نحو جيل فريد.. إلى الأقصى

سارة خليفة

وتساءلت، ماذا كان يشعر صلاح الدين و جيشه وهم علي أعتاب القدس؟! وهم قاب قوسين من تحرير الأقصى؟!
ما كان حال المسلمين في كل أنحاء المعمورة وقت إذ؟ عندما علموا أن جيش الناصر صلاح الدين عند مشارف المدينة المقدسة؟! ودحر جيش الصلبيين!!

(1)
وقفت تحضر الطعام على عجل، فلقد تأخروا كثيرًا.
وشارف المؤذن أن يؤذن لصلاة الظهر، رباه!! لقد تأخرنا!!
أكملت سريعًا.. وذهبت تتفقد عمر وصلاح الدين، لقد تركتهما وهم يجهزوا أشياءهم، فلا يدروا متى تكون العودة!
هي: "عمر وصلاح!! هيا سنتأخر، نريد أن نكون بالمسجد قبل الأذان!".
عمر: "أمي، هل كلمكِ أبي؟".
هي: "نعم، وهو ينتظرنا هناك في ركب المرابطين.. هيا سريعًا وتفقد صلاح الدين، سننتطلق بعد 10 دقائق".
تأملته وهو يجري ويختفي داخل الغرفة.. هل سيكونوا منهم؟!

(2)
وقفت تتنظرهم وهي تنظر من النافذة المطلة على الساحة، ساحة الأقصى! كم شهدت هذه النافذة من أحداث، وكم مر بها!
وتساءلت، ماذا كان يشعر صلاح الدين و جيشه وهم علي أعتاب القدس؟! وهم قاب قوسين من تحرير الأقصى؟!
ما كان حال المسلمين في كل أنحاء المعمورة وقت إذ؟ عندما علموا أن جيش الناصر صلاح الدين عند مشارف المدينة المقدسة؟! ودحر جيش الصلبيين!! 
ما حال الليل عندهم؟! وحال النهار؟! 
ما حال المساجد؟! والدعاة ؟!
وما كان الحال عند الدخول المدينة وهم لها فاتحون؟! بعد النصر، وما كان حال المسلمون عندما علموا بالنصر؟!
كم من بقعة أرض شهدت سجود شكر، ودموع خشية وحمد؟!
وما كان حال الأقصى والمدينة، وبما تزينت وقت استقبال جيش الفاتحين؟!
كيف كان حال القلوب؟! هل يا ترى اختلفت القلوب، وحال الليل والنهار، وحال المساجد والدعاة 
لدرجة اننا مازلنا نراه حلم بعيد!  

(3)
منذ بدأت الطريق، وكلما رأت المسجد وساحته، وهي تجدد العهد، أن تلك القضية هي حياتها، وستعلمها كل من حولها، وستربي أولادها أن يكونوا في أول الصفوف.
سمتهم عمر وصلاح الدين، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو من فتحها أول مرة، معه أشرقت أولى القبلتين، وصلاح الدين هو من استردها وطهرها ولم يهدأ حتى وضع في مسجدها المنبر وعلى صوت المؤذن يهز أركان تلك المدينة التي شتاقت، ومن الجيش الفاتح الذي عاش القضية وحضوروا هذا الموقف المهيب!
ومن أول يوم، وهي تتعهد عمر وصلاح الدين على أن يتجدد تاريخ المدينة على أيديهم، لعل يكون لهم من اسمهم نصيب!

(4)
"هيا تأخرنا!" جمعوا أشياءهم، وذهبوا، فهم اليوم مع المرابطين، مرابطين الأقصى.
يمروا في المدينة، حتى لاحت لهم أبواب ساحة. مروا على معالم المدينة، ومروا على وجهوه قد أنهكها تعب، تبتسم لهم برفق. ووجوه سوادء كملابسهم، ينظر لهم عمر وصلاح ويبتسموا، فتنظر لهم أمهم وتبتسم!
فهي تعلم أن صغارها، يدركوا من هؤلاء وأنهم عدوهم، هولاء جنود بني صهيون، ينظروا لهم ويبتسموا ابتسامة من وثق بنصر الله، وأن مهما تزودوا بعدة وعتداد، فمصيرهم هو الجلاء، ودائمًا ما كان الصغار يتشاجروا من سيقود الجيش للنصر!

فلعل كل ما دار في خلدهم حيئذ، هو تفاصيل المعركة، التي طالما فكروا ومثلوها معًا مرارًا!

كانوا قد وصلوا للأبواب حين قال عمر: "أمي، سأخذ صلاح ونذهب لأبي ... نلاقكِ قريبًا إن شاء الله"
شاهدتهم وهم ينطلقون.. فكانت أجمل لحظاتهم حين تطأ أقدامهم الصغيرة الساحة، ويتسابقوا حتى يصلوا للمصلى القلبي، وانطلقت هي تلحق بركب المرابطات.

(5)
كان حديث اليوم عن النصر والتمكين، وما السبيل؟!
ما هي شروطه وأسبابه؟ وكيف نحققها فينا وفيمن حولنا؟! وما هي صفات هذا الجيل! الذي ننتظره جميعًا؟![1]

من أهم شروط التمكين، تحقيق الإيمان في نفوسنا. فالإيمان هو تصديق القلب، وإقرار اللسان، وعمل الجوارح، فكلمة التوحيد، لا إله إلا الله، ليست بكلمة عادية! ولكنها منهج كامل!

يقول سيد قطب في الظلال: "إن حقيقة الإيمان التي يتحقق بها وعد الله، حقيقة ضخمة تستغرق النشاط الإنساني كله، وتوجه النشاط الإنساني كله، فما تكاد تستقر في القلب؛ حتى تعلن عن نفسها في صورة عمل ونشاط وبناء وإنشاء موجه كله إلى الله، لا يبتغي به صاحبه إلا وجه الله، وهي طاعة الله واستسلام لأمره في الصغيرة والكبيرة، لا يبقى معها هوى نفس، ولا شهوة في القلب، ولا ميل في الفطرة إلا وهو تبع لما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم من عند الله."
فالإيمان والتمكين لا يفترقان!! إن تحقق الإيمان وجدت جيلًا من المسلمين؛ حر آبي، لا يعبد إلا خالقه! فهو تحرر من عبودية الخلق إلي الخالق، لديه يقين بالنصر، وأن ما عند الله هو حق، فلن يتمكن اليأس يومًا من قلبه. سيكون لديه من القوة والإرادة والصبر ما سيجعله يمشي في الطريق! ومهما قابل من ابتلاء وتضيق، فلن تجده إلا ثابتًا يرجو رضى ربه. جيل تربى على التمسك بالشرع وأن يكون جنديًا للحق!
عندما يتحقق الإيمان والتقوى! تكون خطوة في طريق يجب أن يسير فيه ليصل للنصر!

(6)
ولكي نعبر الطريق، يجب أن يكون لنا من العدة والأخذ بالأسباب ما تجعلنا نعبره! يقول الله تعالى {وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَىْءٍۢ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60].
فمنتهى الاستعداد، هو الاستطاعة! والأسباب ما هي إلا الاهتمام بتربية جيل رباني فريد، مع الاهتمام بالأسباب المادية، التي تساعدنا في الطريق، من قوة عتاد، قوة إقتصادية وغيرها.

نشتاق لجيل رباني، جيل قلبه مخلص لله، جيل شعاره {قَالَ كَلَّآ ۖ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]، جيل يعلم أن الحياة، هي حياة الآخرة، وما الدنيا إلا دار ابتلاء، جيل تربى على اليقين والوعي بحال أمته، و يحمل مسئولية العمل لهذا الدين، جيل دعوة وجهاد! فهو يعلم أهمية الدعوة، ويعرف أن الجهاد هو السبيل في تلك الحياة ليمكن لهذا الدين! فما ذل المسلمون إلا بعد أن تركوه! جيل لديه إرادة حية يقظة، صابر مصطبر على الطريق وابتلاء {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىٍّۢ قَـٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌۭ فَمَا وَهَنُوا۟ لِمَآ أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا۟ وَمَا ٱسْتَكَانُوا۟ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} [آل عمران:146].

والجيل الرباني مقوماته تتلخص في تلك الآية {وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًۭا} [الكهف:28].

{وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ}: الصبر
فالجيل الرباني يجب أن يدرك قيمة الصبر في التمكين، فلا بد للإنسان من أربعة أمور إن أراد ألا يكون من الخاسرين في الدنيا والآخرة، {إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلْحَقِّ وَتَوَاصَوْا۟ بِٱلصَّبْرِ} [العصر:3]، الإيمان، والعمل الصالح، وإصلاح غيره والتواصي بالصبر!
فالتواصي بالصبر مهم للطريق! للصبر عليه وعلى ابتلائات الطريق! الصبر على جهاد النفس، والصبرعلى الطاعات، وجهاد الغير وجهاد التغيير.

{يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ}: الإلحاح على الله وكثرة الدعاء

{يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ}: الإخلاص
فالجيل الرباني يجب أن يعد على أن تكون أقواله وأعماله وسكناته وجهاده كله لوجه الله. وليس لحظ نفسه ولا من أجل شعارت أو جماعات أو أي شيء! ليصبح جنديًا من أجل العقيدة والمنهج الرباني ولسان حاله {قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُۥ ۖ وَبِذَ‌ ٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163].

{وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا}: الثبات
فالجيل الرباني يجب أن يربى على الثبات. فالطريق الطويل ويجب له من صبر وثبات! {مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌۭ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبْدِيلًۭا} [الأحزاب:23].  

ولا ننسى الهدف من التمكين، ليست أسباب دنيا ولكن {ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا۟ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ} [الحج:41].

(7)
عودة الأقصى ليست حلم! فليست كل الأحلام تتحقق!! عودة الأقصى وعودتنا إلي هناك فاتحين بإذن الله، حقيقة مؤجلة لحين أن يرى الله فينا خير. فلنجعلها حقيقة في قلوبنا لا تغيب عنه، نعلمها لمن حولنا  
و نتواصى بأن نكون من ضمن الركب، فمن شهد هذا اليوم فليدعو لمن كان يشتاق. وأجعل لك بصمة من الآن في هذا الركب، فإن لم تشهده بنفسك، أجرت به نية وتربية لغيرك. 

--------

[1]- مرجع الإجابة: فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم لد.علي محمد الصلابي.