(2) النهي عن الغَضَب في السنة النبوية
جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: «لا تغضب»، خير الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الغَضَب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه، فينتقص ذلك من الدين.
- التصنيفات: مساوئ الأخلاق -
- عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: «لا تغضب»، فردد مرارًا، قال: «لا تغضب»" (رواه البخاري:3461)، قال الخطابي: "معنى قوله: «لا تغضب» اجتنب أسباب الغَضَب، ولا تتعرَّض لما يجلبه" (فتح الباري لابن حجر:10/520).
وقال ابن التين: "جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: «لا تغضب»، خير الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الغَضَب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه، فينتقص ذلك من الدين" (فتح الباري لابن حجر:10/520).
وقال البيضاوي: "لعله لما رأى أنَّ جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته، ومن غضبه، وكانت شهوة السائل مكسورة، فلما سأل عما يحترز به عن القبائح نهاه عن الغَضَب، الذي هو أعظم ضررًا من غيره، وأنَّه إذا ملك نفسه عند حصوله، كان قد قهر أقوى أعدائه" (فتح الباري لابن حجر:10/520).
- عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف: "أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب» (رواه مالك في الموطأ:5/1331،3362، والبيهقي في معرفة السنن والآثار:14/226).
قال البيهقي: "مرسل"، وقال ابن عبد البر في (التمهيد:7/245): "مرسل"، وقد روي هذا الحديث من غير طريق مالك ومن غير طريق ابن شهاب مسندًا من وجوه ثابتة، وقال ابن الأثير في (شرح مسند الشافعي:5/4): "مرسل".
قال الباجي: "قول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني كلمات أعيش بهن، يحتمل أن يريد به أنتفع بها مدة عيشي، ويحتمل أن يريد به -والله أعلم- أستعين بها على عيشي، ولا تُكثر عليَّ فأنسى، ولعله عرف من نفسه قلة الحفظ، فأراد الاختصار الذي يحفظه ولا ينساه، فجمع له النَّبي صلى الله عليه وسلم الخير في لفظ واحد، فقال له: «لا تغضب»، ومعنى ذلك -والله أعلم- أنَّ الغَضَب يفسد كثيرًا من الدين؛ لأنَّه يؤدي إلى أن يُؤذِي ويُؤذَى، وأن يأتي في وقت غضبه من القول والفعل ما يأثم به، ويُؤثِم غيره، ويؤدي الغَضَب إلى البغضة التي قلنا إنها الحالقة، والغَضَب أيضًا يمنعه كثيرًا من منافع دنياه، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب»، يريد -والله أعلم- لا تُمضِ ما يبعثك عليه غضبك، وامتنع منه، وكفَّ عنه" (المنتقى شرح الموطا:7/214).
وقال ابن رجب في شرحه للحديث: "فهذا الرَّجلُ طلب مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُوصِيه وصيةً وجيزةً، جامعةً لِخصال الخيرِ، ليحفظها عنه خشيةَ أنْ لا يحفظها؛ لكثرتها، فوصَّاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ لا يغضب، ثم ردَّد هذه المسألة عليه مرارًا، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يردِّدُ عليه هذا الجوابَ، فهذا يدلُّ على أنَّ الغَضَب جِماعُ الشرِّ، وأنَّ التحرُّز منه جماعُ الخير" (جامع العلوم والحكم:1/362).
- وعن سليمان بن صرد قال: "استبَّ رجلان عند النَّبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسبُّ صاحبه مغضبًا قد احمرَّ وجهه، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنِّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، فقالوا للرَّجل: ألا تسمع ما يقول النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لست بمجنون" (رواه البخاري:6115، ومسلم:2610).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشَّديد بالصُّرَعة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب» (رواه البخاري:6114، ومسلم:2609)، قال ابن بطال: "أراد عليه السلام أن الذي يقوى على ملك نفسه عند الغضب ويردها عنه هو القوى الشديد، والنهاية في الشدة لغلبته هواه المردي الذي زينه له الشيطان المغوي، فدل هذا أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبي عليه السلام جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ماليس للذي يغلب الناس ويصرعهم" (شرح صحيح البخارى لابن بطال:9/296).