مضى عهد النوم يا خديجة
من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الباحثين اعتقادهم أن قول: "مضى عهد النوم يا خديجة" حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أنه ليس بحديث.
- التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها -
من الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الباحثين اعتقادهم أن قول: "مضى عهد النوم يا خديجة" حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أنه ليس بحديث.
"مضى عهد النوم يا خديجة" والحديث ذكره الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسيره المسمى بـ(في ظلال القرآن في موضعين): الأول: في تفسيره لقول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [البقرة:63-64].
الثاني: في تفسير سورة المزمل: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ . قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا . نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا . أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا . إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا . إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا . إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا . وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا . رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل:1-9]، [1].
وقد قال الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف في تخريجه لأحاديث وآثار كتاب ظلال القرآن: "14 حديث: (مضى عهد النوم يا خديجة) (1/76)، لم أجده، 904 حديث: مضى عهد النوم يا خديجة! (6/3744)، لم أجده بعد بحث طويل، والأقرب عندي أنه ليس بحديث" [2].
والثابت كما في صحيح البخاري عن عائشةَ أمِّ المؤمنين أنها قالت: "أولُ ما بُدئ به رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من الوحيِ الرؤيا الصالحةُ في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثلَ فلَقِ الصبحِ، ثم حُبِّب إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغارِ حِراءَ، فيتحنَّثُ فيه -وهو التعبدُ- الليالي ذواتِ العددِ قبل أن ينزعَ إلى أهله، ويتزوَّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجةَ فيتزوَّد لمثلها، حتى جاءه الحقُّ وهو في غارِ حراءَ، فجاءه الملكُ فقال: «اقرأْ. قال: ما أنا بقارئٍ. قال: فأخذني فغطَّني حتى بلغ مني الجَهدُ، ثم أرسلَني فقال: اقرأْ، قلتُ ما أنا بقارئٍ، فأخذني فغطّني الثانيةَ حتى بلغ مني الجهدُ، ثم أرسلَني فقال: اقرأْ، فقلتُ: ما أنا بقارئٍ، فأخذني فغطَّني الثالثةَ، ثم أرسلَني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}» [العلق:1-3].
فرجع بها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يرجُف فؤادُه، فدخل على خديجةَ بنتِ خُويلِدٍ رضي الله عنها فقال: «زمِّلوني زمِّلوني»، فزمَّلوه حتى ذهب عنه الروعُ، ثم أخبر خديجة الخبرَ ثم قال: «لقد خشيتُ على نفسي»، فقالت خديجةُ: كلا واللهِ ما يخزيك اللهُ أبدًا، إنك لتصلُ الرحِمَ، وتحملُ الكلَّ، وتكسبُ المعدومَ، وتُقري الضيفَ، وتعينُ على نوائب الحقِّ..
ثم انطلقت به خديجةُ حتى أتت به ورقةَ بنِ نوفلِ بن أسدٍ بن عبدِ العُزى، ابنِ عمِّ خديجةَ، وكان امرأً تنصَّر في الجاهليةِ، وكان يكتب الكتابَ العبرانيَّ، فيكتب من الإنجيلِ بالعبرانيةِ ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عميَ، فقالت له خديجةُ: يا بنَ عم! اسمعْ من ابنِ أخيك، فقال له ورقةُ: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبرهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خبرَ ما رأى، فقال له ورقةُ: هذا الناموسُ الذي نزل اللهُ به على موسى، يا ليتني فيها جذَعٌ، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومُك..
فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «أوَمُخرجِيَّ هم؟»، قال: نعم، لم يأتِ رجل قطُّ بمثل ما جئتَ به إلا عودي، وإن يدركني يومُك أنصرْك نصرًا مؤَزَّرًا، ثم لم ينشب ورقةُ أن توفي، وفترُ الوحيُ" [3].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سيد قطب: في ظلال القرآن، الناشر: دار الشروق- بيروت- القاهرة، الطبعة: السابعة عشر، 1412هـ، جـ1/76، جـ6/3744.
[2] علوي بن عبد القادر السقاف: تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن، لسيد قطب- رحمه الله، الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1416هـ - 1995م، جـ1/20، 483.
[3] البخاري: صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى ديب البغا، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، الناشر: دار ابن كثير، اليمامة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1407،1987م، جـ1/4.