الشخصية المتميزة للمسلم

تعني الشخصية في مفهومها العام ملامح الإنسان وصفاته التي تميزه عن غيره، ولا يقتصر هذا المفهوم على الصفات البدنية، إنما يتعداها إلى الصفات النفسية والاجتماعية والعقلية

  • التصنيفات: تربية النفس - أخلاق إسلامية -

تعني الشخصية في مفهومها العام ملامح الإنسان وصفاته التي تميزه عن غيره، ولا يقتصر هذا المفهوم على الصفات البدنية، إنما يتعداها إلى الصفات النفسية والاجتماعية والعقلية، وقد صارت الشخصية علمًا على السمات الخاصة التي يتميز بها كل إنسان عن الآخر في عقيدته وعواطفه ومشاعره وسلوكه وعلاقته الاجتماعية وطرائق تفكيره وسائر تصرفاته الإرادية، لأن هذه هي المقومات الشخصية للإنسان ومحار الحكم على شخصيته.

 

إن تفاوت الناس في صفاتهم البدنية يرجع إلى عوامل الوراثة والبيئة، وهو تفاوت محمود لا يغير شيئًا من خصائص الإنسان الجسمية، ووظائفه العضوية، وقلما يكون له تأثير في الصفات النفسية إلا لدى أصحاب العاهات من الشواذ، والنادر لا حكم له. والحياة الإنسانية لا تقوم بالمقاييس الحسية الظاهرة، إنما تقوم بمعيار العقيدة والقيم الأخلاقية، والمستوى الفكري، لأن هذه هي خصائص الإنسان العاقل المكلف الرشيد.

 

وبهذا المفهوم الخاص تتميز شخصية المسلم عن غيره. فهي شخصية مؤمنة مهتدية، تتجه بمشاعرها وأحاسيسها لله تعالى، تستلهم منه الرشد والسداد، وتهتدي بنور الإيمان في سلوكها، وتتخذ الشريعة الإسلامية نبراسًا لها في تصرفاتها، وتحتكم إليها في كل شؤون حياتها. وهي شخصية متميزة بالعقيدة الإسلامية التي تؤمن بها. وتخلط شغاف قلبها، وتمتزج بأحاسيسها، فتعيش من أجلها، وتجعل حياتها وقفًا عليها، إذ لا قيمة للحياة بدون عقيدة. والعقيدة لدى المسلم هي المعيار الأساسي للعمل؛ فأي عمل لا ينبعث من العقيدة لا قيمة له في ميزان الإسلام مهما كان جليلاً نافعًا يعود على البشرية بالخير. {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ . إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:17، 18].

 

وهي شخصية متميزة بسلوكها على حساب دينها الإسلامي، تقف عند حدود الإسلام وشرائعه، عبادة ومعاملة وأخلاقًا لا تجامل، ولا تداري ولا تماري ولا تدع لأي ضغط اجتماعي فرصة للتأثير عليها. حتى تتهاون في شيء من قيمها، وهي شخصية تعتز بمقوماتها من غير كبرياء، فلا تلين ولا تضعف، ولا تذوب في أي بيئة تعيش فيها، أو مجتمع يضمها، إنها شخصية تؤثر في غيرها، ولا يؤثر عليها، وان استفادت بكل خير، (فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها). فالشخص المسلم الذي يخضع للعادات والتقاليد الفاسدة التي تفرض وجودها بالانتشار في بعض المجتمعات، فيجاري أحوال الناس في فسادهم، أو يعيش في مجتمعات غير إسلامية لمقاصد سليمة فلا يلبث طويلاً حتى ينخرط في سلكها، ويتقبل أوضاع حياتها التي تتنافى مع عقيدته أو دينه، هذا الشخص أو ذاك لا شخصية له لأنه تهاون في مقومات شخصيته الإسلامية وأهدر مثلها.

 

وجماع ما تتميز به شخصية المسلم أن يكون رجل عقيدة، ترى حياته صورة صادقة لها، يقرأ الناس فيها كتاب الإسلام مسطورًا في آرائه وأفكاره وأخلاقه وسلوكه، حيث تكون نظرته إلى الكون والإنسان والحياة نظرة إسلامية، وتكون المثل الذي يحتذيها والفضائل التي يتحلى بها أخلاقًا قرآنية ويستقي أحكامه على الأمور كلها من هدي الإسلام وشريعته، ويأخذ نفسه بعد هذا يدين لله في أعماله وشؤون حياته، يفتدي عقيدته بنفسه وماله، ويفي بالبيعة وفاء المؤمنين الصادقين {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:111].

 

أسس بناء الشخصية المسلمة:

من الجدير بالذكر أن الإيمان الحق بدفع إلى السلوك المستقيم حيث جاء الإنسان إلى الحياة ومعه فطرة نقية مهيأة لقبول الحق وكل تغيير لنقاء هذه الفطرة وصفائها ما هو إلا تشويه لشخصية المسلم الذي ينبغي أن يتجه اتجاهًا مستقيمًا لا عوج فيه، وهو الاتجاه نحو الله تعالى والاستسلام له والاستعانة منه في كل أمور وشجون الحياة.

إن الأساس الأول لشخصية المسلم هو الأسوة الحسنة إذ يبدأ المسلم تكوين شخصيته الإسلامية سلوكًا وتطبيقًا من القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم وأهل بيته الكرام رضي الله عنهم، فقد ذكر القرآن، الصفات الأساسية التي تشكل صورة واضحة الملامح لشخصية المؤمن كما أرادها الله تعالى وهي الصورة التي تمثلها شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأن خلقه القرآن ولأن الله تعالى قد أدبه فأحسن تأديبه.

 

أما الأساس الثاني فهو العلم حيث تتسامى شخصية المسلم بالعلم الذي يكشف له طريق الحق والخير وينير مسالك الحياة فيمضي فيها على هدى، فتتميز شخصيته عن غيره بالفكر والعلم المفيد.

ومن أسس الشخصية الإسلامية، العبادات فهي دعائم الإسلام وهي التطبيق العملي للعقيدة والعبادات بدورها تثمر السلوك الصحيح والخلق القويم وترسم لشخصية المسلم، الخطوط العريضة فيعيش حياته موصولًا بربه، حانيًا على مجتمعه، ففي كل عبادة من عبادات الإسلام يستشعر بنبض الإيمان في أعماقه فلا ينبعث من حياته إلا الخير.

ويعتبر العمل من الأسس الهامة في بناء شخصية المسلم، فالمسلم العامل له في الحياة أهميته مهما كان عمله مادام عملا شريفا وما دام كسبه حلالا فهو يشارك في عمارة الحياة وازدهارها ويعمل على دفعها إلى الإمام. وتنهض شخصية المسلم على أساس العمل بإتقانه له، أخرويًا كان أو دنيويًا.

ثم يأتي الجهاد كأساس أخير لشخصية المسلم فهو شجاع لا يعرف الجبن إلى قلبه سبيلًا. يتوجه بعقيدة راسخة يرى من خلالها أن الأجل واحد، لذا فهو يدافع عن الدين وعن النفس والعرض والأرض والمال وفي قلبه يقين لا يتزعزع.

ومن ملامح شخصية المسلم، العزة من غير تكبر فهو لا يذل ولا يستكين لأحد، وعزته هذه تتنافى مع الغرور والاستعلاء. كما يتميز المسلم باستقلال الشخصية فهو يعتنق الحق ويسير على ضوئه ويعمل في دائرته دون أن يكون هناك أي تأثير خارجي عليه، وقد حرص الإسلام على تحرير الشخصية لئلا تستبد بها الآفات أو تحتلها الأباطيل والنزعات، فليس لأحد أن يخضع إلا لله، ودعا إلى تحرير الشخصية من العادات السيئة والتقاليد المرفوضة، وحث المسلم إلى تحرير شخصيته من الخوف والقلق.

ومن ملامح شخصية المسلم أيضًا، الثبات في العسر وفي اليسر، فهو شاكر في السراء، صابر في الضراء. وللمسلم شخصيته المعتدلة نحو المال الذي استودعه الله إياه فهو يتصرف فيه بالطرق المشروعة من غير إسراف أو تقتير، سائرا على المنهج القرآني الذي رسمه الله تعالى في قوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67].

 

ولشخصية المسلم سمة من أرفع السمات التي تميزه عن غيره، إنها القوة الدافعة قوة الإيمان التي تستحثه لارتياد مسالك الخير وتجعل منه إنسانًا قويًا لا يخشى في الحق لومة لائم، وهو ثابت الشخصية لا تزلزله عواصف الحياة، إنه يستمد ثباته من عقيدته الثابتة التي تمنحه القوة والرسوخ ولذا نرى الإنسان المسلم صاحب العقيدة الراسخة، ثابتًا في كل أحواله وأعماله وأفعاله، يتحلى بالأخلاق والقيم النابضة.

ومن أبرز صفات المسلم، الشجاعة الأدبية فهي إحدى قيم الإسلام الهامة، والشجاعة الأدبية تحتاجها مواقف الحياة الفاضلة، كجهاد أهل الباطل والزيغ والجهر بكلمة الحق، فالمسلم الذي يعتمد على ربه لا يخاف من مخلوق وإنما يخاف ربه وحده القادر على كل شيء. ويعمل الإسلام على ألا يتعرض المسلم إلى الأذى بأية صورة، ووجوب المحبة والمودة لأخيه المسلم وأن يؤثر أخاه على نفسه وعندئذ ترتقي شخصيته الإيمانية ويستشعر عظمة الإسلام في كل كيانه.

 

ولشخصية المسلم مظهر معين يتسم بالهدوء، فهو لا يقوم إلا على ما يطمئن إليه، كما يتميز بصفاء القلب ونقاء سريرته، فبصفاء القلب وصلاحه تستقيم الجوارح ويتهذب السلوك، وهو قادر على ضبط النفس، فالإنسان القائم على نفسه، الحاكم لرغباتها الكابح لجماحها، إنسان قوي الشخصية. والمسلم غني النفس راضٍ بما في يده، قانع بما عنده لا يتطلع إلى غيره. وهناك عوائق تعترض النفس البشرية وتعوق أمنها وراحتها فإذا ما اهتدى بهدى الله ويمم وجهه شطر الإيمان وجد العقيدة الإسلامية، عاصمة له يقول عز وجل: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. ويعنى الإسلام ببناء الشخصية على الصدق منذ فجر الصبا ويدعو الآباء والأمهات إلى تنشئة الأبناء عليه منذ صغرهم.

ومن سمات شخصية المسلم الحياء وهو شعبة من الإيمان وتتسم شخصية المسلم بأعلى أنواع الحياء وهو الحياء من الله تعالى كما تتميز شخصية المسلم بالأمانة حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له» (صحيح الجامع:7179)، ولعظمة الأمانة وضخامتها وما تشتمل عليه من أحكام الدين الشرعية فأن ضعاف الشخصية لا يستطيعون حملها. كما تتميز شخصية المسلم بالتعاون والعفة نظرًا لحرصه على حفظ دينه وعرضه وكرامته وشرفه، والمبادرة بالعمل الصالح والوفاء والشكر والبر وقدرته على توثيق العلاقات الإنسانية والاجتماعية والعفو عند المقدرة والصبر وغير ذلك من السمات.

أحمد سعد الدين

المصدر: موقع إمام المسجد