في القرآن

خامسًا: أدلة الفتور من القرآن

أدلة الفتور من الكتاب والسنة:

ورد لفظ الفتور، ومعناه في عدة آيات وأحاديث من الكتاب والسنة، وسأذكر بعض هذه النصوص، لإلقاء مزيد من الضوء حول معنى الفتور، وسيكون ذكري لها باختصار، دون تعليق طويل، وإن كنت سأفصل فيها بإذن الله عند ذكر الأسباب:

قال الله تعالى مثنيًا على الملائكة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20].
أي لا يضعفون ولا يسأمون، وجاء في آية مشابهة: {يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت:38] والسأم هو الفتور، وقال سبحانه مما يدل على معنى الفتور: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة:282] كتابة الديون يفتر الإنسان عنها؛ ولذلك نبه الله جل وعلا قال: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة:282].

لو سألت الأخوة، قد تجد كل واحد من الموجودين، أو بعبارة أصح أن أغلب الموجودين إما له دَين أو عليه دَين، ولكن كم منهم يكتب هذا الدَّين؟ قليل جدا، قليل من يسجل ما له، وما عليه؛ ولذلك تلاحظون في الإعلانات بعد أن يتوفى بعض الناس يعلن أهله وورثته: من له عليه أو من له على فلان دين فليأت، ما معنى هذا؟ أنه لم يسجل ولم يقيد؛ فلذلك نبه الله إلى هذه النقطة الخفية، التي أقول: إن أغلبنا قد وقع فيها {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ} [البقرة:282].

السأم هو الفتور، قد يتحمس الآن الواحد، ويخرج ويكتب مرة ويكتب مرتين، ويكتب ثلاثًا ثم بعدين إن شاء الله غدًا بعد غدٍ ثم ينسى ويسأم، ثم تقع المشكلات بعد ذلك، ويقع الخلاف ويقع الخصام.

أيضًا يقول جل وعلا: {لا يَسْأَمُ الْأِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ} [فصلت:49] صحيح نعم، وهو قول الباري جل وعلا الإنسان لا يفتر من دعاء الخير لنفسه، دائمًا يدعو الله جل وعلا فيما يخصه من الخير، أما غير ذلك من العبادات، فالسأم والفتور موجود.

وقال جل وعلا عن أهل النار: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75] النار مستعرة شديدة لا يمكن أن تقل أو تضعف لحظة واحدة {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} [الزخرف:75] لا تنقطع ولا تضعف ولا تخبو لحظة واحدة {وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:75].

وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} [آل عمران:64] وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} [المائدة:19] أي انقطاع، ومما يدل في معنى قوله تعالى يصف المؤمنين: {وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146].

 

------------------------------------

من كتاب "الفتور" للشيخ "ناصر بن سليمان العمر"