صور معاصرة لمسألة زكاة الدين

أحمد بن محمد الخليل

إذا كان القسط يحل في شهر ذي الحجة، والحول يتم في رمضان، فهنا يعتبر الدين مؤجلًا؛ لأنه لا يحل إلا بعد ثلاثة أشهر.

  • التصنيفات: فقه الزكاة - قضايا إسلامية معاصرة -

وفيه أمران:

الأمر الأول: الديون الإسكانية:

أ- قرض البنك العقاري:
البنك العقاري هو جهة حكومية، تقرض المواطنين مبالغ محدودة مساعدةً في بناء المنازل، ويسددها المقترض على أقساط سنوية ميسرة.

فهل يخصم المدين من زكاته بمقدار دين البنك العقاري؟
بناءً على ما تقدم من الخلاف في هذه المسألة: الذي يظهر أنه لا يخصم إلا القسط الحال من هذا الدين على ما تقدم من أن المؤثِّر هو الديون العاجلة لا الآجلة.

فالقِسط السنوي الحالُّ هو الذي يخصم من الدين فقط.

ويشترط لذلك شرط آخر، وهو ألا يبالغ في البناء بزيادات وإسراف زائد عن الحاجة الأصلية لتأمين السكن، على ما تقدم في شروط حسم الدين من الزكاة.

فما نشاهد اليوم من المبالغات العظيمة في السكن من حيث أدواتُ البناء المختلفة، والأثاث وغيرهما، هذا كله لا يحسم من الزكاة.

بل تجعل هذه الأمور الزائدة مقابلة للدين ولا يُحسَم من الزكاة شيء[1].

 

تنبيه:
إذا كان القسط يحل في شهر ذي الحجة، والحول يتم في رمضان، فهنا يعتبر الدين مؤجلًا؛ لأنه لا يحل إلا بعد ثلاثة أشهر، ويحتمل هنا أن نقول: إن هذا الدَّين يحل مع الزكاة في سنة واحدة، ويُغتفَر هذا الفرق 3 أشهر لكونه يسيرًا.

ويحتمل أن يقال: إن الدَّين مؤجَّل لم يحِلَّ إلى الآن، ولم يطالب به المدين، فالأصل عدم حسمه من الزكاة.

وهذا الثاني هو الأقرب، والله أعلم.

تنبيه آخر:
لا بد من اعتبار الشروط المذكورة عند مناقشة مسألة حسم الديون من الزكاة على ما تقدم في المبحث الثالث.

ب- القروض الأخرى:
وأقصد بها القروض التي يأخذها الإنسان من الأشخاص أو البنوك لتمويل بناء المساكن الخاصة.

وهذه تأخذ الحكم المذكور في قرض البنك العقاري، على ما سبق تفصيله من حيث الحلول والتأجيل، ومن حيث بناء مسكن يقضي الحاجة الأصلية للإنسان بلا زيادات ومبالغات وإسراف، والله أعلم.

 

الأمر الثاني: الديون الاستثمارية:
ويقصد بها الديون التي تؤخذ لتمويل مشروعات تجارية بقصد التكسب وتنمية الأموال.

ومعلوم أن هذه الاستثمارات قد تكون في السلع، أو المباني، أو الشركات، أو المواشي، أو غيرها، وحُكْم هذه الديون فيه تفصيل:
إن كان استدان ليبدأ بعمل تجاري، يُقصَد منه الإنفاق على نفسه، بلا مبالغة ولا زيادة، فهذا يخصم من الزكاة مقدار الدين؛ لأنه ممن استدان للحاجة الأصلية التي يحتاجها للنفقة الواجبة عليه.

وإن كان استدان لزيادة التوسع في تجارته، أو للبدء بمشروع تجاري من باب زيادة الدخل مع وجود ما يكفي حاجته الأصلية، أو للبدء بمشروع تجاري ضخم كبير لا يحتاج لمثله لسد حاجته الأصلية، فهذا لا يخصم الدين من الزكاة؛ لأن ما يشتريه بالمبلغ المقترض، كله من باب الزيادة التي تُجعل مقابل الدين.

ولا بد مع ذلك من اعتبار الشروط المذكورة في حسم الدين من الزكاة.

 

المطلب الثالث: الديون المترتبة على شراء السيارات:
وخصصتها بالكلام لشدة انتشارها في زماننا، وكثرة المتعاملين بها.

والكلام فيها يشبه الكلام في المسألة السابقة.

فإذا كان اقترض لشراء سيارة يحتاجها حاجة ماسة، فتكون بذلك مما لا يستغنى عنه من الحاجة الأصلية بثمن معتدل عرفًا، فهذا يجوز له أن يحسمَ مقدارَ الدَّين من الزكاة، إذا توفرت الشروط المذكورة في المبحث الثالث.

أما إذا اشترى سيارة مرتفعة الثمن، أو اشترى سيارة أخرى مع سيارته، أو اشترى لأبنائه من غير حاجة، بأن تكفي سيارته حاجة منزله، فهذا لا يجوز له أن يحسم مقدار الدين من الزكاة؛ لأنه في هذه الحال تكون السيارة من الكماليات التي يستطيع أن يستغني عنها.

 

المطلب الرابع: جمعيات الموظفين أو العوائل أو الأصدقاء:
انتشرت في وقتنا هذا الجمعيات التي تكون بين مجموعة، تربطهم رابطة القرابة، أو العمل، أو الصداقة.

وتقوم فكرتها الأساسية على دفع أقساط ثابتة من الشركاء، ومن ثم لكل واحد منهم الحق في اقتراض مبلغ محدد من هذه الجمعية على أن يتم السداد بأقساط شهرية، غالبًا ما تكون مخفضة.

ولهذه الجمعيات تفصيلات كثيرة، يعنينا منها في هذا البحث، إذا اقترض أحد الأعضاء من هذه الجمعية فإنه سيكون مدينًا للجمعية، فهل يحسم مقدار هذا الدين من أمواله الزكوية؟

حسَب ما تقدم من فقه هذه المسألة، فإن المدين يحسِم من أمواله الزكوية القسطَ الحالَّ من هذا الدَّين فقط، دون باقي الأقساط المؤجلة.

وعلى القول الثاني يحسم من أمواله الزكوية جميع مبلغ الدين الحالِّ منه والمؤجَّل.

ولا بد أيضًا من مراعاة الشروط المتقدمة في المبحث الثالث.

 

_____________________

[1]- "ألا يجد ما يقضيه به سوى النصاب، أو ما لا يستغنى عنه"، وهذه الأمور الزائدة المبالغ فيها بالبناء كلها مما يمكن أن يستغنى عنه.