انعكاسات الأزمة اللبنانية على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

ملفات متنوعة

والوجود الفلسطيني في لبنان، بانتمائه السني، وتوجهه المقاوم، وقلقه
من التوطين والتهجير، يشكِّل كذلك حالة تأثير محتمل على الساحة، تحاول
الأطراف اللبنانية توظيفها.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

الأزمة اللبنانية:
يتميز لبنان بالتنوع الطائفي والمذهبي والسياسي؛ حيث تعيش 11 طائفة مسيحية، و5 طوائف إسلامية، فضلاً عن الطائفة اليهودية، إضافة إلى وجود نحو 60 حزباً سياسياً، والشكل الديموقراطي للدولة مبنيٌّ على أساس محاصصات طائفية توافقية؛ تخضع لبنان بسببها لتوازنات حساسة جعلتها تتأثر بالعوامل الإقليمية، وتطورات الصراع العربي الإسرائيلي، والتفاعلات الدولية وخصوصاً التوجهات الأمريكية والفرنسية.

والوجود الفلسطيني في لبنان، بانتمائه السني، وتوجهه المقاوم، وقلقه من التوطين والتهجير، يشكِّل كذلك حالة تأثير محتمل على الساحة، تحاول الأطراف اللبنانية توظيفها.

عانى لبنان من الحرب الأهلية 1975 - 1990، والاحتلال الإسرائيلي لجنوبه 1978 - 2000. كما تعيش الدولة منذ خريف 2004 عندما تمّ تجديد ولاية الرئيس إميل لحود، وصدور القرار الدولي رقم 1559 فترة عصيبة، وازداد الوضع تعقيداً باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 14/2/2005، وبخروج السوريين من لبنان في أواخر نيسان / أبريل 2005، وبحدوث العديد من الاغتيالات والاضطرابات الأمنية، وبتشكيل اصطفافات جديدة تمثلت في قوى 14 آذار التي تسيطر على الحكومة ولها أغلبية نيابية، وقوى 8 آذار التي كانت تمسك بموقع رئاسة الجمهورية، وهي تسيطر على رئاسة البرلمان وتقود المعارضة، زادت حدة الأزمة بين الفريقين إثر حرب تموز / يوليو 2006، وشغور منصب رئاسة الجمهورية.

إشكالية الوضع الفلسطيني:
يعيش أكثر من 411 ألف فلسطيني في لبنان بحسب إحصاءات الأونروا سنة 2007، فضلاً عن 35 ألفاً آخرين غير مسجلين. وهم يعانون من حرمانهم من الحقوق المدنية بما في ذلك حقّ العمل، حيث حُرموا من العمل في 72 مهنة لسنوات طويلة، وعلى الرغم من محاولة التخفيف عنهم في بعض شروط العمل في منتصف 2005، إلا أنهم ما زالوا يواجهون صعوبات كبيرة تضاف إلى حرمانهم من حقّ التملك، كما يواجهون صعوبات حقيقية في بناء مساكنهم وصيانتها، ويرزحون تحت وطأة تقليص الأونروا ميزانيات الخدمات التعليمية والصحية.

كل ذلك في ظلّ وضع معيشي صعب، تعاني فيه أكثر من 80 % من العائلات الفلسطينية من مستوى دخل متدنٍّ، حيث لا يتجاوز دخلها الشهري 400 دولار، وفي الوقت نفسه فإن الأغلبية الساحقة للفلسطينيين في لبنان ترفض التوطين، وتصرُّ على العودة إلى القرى والمدن التي أخرجوا منها سنة 1948.

وقد تعرض الفلسطينيون معهم اللبنانيون على مدى عقود إلى حملات عسكرية إسرائيلية طالت البشر والحجر، ودمرت موارد الرزق، وعانى اللاجئون من ويلات الحرب الأهلية اللبنانية، واضطروا للدخول في مواجهات دموية؛ لمواجهة ما كانوا يعتقدون أنه مؤامرة تستهدف وجودهم ومحو قضيتهم، الأمر الذي أنهك الفلسطينيين في لبنان، وأوجد الكثير من المخاوف والحساسيات المتبادلة مع البيئة المحلية.

شكّل هذا الواقع بيئة طاردة للاجئين، أدت إلى هجرات داخلية من المخيمات إلى مدن وقرى في لبنان، وهجرات خارجية إلى منافٍ جديدة، حيث تميزت بأنها هجرات نوعية للكفاءات والطاقات وخريجي الجامعات، لذلك تشير التقديرات الحالية إلى أنه يعيش من الناحية الفعلية في لبنان نحو 300 ألف فلسطيني فقط.

وتلقي الأزمة اللبنانية الحالية بظلالها على الوضع الفلسطيني؛ فقد سعت الأطراف اللبنانية لاستقطاب من تستطيع استمالته من القوى والشرائح الفلسطينية، وهو ما قد يؤدي إلى انقسامات فلسطينية، قد يكون لها انعكاسات خطيرة إذا ما تمّ توظيفها أمنياً لخدمة أجندة أي من الأطراف، هذا مع العلم بأن الانتماء السني لفلسطينيي لبنان يغري بعض أطراف 14 آذار لتوظيفهم مذهبياً ضدّ قوى المعارضة وتحديداً ضدّ حزب الله، غير أن غالبية الفلسطينيين في الوقت نفسه تدعم تيار المقاومة، وتعتبره عنصر حماية لوجودها، وتعزيز آمالها في العودة ورفض التوطين، كما ترفض هذه الغالبية الأجندات الأمريكية في المنطقة؛ مما يعني أنها قد تشكل رصيداً يشجع المعارضة على استثماره إذا ما ساءت الأوضاع.

وما بين الانتماء المذهبي والميول السياسية، يتعرض الفلسطينيون لعمليات توظيف واصطفاف متعارضة.

المخاطر والتأثيرات:
لم يستطع الوضع الفلسطيني الهش تفادي تأثيرات المأزق الإقليمي، وانعكاسات الأزمتين الفلسطينية واللبنانية؛ وقد ظهرت أعراض هذا الواقع تحت عناوين مختلفة، فبدأت تتكاثر المجموعات "الإسلامية" المتشددة التي يجري العمل على توظيفها في الصراع المذهبي والطائفي، وتوجيهها بما يتماشى مع التطورات الإقليمية، وتزايد نشاط حركة فتح وسفارة فلسطين في لبنان، من خلال سعيها لتكريس نفسها باعتبارها المرجعية الفلسطينية.

وبات "سلاح المخيمات" يشكل حالة توتير سياسية مع الحكومة اللبنانية، تنعكس على شكل إجراءات أمنية مشددة، وحصار للمخيمات من مختلف جهاتها ومداخلها، وأحياناً تظهر على شكل توترات أمنية داخلية تتطور إلى مواجهات مسلحة بين أطراف فلسطينية، كما انعكست أزمة الانقسام الفلسطيني في "الداخل" بطريقة ما زالت تحول دون ولادة المرجعية الفلسطينية الموحدة؛ وتعرقل كل محاولات الحوار الفلسطيني الجماعي بشكل جدي مع الحكومة اللبنانية، وتفشل حلّ المشكلات السابقة والجديدة التي تواجه الفلسطينيين.

وفي الوقت نفسه يتزايد الخوف من أن يساعد "ضعف مركزية الدولة اللبنانية" على بروز مشاريع الطوائف والكانتونات؛ وهو ما قد يدفع الأطراف المختلفة لاستمالة بعض الفلسطينيين إلى جانب أطروحاتها، أو وضعها تحت سيطرتها في مناطق نفوذها، فيزيد الانقسام الفلسطيني انقساماً، ويهدد وحدة المجتمع الفلسطيني، ويشغله بأمور بعيدة عن أولوياته، كما أن هناك مخاوف من أن يفسح ذلك المجال لبعض الأجهزة الأمنية اللبنانية كي تتدخل بالشأن الداخلي للفلسطينيين، والمخيمات تحديداً، بدعوى فرض سيادة الدولة وحماية أمن البلاد.

ويمثل النموذج المأساوي لمخيم نهر البارد شبحاً مخيفاً لمستقبل فلسطينيي لبنان، فقد تعرض المخيم لدمار هائل، واضطر عدد كبير من أهله للهجرة داخل الأراضي اللبنانية، واضطر بعضهم الآخر للهجرة إلى خارجها، وما يزال مستقبل هذا المخيم غامضاً، وهو ما يعني بأن المخيم الذي يعدّ حاضنة لمجتمع اللاجئين منذ النكبة بات مهدداً بالتلاشي والإزالة، مما يفتح الباب على سؤال جوهري يتعلق بمهمة الأونروا، ومستقبل دورها السياسي المتعلق باللاجئين؛ خصوصاً وأنها تمرّ بمرحلة تقليص خدماتها.

السيناريوهات المتوقعة:
وما دامت الأزمة التي يتعرض لها الفلسطينيون في لبنان هي نتيجة تداخل العوامل السياسية والأمنية والمعيشية، فإن السيناريوهات المتوقعة ستكون ضمن التوقعات التالية:

1. سيناريو التوطين:
يقوم هذا السيناريو على أساس أن المفاوضات التي يتمّ إجراؤها بين "القيادة الفلسطينية" والحكومة الإسرائيلية تتجه إلى إسقاط حقّ اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، أو على الأقل تجعل هذا الحقّ محكوماً بالموافقة الإسرائيلية وتطورات الأمر الواقع، وتزيد دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى أن يحصل الفلسطينيون على جنسيات البلدان التي يقيمون فيها، والتي أطلقها في 11/7/2005 من مخاوف الفلسطينيين؛ كما تتزايد هذه المخاوف مع سعي الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للوصول إلى الحلّ النهائي قبل نهاية سنة 2008، خصوصاً وأن الفلسطينيين في لبنان يشعرون بأنهم الحلقة الأضعف التي قد يجري التضحية بها.

يكتسب هذا التخوف زخماً مع تبني الإدارة الأمريكية لرؤية حلّ مشكلة اللاجئين ضمن الدول المضيفة، كما تمّ تسريب شائعات لم تتأكد صحتها من مصادر لبنانية معارضة بأن: فكرة التوطين يجري تداولها في أوساط فريق 14 آذار والحكومة، غير أن انقسام "الشرعية" الفلسطينية بين رئاسة السلطة وبين حركة حماس، وتراجع تأثير إدارة بوش في القرار الدولي، يزيدان من صعوبة فرض هذا الحلّ.

وهناك احتمال أن يتمّ تفاهم بين قيادة السلطة الفلسطينية (أو م.ت.ف) وبين الحكومة اللبنانية على أن يعطى اللاجئون جوازات سفر السلطة الفلسطينية، وهو ما قد يتيح للفلسطينيين حرية الحركة والعودة إلى فلسطين المحتلة سنة 1967 إذا ما تمت تسوية نهائية تسمح بذلك، أو الهجرة إلى خارج لبنان، وهو ما يسمح بالتذويب التدريجي لمشكلة اللاجئين في لبنان، باتجاه إنهائها؛ وإذا ما تبقى عدد قليل منهم، فمن المحتمل أن يعرض عليهم التجنيس أو التوطين في لبنان.

ومن جهة أخرى فإن حدة الانقسام اللبناني، وقوة فريق المعارضة الذي يحظر على الحكومة اتخاذ قرارات من هذا الوزن، يزيد من صعوبة هذا الاحتمال ويجعل حظوظه ضئيلة، ويؤجله لحين حسم الخلاف بين المعارضة والموالاة، كما يجب التنبيه إلى أن بعض القوى اللبنانية قد تغيّر مواقفها، بناء على حسابات طائفية أو ضغوط خارجية؛ وهي ضغوط إقليمية ودولية قد تأخذ أشكالاً متعارضة.

2. سيناريو بسط "سيادة الدولة" وإعطاء اللاجئين "الحقوق المدنية":
يكتسب هذا السيناريو قوة من تعهد الحكومة اللبنانية بتطبيق مقتضيات القرار الدولي رقم 1559، الذي يدعو إلى بسط سلطة الحكومة على المخيمات باعتباره ضمن الأراضي اللبنانية، وحلّ الفصائل الفلسطينية بوصفها مليشيات يتوجب سحب سلاحها، وإلا فإن عليها الخروج من لبنان لكونها قوات أجنبية، ومن تعهد رئيس السلطة الفلسطينية بالتعاون مع الدولة اللبنانية بهذا الخصوص.

تعززت حظوظ هذا السيناريو من خلال ما حدث في مخيم نهر البارد في صيف 2007؛ حيث تمّ تدميره، وأُجبر أهله على مغادرته، وتتزايد تصريحات المسؤولين اللبنانيين بضرورة إبقائه خالياً من السلاح، إن أعيد بناؤه وعاد إليه أهله.

يرفع معدل احتمالات تكرار هذا السيناريو انتشار الجيش اللبناني على تخوم كافة المخيمات، وتتولى وحداته العسكرية تطويقها من جميع الجهات، وتقيم حواجز التفتيش والتوقيف على مداخلها، تكرار حوادث الاحتكاكات الأمنية مع مجموعات فلسطينية معينة.

ومن جهة أخرى فإن حساسية الوضع القائم في لبنان دفع جميع الأطراف اللبنانية بمن فيهم قادة الأجهزة الأمنية، لكي يؤكدوا على عدم السماح بتكرار أحداث نهر البارد في أي مخيم آخر؛ مخافة أن تخرج مضاعفات الحدث عن زمام السيطرة، وتؤثر على الساحة اللبنانية برمتها، وتأخذها نحو حدود يخشاها اللبنانيون ويرفضونها.

وفي الوقت الراهن فإن العديد من الاتجاهات اللبنانية سواء من قوى 8 آذار أو 14 آذار أبدت تعاطفها مع إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية (وخصوصاً ما يتعلق بحقوق العمل والملكية)؛ بسبب ما يجرّه هذا الملف من تشويه لسمعة الدولية اللبنانية محلياً وإقليمياً وعالمياً، غير أن الشلل السياسي في الوضع اللبناني الحالي، وقيام البعض بمزايدات سياسية يدّعون من خلالها أن ذلك قد يؤدي إلى التوطين سيعطل أو يؤخر الاتجاه نحو تحقيق هذا المطلب الإنساني.

3. سيناريو استمرار الوضع الراهن:
ترجح كفة هذا السيناريو لكونه يشكل امتداداً للوضع القائم، وهو يجمع بين إشكالتي المعاناة الأمنية والاقتصادية، مما يسهم في هجرة أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى خارج المخيمات، وأعداد أخرى إلى خارج لبنان طلباً للأمن وسعياً خلف الرزق، ويزيد هذا السيناريو من درجة سخونة المخيمات بما يجعلها بيئة مهددة، تبقي سكانها بحالة تطلع نحو الهجرة، وتأهب للهرب منه خوفاً على الحياة.

هذا يعني بأن الفلسطينيين ومخيماتهم سيبقون، على الأغلب في هذه المرحلة، يعانون وطأة الوضع الراهن؛ إضافة إلى احتمال ارتفاع وتيرة الأحداث الأمنية، وتشديد الإجراءات على تعاملاتهم وتحركاتهم، بشكل متزامن مع استمرار معاناتهم المعيشية، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى تفكيك ملف اللاجئين وتفريغ المخيمات، بشكل هادئ وتدريجي، ضمن الأراضي اللبنانية وخارجها.

المقترحات:
1. دعوة فتح وحماس وباقي القوى الفلسطينية لتوحيد المرجعية السياسية للاجئين الفلسطينيين في لبنان؛ وعدم الانتظار بالضرورة لحصول التوافق الفلسطيني في الضفة والقطاع.
2. تشكيل مرجعيات أمنية موحدة (لجان متابعة) في المخيمات، وعدم السماح بالاختراقات الأمنية الخارجية للمخيمات والتجمعات الفلسطينية.
3. تنظيم استخدام السلاح ومنع ظهوره، والحصول على ضمانات أمنية للفلسطينيين والمخيمات.
4. توحيد الرؤية الفلسطينية حول القضايا المستجدة (نهر البارد، السلاح، المجموعات المتطرفة، أمن المخيمات، المطلوبين) من خلال وثيقة وطنية مشتركة.
5. استصدار قرار عربي برفض التوطين وحماية حقّ العودة، والتأكيد على الحقوق المدنية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين.
6. إيجاد حاضنة لبنانية من مجموعات ضغط لبنانية مختلفة، تسعى لحماية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ودعمهم ورعايتهم، إلى حين عودتهم إلى أرضهم.
7. تشريع حقوق الفلسطينيين المدنية بنصوص قانونية لبنانية، مصدّق عليها برلمانياً.
8. طمأنة اللبنانيين من خلال الإعلان عن ميثاق فلسطيني مشترك يؤكد على حقّ العودة، ويرفض التوطين.
9. اتخاذ موقف فلسطيني موحد؛ يقضي بعدم الانخراط في محاور الأزمة اللبنانية الداخلية، والبقاء على الحياد.
10. جعل موضوع نهر البارد أولوية فلسطينية، ومدخلاً للحوار مع الحكومة اللبنانية بشأن أوضاع اللاجئين عموماً، وإيجاد حالة إجماع فلسطيني حوله، وعمل برنامج فعال ومكثف للضغط من أجله، باعتبار النجاح فيه مدخلاً للنجاح في قضايا أخرى لاحقة.


المصدر : مركز الزيتونة








المصدر: مركز الزيتونة