قوة الاعتذار
إن الاعتذار فرصة رائعة لتعميق الحب والمشاركة، فإنه الوقت المثالي للقيام بالجهد الحقيقي للاستماع إلى شريك الحياة باحترام وتعمق، وإنه الوقت لمعايشة التعاطف والعرفان بالجميل معه نظرًا لأنه راغب في تقديم الاعتذار. وهو الأمر الذي يجعل شريك الحياة يقوم بنفس ما قمت به معه عندما يأتي دورك في الاعتذار
- التصنيفات: تربية النفس -
"إن الاعتذار فرصة رائعة لتعميق الحب والمشاركة، فإنه الوقت المثالي للقيام بالجهد الحقيقي للاستماع إلى شريك الحياة باحترام وتعمق، وإنه الوقت لمعايشة التعاطف والعرفان بالجميل معه نظرًا لأنه راغب في تقديم الاعتذار. وهو الأمر الذي يجعل شريك الحياة يقوم بنفس ما قمت به معه عندما يأتي دورك في الاعتذار" لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية، د. ريتشارد كارلسون وكريستين كارلسون، ص (314-315) بتصرُّف).
إن للاعتذار قوة سحرية، بل ربما كان الاعتذار وسيلةٌ من وسائل دفع من أمامك إلى الاعتذار. مثال على ذلك: حين يقول الزوج أو الزوجة: "أنا آسف لأني خرجت عن شعوري وأنا أحدثك بشأن كذا...، يبدو أني بالغت بعض الشيء"، فإن رد فعل الطرف الآخر غالبًا يكون: "لا بأس، أنا أيضًا آسف فلم أكن أعرف أهمية هذا الأمر بالنسبة لك، سأكون أكثر حرصًا في المرة القادمة".
ومفتاح الاعتذار الحقيقىي هو الاعتراف بالخطأ، لذلك فإن عبارة "أنا آسف! لقد آذيت مشاعرك" تحدث التأثير القوي المطلوب، وهناك أيضًا بعض اللمحات الإضافية التي تؤكد روح الاعتذار، ومن ذلك مثلًا تعبيرات الوجه ودرجة الصوت، وحين يكون الاعتذار حقيقيًّا فإنه يمثل القوة الأكبر في تبديد الغضب وتهدئة الطرف الآخر (حتى يبقى الحب، د. محمد محمد بدري، ص (560-561)).
معنى الاعتذار:
اعتذَر: قدّم اعتذاره، عذره أي الحجة التي تقدم لنفي ذنب أو تبريره (قاموس المعاني. مادة ع.ذ.ر).
قالوا عن الاعتذار: الاعتذار من شيم الكبار.
قال الشاعر وقد نظم بيتًا في العذر المقبول:
إِذَا اعْتَذَرَ الْجَانِي ومَحَا الْعُذْرُ ذَنْبَهُ *** كَانَ الَّذِي لاَ يَقْبلُ الْعُذْرَ جَانِيًا
من فوائد الاعتذار:
-اسْتِرضاَء الْمُعْتَذَرِ إِلَيْهِ.
-الاعْتِذَارُ يُصَفِّي الْقُلُوبَ.
- يُرْزَقُ الْمُعْتَذِرُ وَالْمُعْتَذَرُ إِلَيْهِ التَّوَاضُعَ.
-الَّذِي يَقْبَلُ العُذْرَ يُشَجِّعُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ.
ثقافة الاعتذار:
لا يزال الاعتذار عن الخطأ صعبًا ومستبعدًا لاعتبارات وتقاليد نمطية متوارثة، وهو ثقافة مفقودة بين الأزواج.
جميلٌ منا أن نشعر بأخطائنا بحق الآخرين، ولكن الأجمل أن يترجَم هذا الشعور لواقعٍ ملموس واعترافٍ بالخطأ، ومن ثم اعتذار مغلّف بشموخ نفسٍ أُحِيطَت بالانكسار فقط لمن اقترفنا بحقه ما لا يليق به. ومن الناس من يعتبر الاعتذار ضعف وإهانة ومنقصة. ثقافة الاعتذار أن نشعر بالندم عمّا صدر منا، وأن نتحمل المسئولية، وأن تكون لدينا الرغبة في الإصلاح.
شجاعة الاعتذار:
لا يمكن أن أعتذر لها أبدًا، هذا مبدأي، أنا لا أعتذر لأحد. ولكننا نقول الاعتذار من شِيَم الكبار، وأصحاب المبادئ من أهم سماتهم الرجوع إلى الحق والاعتذار عن الخطأ.
ولكن للأسف نحن لا نجيد فن الاعتذار!!
فالاعتذار تكون بكلمة (أنا آسف) كلمتان لا غير، لكننا نحس بثقلها على ألسنتا .. كلمتان لو نطقتها بصدق لذاب الغضب.
من أجمل ما قالته الكاتبة السعودية ميسون في جريدة الشرق الأوسط: "قد نُخطئ ولكننا لدينا الأسباب التي دفعتنا إلى ذلك، فتجدنا أبرع من يُقدّم الأعذار لا الاعتذار، نحن لا نُعاني فقط من الجهل بأساليب الاعتذار، ولكننا أيضًا نُكابِر ونتعالى ونعتبر الاعتذار هزيمةً وضعفًا وإنقاصًا للشخصية والمقام! فنجد هناك الأم تنصح ابنتها بعدم الاعتذار لزوجها لكي لا يكبر رأسه، والأب ينصح ابنه بعدم الاعتذار للزوجة لأنه رجل البيت لا يعتذر، والمدير لا يعتذر للموظف لأن مركزه لا يسمح بذلك، والمعلمة لا تعتذر للطالبة لأنه ذلك سوف ينقص من احترام الطالبات لها، وسيدة المنزل لا تعتذر للخادمة! نحن أمة لا نجيد فن الاعتذار! فعندما نعتذر، نعتذر اعتذارًا مزيفًا، مثل: أنا آسف ولكن ...، أنا آسف لأنك لم تفهمني... علينا أن نقدم الاعتذار بنيّةٍ صادقةٍ معترفين بالأذى الذي وقع على الآخر. كلنا نُخطئ، ولكن حينما نُخطئ ونعرف خطأنا يجب علينا المسارعة بالاعتذار، فذلك دليل الشجاعة والمحبة والثقة بالنفس وقوة الشخصية".
الاعتذار الرائع:
هذا سواد بن عزيّة يوم غزوة أحد واقفٌ في وسط الجيش فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجيش: «استووا.. استقيموا»، فينظر النبي صلى الله عليه وسلم فيرى سوادًا لم ينضبط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «استوِ يا سواد» فقال سواد: "نعم يا رسول الله"، ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النبي بسواكه ونغز سوادًا في بطنه قال: «استوِ يا سواد»، فقال سواد: "أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق فأقدني!" فكشف النبي صلى الله عليه وسلم عن بطنه الشريفة وقال: «اقتص يا سواد». فانكب سواد على بطن النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّلها، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على هذا يا سواد؟»، قال: "يا رسول الله، حضرني ما ترى، ولم آمن القتل، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمسّ جلدي جلدك"، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير (انظر معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (3133)).
هذا مثالٌ عملي ورائع من الرسول صلى الله عليه وسلم ليعتذر إلى سواد، نرد به على من قال إن الإسلام انتشر بحد السيف، بل انتشر بالرحمة والعدل، إن الغرب عندهم تقدُّم مادي وآلي أما الإسلام فهو حضارة إنسانية، لأن الحضارة لابد أن تقوم على القيم والأفكار وترتكز على مقوم أساسي وهو الدين.
ونلاحظ في هذا الموقف أن باعتذار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة حصل سواد على ما يريد وهو أن يمسّ جسده جسد الرسول الشريف ليكون آخر عهده من الدنيا إذا لقي ربه.
فنون الاعتذار:
وعن فنون الاعتذار بين الزوجين يقول: ليس هناك امتهان بين الزوجين، لا نريد التفكير أن هناك متضررًا من الاعتذار، لأن هذا النوع من التفكير هو ما يعقّد الأمور ويخلق الحواجز بين الطرفين. أحيانًا يعتذر أحد الطرفين للآخر رغم أنه لم يخطئ مما يجعل الآخر يدرك خطأه ويكون علّم الطرف المخطئ فن الاعتذار ونبهه على خطئه بهدوء، وهذا فن من فنون الاعتذار، كما أن قبول الاعتذار هو تقدير للآخر.
أساليب الاعتذار بين الزوجين:
عندما تشعر بأنك أخطأت في حق شريك حياتك فبادر بتقديم الاعتذار، إن مجرد صدق نواياك في الاعتذار يمكن أن يحل الأمور، فاعترافك بالخطأ هو نصف الأمر، أما النصف الآخر فهو كيفية التعبير عن اعتذارك..
1- كتابة بطاقة.
2- الهدايا أهم سُبُل الاعتذار.
3- إعداد الطعام المفضل أو العشاء بمطعمٍ أو الخروج لنزهة.
"أعتذر أو لا أعتذر؟" عبارة قد تُردّدها بعد خصامٍ مع شريك الحياة وقد تبدو الكلمة صعبة.
مَن يعتذر؟
تشير الباحثة الاجتماعية نجوى صالح، إلى أن العلاقات البشرية مليئة بالأخطاء والهفوات، خاصةً عندما يتعايش شخصان من بيئتين مختلفتين تحت سقفٍ واحد، كما بين الأزواج. ولأن العلاقة بين الزوجين من أسمى وأقوى العلاقات البشرية، ولأن المودة من أهم الأُسس لذلك الرابط المقدّس، فلا فارق فيمن يبدأ الاعتذار أو من المخطئ عند الخطأ، طالما أن هناك محبةً ورغبةً في استمرار الحياة الزوجية.
ورغم أن كثيرًا من الرجال يعتبر الاعتذار تقليلًا من الكرامة والقدر أمام الزوجة، وهذا خطأ، إلا أن الاعتذار كفيل بتوفير صفاء بين الزوجين وتراض من دون أن يشعر أحد الطرفين بأنه أقدم على ما ينقص من شأنه وقدره أو بانتصار الطرف الآخر، فالعناد والكبرياء من أهم أسباب دمار الحياة الزوجية التي تقوم على المحبة والتفاهم المشترك.
إن الاعتذار المباشر هو أفضل وأقصر الطرق للتراضي بين الزوجين، وما من عيب في ذلك إذا ما شعر أحد الطرفين بأنه أخطأ في حق الآخر وسارع ليُبادِر بالأسف عما بدر منه، خاصة إذا كان في تصرفه إهانة أو تقليل من قدر الآخر، فكلمة "آسف" أو "سامحيني" ليست بالصعبة أو المستحيلة، ولا تعني أن صاحبها قلّل من قدر نفسه أو قدم تنازلًا كبيرًا، كما أنها ليست انتصارًا للطرف الآخر كما يعتبرها البعض.
اعتذار غير مباشر:
إذا كان الاعتذار المباشر صعبًا فعليك بطرق غير مباشرة مثل:
محادثة أو تعليق: إذا وجدت زوجكِ يُحدّثك عن برنامج معين أو أمور متعلقة بعمله أو بالأبناء أجيبي عليه وكأن شيئًا لم يكن.
اتصال بلا حُجّة:
إذا اتصل بك زوجكِ على غير عادته بحجة سؤاله عن شيء ما، فهذا يعني أن الاتصال هو بادرة منه لتصفية الوضع، فلا تترددي بالإجابة.
مزاح عابر أو نكتة:
كثير من الرجال يفضل إنهاء موقف الخصام بمزحة ما أو تعليق ساخر حتى تضحك الزوجة وينتهي الأمر وكأن شيئًا لم يكن، فابتسمى فالابتسامة تُزِيل الكثير بين الزوجين.
المبادرة بالمساعدة:
عندما تجدين زوجك متعاونًا على غير عادته أو يسألك إن كنت بحاجة لمساعدته، لبّي طلبه حتى يعلم أن الرسالة وصلت.
هدية:
يعتبر الرجل أحيانًا الهدية تُعبِّر أكثر من الكلام عن اعتذاره.
مدح أو إطراء:
يلجأ بعض الرجال لأسلوب الإطراء أو المدح، لما ترتديه الزوجة أو لطبق حضّرته فتفهم أنه يُعبِّر بذلك عن حبه لها وأنه أخطأ بحقها فتسامحه.
اعتذار المرأة:
إن المرأة تختلف عن الرجل في تعبيرها عن الاعتذار، فقد تعتذر بطرق مختلفة مثل: تحضير طبق يُحبّه الزوج، أو مظهرٍ جذّاب يلفت نظر الزوج...
الدلال:
وهو من الأسلحة الطبيعية التي يضعف الرجل أمامها.
عرض مشكلة وطلب استشارة:
وهنا تكسب تعاطفه معها فينتهي موقف الخصام بينهما، وسيشعر أنها لا تستطيع الاستغناء عنه حتى في أوقات الخصام.
نصائح للزوجين:
- عدم العند والإصرار على الرأي، فبعض التنازلات تسيّر الأمور.
- طرد فكرة أن الاعتذار هو قلة قدر أو إهانة فلا كرامة بين الأزواج.
- تفهُّم كِلا الطرفين لغضب الآخر حتى لا تتفاقم الأمور وتكبر المشكلة، فعندما يشد أحدهما، على الآخر أن يرخي الحبل لتهدأ الأمور.
- العتاب بينهما، فالعتاب دليل المحبة، كما أن تراكم المضايقات والمواقف من دون حسمها سيجعل الأمور تسوء لأبسط الأسباب مفجرة للموقف.
- تقبّل الطرفين لمرضاة الآخر واعتذاره غير المباشر حتى لا تزيد الأمور سوءًا.
في الختام:
لا تُخاطِر بإنكار كل شيء والإصرار على أنك كنت على صواب، فرفض الإقرار بأي خطأ بالمرةِ يستثير غضب الطرف الآخر ويُطلِق شرارة التفاقم الحواري بينك وبين شريكك، بل هو يقود الطرف الآخر في محاولة دحض حجتك في إنكار الخطأ وهكذا... إن الزوج أو الزوجة يريد أن يسمع من شريك الحياة كلمة أنا آسف، فلماذا لا نستخدم قوة الاعتذار وهو من شيم الكبار.
أم عبد الرحمن محمد يوسف