حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفل برمضان ويحتفي به وينبه أصحابه وأمته لفضيلة هذا الشهر وكيفية استقباله، واغتنام أيامه ولياليه دون إفراط أو تفريط، فيقول: «إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم» (صحيح سنن ابن ماجه: 1333).

  • التصنيفات: ملفات شهر رمضان -

شهر رمضان شهر عظيم مبارك، جعله الله موسمًا للخيرات، وزادًا للتقوى والبركات، اختصه الله سبحانه بنزول القرآن في ليلة هي خير من ألف شهر، وافترض علينا صيامه، وسَنَّ لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].


استقبال النبي صلى الله عليه وسلم لرمضان:
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفل برمضان ويحتفي به وينبه أصحابه وأمته لفضيلة هذا الشهر وكيفية استقباله، واغتنام أيامه ولياليه دون إفراط أو تفريط، فيقول: «إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرمها فقد حُرم الخير كله، ولا يُحرم خيرها إلا محروم» (صحيح سنن ابن ماجه: 1333).

ويقول صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يُفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة» (صحيح سنن ابن ماجه: 1331).

ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُرَغِّب في صوم التطوع، ويُكثر من الصوم في شعبان، فكان يصوم حتى يقولوا لا يفطر، إلا أنه نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، وذلك لمعنى الاحتياط لرمضان، وينهى عن صيام اليوم الذي يُشك فيه، ويقول: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين» (رواه البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروا الهلال، فإن غُم عليكم فاقدروا له» (رواه البخاري).

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجلٌ كان يصوم صومًا فليصم ذلك الصوم» (رواه البخاري).

لأن ذلك من التنطع، ومن الغلو في الدين الذي لا يحبه الله ورسوله.

وكان صلى الله عليه وسلم ي?ب تأخير السحور وتعجيل الفطر، ويقول: «تسحروا فإن في السحور بركة» (رواه البخاري).

ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر».

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخص رمضان من العبادة بما لا يخص به غيره من الشهور، وكان يواصل فيه أحيانًا فيصل الليل بالنهار صائمًا ليوفر ساعات ليله ونهاره على العبادة، وكان ينهى أصحابه عن الوصال ويبين لهم أنه من خصوصياته -صلى الله عليه وسلم- فيقولون له: إنك تواصل، فيقول: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني».

وقد أبى بعض أصحابه أن ينتهي عن الوصال إمعانًا في متابعته -صلى الله عليه وسلم- فواصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال، فقال: «لو تأخر الهلال لزدتكم»، كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا عن الوصال (رواه البخاري).

وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة للأمة، وأذن فيه إلى السحر، فقال: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» (رواه البخاري).

وقد اختلف أهل العلم في جواز الوصال أو منعه، وتعجيل الفطر أولى لما سبق من الحديث: «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر».

وفي السنن: «لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر، وإن اليهود والنصارى يؤخرون». وفيها عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل: «أحب عبادي إليّ أعجلهم فطرًا».

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسافر في رمضان للغزو وغيره، ويجاهد في سبيل الله في رمضان، وكان في سفره يصوم ويفطر، ويخير الصحابة بين الأمرين، وكان يأمرهم بالفطر إذا دنوا من عدوهم ليتقووا على قتاله، وسافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في أعظم الغزوات وأجلها في غزوة بدر، وفي غزوة الفتح.

ففي البخاري عن أبي الدرداء قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار حتى ليضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا ما كان من النبي صلى الله عليه وسلم وابن رواحة".

وفيه عن جابر قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى زحامًا ورجلاً قد ظُلل عليه، فقال: «ما هذا؟» فقالوا: صائم، فقال: «ليس من البر الصوم في السفر».

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: خرج رسول الله عام الفتح في رمضان فقام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، وكان أصحابه يتتبعون الأحدث فالأحدث من أمره ويرونه الناسخ المحكم، وإنما أفطر النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن الصوم قد شق على الناس، فلما علم أن بعضهم ظل صائمًا قال: «أولئك العصاة».

وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُقبل نساءه وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وشبه القبلة بالمضمضة بالماء في عدم التأثير على الصوم، وكان كما قالت عائشة: "أملك الناس لإربه".

وكان صلى الله عليه وسلم يصبح جنبًا من جماع، فيدركه الفجر وهو جنب، فيغتسل بعد طلوع الفجر ويصوم.

وكان صلى الله عليه وسلم يصب الماء على رأسه وهو صائم، ويتمضمض ويستنشق وهو صائم، وينهى الصائم عن المبالغة في الاستنشاق، وكان يتسوك وهو صائم، ولم يرد عنه كراهية السواك للصائم بعد الزوال، كما يقول بعض الفقهاء.

وكان صلى الله عليه وسلم يحث على قيام رمضان ويرغب فيه، قال ابن شهاب: "عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، فيقول: «{C}{C}من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه{C}{C}». قال ابن شهاب: فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، وكان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر".

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته ناسٌ، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: «رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا خشية أن يُفرض عليكم». قالت: وذلك في رمضان. (متفق عليه).

وعن عبد الرحمن بن عبدٍ القارِيِّ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاعٌ متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجلُ فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: "لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل" -أي أفضل-، فجمعهم على أبي بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون". يريد عمر صلاة آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله. (رواه البخاري).

وقيام رمضان جماعة سنة غير بدعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي» وإنما قصد عمر بالبدعة، البدعة اللغوية لا الشرعية، لأن الابتداع في الدين ضلالة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وكل بدعة ضلالة»، وقوله: «من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد» (متفق عليه).

وإنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على قيام رمضان في المسجد خشية أن يُفرض كما صرح بذلك في الحديث، وقام بهم في المسجد ليالي معدودة لبيان أنه سنة.

وكان صلى الله عليه وسلم لا يزيد في قيام الليل عن إحدى عشرة ركعة في رمضان وفي غير رمضان، وكان يطيل في الصلاة حتى خافوا أن يفوتهم السحور.

وكان يحث على صلاة النافلة في البيوت ويقول: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، اجعلوا في صلاتكم من بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا» (متفق عليه).

ويقول: «صلاتكم في بيوتكم أفضل من صلاتكم في مسجدي هذا إلا المكتوبة» (رواه أبو داود).

وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، ويجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، واعتكف نساؤه معه ومن بعده، وكان يدخل المعتكف إذا صلى الغداة -الفجر- واستأذنته عائشة في أن تعتكف فأذن لها، فضربت فيه قبة -خباء أو خيمة- فسمعت حفصة فضربت قبة، وسمعت زينب بها فضربت قبة أخرى، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغداة أبصر أربع قباب، فقال: «ما هذا؟» فأخبر خبرهن، فقال: «ما حملهن على هذا البر، انزعوهن فلا أراها»، فنزعت.

وهذا دليل على أن العمل ينبغي أن يبتغي به وجه الله، ولا يُفعل على وجه التقليد للغير، أو مجرد مصاحبته دون قصد البر والقربة، وكان يخرج من المعتكف لقضاء الحاجة.

وكان يحرص على إدراك ليلة القدر ويتحراها ويأمر بتحريها في العشر الأواخر، وربما كان اعتكافه لهذا الغرض، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الوسطى من رمضان، فاعتكف عامًا حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين -وهي الليلة التي يخرج في صبحها من اعتكافه- قال: «من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر، وقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين، فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر».

قال أبو سعيد الخدري: "فأمطرت السماء تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد، فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف علينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين". (متفق عليه).

وربما أذن النبي صلى الله عليه وسلم في اعتكاف ليلة فقد جاءه رجل، فقال: إني أكون بباديتي، وإني بحمد الله أصلي بهم، فمرني بليلة من هذا الشهر أنزلها إلى المسجد فأصليها فيه، فقال: «انزل ليلة ثلاث وعشرين فصلها فيه فإن أحببت أن تستتم آخر الشهر فافعل، وإن أحببت فكف» (رواه مسلم).

وكان صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن مع جبريل في رمضان في كل سنة مرة، فلما كانت السنة التي قبض فيها دارسه القرآن مرتين، وكان يكثر من الصدقة والجود والنفقة، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يأتيه جبريل.

وكان يأمر بإخراج زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من طعام، ولم يأمر بإخراج القيمة ولا فعل ذلك أحد أصحابه إلا قول معاوية رضي الله عنه: "أرى مدين من سمراء الشام يعدل صاعًا من تمر"، فجعل معاوية نصف صاع من قمح يعدل صاعًا من تمر أو من شعير، وهو اجتهاده رضي الله عنه.

وكان يخرج إلى العيد ماشيًا ويصلي بالناس ركعتين، ثم يخطب في مصلى العيد، وما صلاها في المسجد قط، وكان يذهب من طريق ويرجع من طريق ليشهد له الطريق ويسلم على أهله.

والحمد لله رب العالمين.
 

جمال المراكبي