم أن يجتهد في التحصيل، وأن يقسم وقته بين حضور الدروس، والحفظ، والمذاكرة، والمطالعة، فإن سَمِع بعالِم من أهل السنة يُدَرِّسُ علمًا رحل إليه، فهذا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه يسافر مسيرةَ شهر كامل ليأخذ حديثًا واحدًا ففي مسند أحمد وحسَّنه الألباني عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: "بَلَغني حديثٌ عن رجل سَمِعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريتُ بعيرًا، ثم شددتُ عليه رَحْلي، فسِرْتُ إليه شهرًا حتى قَدِمتُ عليه الشام، فإذا عبد الله بن أُنَيس، فقلت للبوَّاب: قل له: جابرٌ على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم. فخرج يطأ ثوبه فاعتنقنِي واعتنقتُه، فقلت: حديثًا بلغني عنك أنك سَمِعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القِصاص، فخشيتُ أن تموت أو أموت قبل أن أسمعَه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « [3] [4] .
»" [5].
3- عدم الجلوس وسط الحلقة:
إذا تحلق الطلاب حلقة فلا تقعدْ وسطها لما رواه الترمذي وقال: حسن صحيح عن أبي مِجْلَزٍ أن رجلاً قعد وسط حلقة، فقال حذيفة: ملعون على لسان محمد، أو لعن الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم مَنْ قَعَدَ وسط الحلقة [6].
4- عدم الشبع:
ينبغي لطالب العلم أن يقتصد في الطعام، فلا يأكل حتى يشبع لأن الشبع يُثقِل البدن، ويقلِّل الفهم، ويُفسِد الذهن.
فقد روى الترمذي وقال: حديث حسن صحيح عن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » [7].
قال سحنون: "لا يصلح العلم لمَن يأكل حتى يشبع" [8].
5- آداب المتعلِّم مع معلِّمه:
أ- ينبغي للطالب أن يستخير الله فيمَن يأخذ العلم عنه؛ لأن العلم الشرعي هو الذي يشكِّل عقيدتك وسلوكك، ويبصِّرك بطريق الوصول إلى الله ففي صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمَّن تأخذون دينكم" [9].
ب- أن يتواضع لمعلِّمه، فقد ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه، فقال: "تنحَّ يا ابن عم رسول الله، فقال: هكذا أُمِرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال زيد: أرني يدَك، فأخرجها، فقبَّلها، وقال: هكذا أُمِرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم" [10].
ج- أن يَصبِر على جفوة تَصدُر من شيخه، أو سوء خُلق، ولا يصدُّه ذلك عن ملازمته، ويبدأ هو عند جفوة الشيخ بالاعتذار، فإنَّ ذلك أبقى لمودَّة شيخه، وأنفع للطالب.
د- أن يجلس بين يدي المعلِّم جلسة الأدب، ويُصغِي إليه، وأن يُحسِن خطابه معه، وألا يسبق إلى شرح مسألة أو جواب، ولا يقطع على المعلِّم كلامه، ويتخلق بمحاسن الأخلاق بين يديه.
هـ- ألا يُمَارِي شيخه ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » [11].
6- آداب المتعلم في دَرْسهِ:
أ- أن يبدأ أولاً بكتاب الله العزيز فيتقنه حفظًا؛ لأنه أساس العلوم كلها.
ب- ألا يشتغل في أول أمره بمسائل الاختلاف بين العلماء؛ فإنه يحيِّر الذهن.
ج- أن يصحِّح ما يقرؤه قبل حفظه تصحيحًا متقنًا، إما على معلمه، أو على غيره من أهل العلم، ثم يحفظه بعد ذلك.
د- أن يلزَم معلِّمه في التدريس والإقراء، بل وجميع مجالسه إذا أمكن؛ فإنه لا يزيده إلا خيرًا وتحصيلاً.
هـ- أن يتأدَّب مع حاضري مجلس العلم؛ فإنه أدب معه واحترام لمجلسه.
و- ألا يَستَحْيِي من سؤال ما أشكل عليه، ويتفهم ما لم يتعقَّله بتلطُّف وحسن خطاب وأدب [12].
7- آداب المتعلِّم في نفسه:
أ- أن يطهِّر قلبه ليَصلُح بذلك لقَبُول العلم وحفظه، وأن يطلب العلم يقصد به وجهَ الله تعالى والعمل به، وإحياء الشريعة، ولا يقصد به الأغراض الدنيوية لأن العلم عبادة، فإن خلصت فيه النية قُبِلَ ونَمَت بركته، وإن قُصِدَ به غير وجه الله تعالى حبِط وخسرت صفقته فقد روى أبو داود بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » يعني: ريحها [13].
ب- أن يبادر شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل، وأن يقنع من القوت بما تيسَّر، وإن كان يسيرًا، ومن اللباس بما يَسْتُر.
ج- أن يقسِّم أوقات ليله ونهاره ويستفيد منها.
د- أن يقلِّل نومه ما لم يلحقْه ضرر في بدنه وذهنه، ولا بأس أن يريح نفسه وقلبه وذهنه، إذا كلَّ عن شيءٍ من ذلك أو ضعف، وأن يأخذ نفسه بالورع في جميع شأنه، ويتحرَّى الحلال في طعامه، وشرابه، ولباسه، ومسكنه.
8- التثبت في الفُتْيا:
ينبغي لطالب العلم أن يعلمَ أن الفتوى في الدين مسؤولية عظيمة، فعليه أن يدفعَها عن نفسه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً روى أبو داود بسند حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » [14].
9- الابتعاد عن المعاصي:
قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29][15].
كيف تتعلم الفقه؟
أولاً: تحفظ متنًا في الفقه يجمع لك أَشهَر مسائله.
ثانيًا: تحفظ كتابًا في المسائل المُجمَع عليها؛ مثل الإجماع لابن المنذر.
ثالثًا: دراسة شرح المتن الذي حفظتَه في الفقه مع أدلته.
رابعًا: معرفة أقوال العلماء في المسألة مع الراجح منها باختصار.
خامسًا: مطالعة الكتب التي أفردت أدلة الفقه؛ مثل: بلوغ المرام، ومنتقى الأخبار، ودلائل الأحكام لابن شداد، والتحقيق في مسائل الخلاف لابن الجوزي، مع تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي أو للذهبي، ومعرفة السنن والآثار للبيهقي.
سادسًا: مطالعة كتب الخلاف العالي على الترتيب التالي:
1- المغني لابن قدامة، المتوفَّى 620 هـ.
2- والأوسط لابن المنذر، المتوفَّى 318 هـ.
3- ومختصر خلافيات البيهقي للخمي، المتوفَّى 699هـ.
4- الإشراف على نكت مسائل الخلاف للقاضي عبدالوهاب المالكي، المتوفَّى 422 هـ، وعيون المجالس له.
5- والمجموع للنووي، المتوفَّى 676 هـ.
6- والاستذكار لابن عبدالبر، المتوفَّى 463 هـ.
7- واختلاف العلماء للطحاوي (321 هـ)، باختصار الجصاص (370هـ).
سابعًا: مطالعة كتب أصول أئمة المذاهب؛ مثل: موطأ الإمام مالك، وموطأ الإمام محمد بن الحسن الشيباني، والأم للإمام الشافعي، ومسائل الإمام أحمد؛ ففيها علم جم، وفقه غزير.
ثامنًا: مطالعة كتب فقهاء الحديث؛ مثل: صحيح البخاري، وسنن أبي داود، والترمذي، وابن خزيمة، وتلميذه ابن حبان؛ ففيها فقه لا يعرفه إلا مَن طالعها.
تاسعًا: مطالعة فتاوى العلماء الكبار؛ مثل مجموع فتاوى ابن تيمية، ونحوها.
وبعدُ:
فهذه هي الطبعة العاشرة من متن بداية المتفقه، وقد أعدتُ النظر فيها، وعرضتُها على كثير من المشايخ المتخصِّصين في الفقه والأصول على مدى سنتين كاملتين في جلسات متتابعة؛ لدراسة هذا المتن، وعرضه على الكتاب والسنة وأقوال فقهاء الأمة، فنبَّهوني على مواطن كثيرة من زيادة قيد، أو حذف حكم، أو غير ذلك، تبعًا للدليل، فجزاهم الله خيرًا، وأحسن مثوبتهم، فلقد انتفعت بهم كثيرًا، فأرجو ممَّن طالع الطبعات الأولى أن يصحِّحها على هذه الطبعة، كما أرجو ممَّن وقف على حكمٍ يخالف الكتاب والسنة أن ينبِّهني عليه، وأكون له من الشاكرين، وأسأله - سبحانه - أن يغفر لي زللي وخطئي، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا الإخلاص في تعلم العلم وتعليمه، وفي كل قول وعمل.
وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح: مسلم (1905).
[2] حسن: رواه أبو داود (3664)، وابن ماجه (252) بسند حسن.
[3] الغرل: جمع أغرل، وهو الذي لم يختتن.
[4] بُهْم: جمع بَهِيم وهو الأسود، وقيل: الذي لا يخالط لونه سواه.
[5] حسن: رواه أحمد (16042) بسند لا بأس به، وصححه الحاكم، والذهبي (8715)، وله شواهد صحيحة.
[6] صحيح: رواه الترمذي (2380) وقال: حسن صحيح.
[7] حسن: رواه الترمذي (2380)، وصححه، وابن ماجه (3349)، واللفظ له.
وفي الخلو من الطعام فوائد، وفي الامتلاء مفاسد؛ ففي الجوع: صفاء القلب، وإيقاد القريحة، ونفاذ البصيرة، فإن الشبع يورث البلادة، ويُعمي القلب، فلا ينبغي للعبد أن يعوِّد نفسه الشبع، فإنها تميل إلى الشَّرَه، ويصعب تداركها، وليروضْها من أول الأمر على السداد، فإن ذلك أهون له من أن يجرِّئها على الفساد.
[8] جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر (ج1/ ص 470).
[9] أثر صحيح: رواه مسلم في مقدمة صحيحه (26).
[10] القصة في ابن عساكر (19/326)، وكنز العمال (73061).
[11] صحيح: رواه البخاري (7288) ومسلم (1337).
[12] راجع: الموسوعة الفقهية الكويتية - حرف الطاء - طلب العلم.
[13] حسن: رواه أبو داود (3664)، وابن ماجه (252)، بسند حسن.
[14] حسن: رواه أبو داود (3657) بسند حسن، وحسنه الألباني.
[15] فرقانًا: علمًا تفرِّقون به بين الحق والباطل.