الفتور في السنة

ناصر بن سليمان العمر

يقول صلى الله عليه وسلم «إن لكل شيء شرة، ولكل شرة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه».

  • التصنيفات: أعمال القلوب -

سادسًا: أدلة الفتور من السنة


أما الأحاديث: فهي كثيرة جدًا، وأذكر بعض هذه الأحاديث، وهي نص في الموضوع، أو في معناه عن أنس رضي الله عنه قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين ساريتين" [1] دخل المسجد، فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الحبل؟» قالوا: "هذا حبل لزينب" [2].

زينب: هي زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين "هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به" [3] تقوم تصلي، فإذا فترت فترت، وكسلت تعلقت بالحبل حتى تنشط.


وأذكر أنني كنت في زيارة للجنوب لجيزان، فزرت بيت الشيخ الإمام العلامة: حافظ حكمي رحمه الله وقابلت أخاه هناك في بيته، فذكر لي أن الشيخ حافظ كان يجلس يكتب في الليل المناهج والكتب ويؤلف، فإذا أحس بتعب قد علق حبلا في خشبة وتعلق به حتى يذهب النوم ويعود على الكتابة، من جده؛ ولذلك تعرفون أن العلامة حافظ حكمي توفي وعمره خمسة وثلاثون سنة، وخلف هذا الأثر العظيم من العلم والكتابة والتلاميذ، مع أن سنه خمس وثلاثون سنة عندما توفي رحمه الله.


كان يعمل الليل والنهار، وقد، وهو لا ينطبق عليه هذا الحديث لاختلاف الموضعين، واختلاف الحال والمحل وحاجة الناس فالرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: لماذا هذا الحبل؟ قالوا: لزينب فإذا فترت تعلقت به، أنشط لها ولإذهاب الفتور، قال صلى الله عليه وسلم «لا، حلوه، ليُصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد» ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر وتعب وكسل فلينم، وهذه من رحمة الله جل وعلا.


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استمعوا يا شباب، استمعوا يا أصحاب الجد، انظروا كيف يخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وكيف يدلنا على العلاج، يقول صلى الله عليه وسلم «إن لكل شيء شرة، ولكل شرة فترة، فإن صاحبها سدد وقارب فأرجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعدوه» [4].

وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى «لكل عمل نشاط» فترة شرة ونشاط وقوة «ولكل شرة فترة » [5] كل عمل هذا كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم.


وأذكر أن أحد الأخوة يقول: كان في غاية نشاطه، هذا الكلام منذ ثلاث سنوات، كان قويًا ونشيطًا، وكنت وكنا وقوفا، فجاء أحد الأخوة وسلم عليه، وقال: يا فلان -فلان من كبار العلماء، لا أريد أن أذكر اسمه- أحد كبار العلماء يبلغك السلام، ويقول لك: إنني أدعو لك بالتوفيق، ولكنني أذكرك بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة» [6].

يقول هذا الأخ: لما انصرف المُبلغ، يقول: صحيح بلغ الحديث، لكن هل يمكن أن أفتر؟ يقول -عن نفسه-: كان في غاية النشاط، ما مر على هذا الكلام إلا سنتان، فإذا هو قد فتر قليلًا، وخف نشاطه.


إذا «لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة» [7] وفي الحديث الآخر عن ابن عباس رضي الله عنه في نفس نص الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لكل عالم شرة، ولكل شرة فترة، فمن فتر إلى سنتي فقد نجا، وإلا فقد هلك» [8].


وقال صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلمتصوم النهار، وتقوم الليل، فقيل له: إنها تصوم النهار، وتقوم الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمإن لكل عمل شرة، والشرة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك، فقد ضل» وفي رواية: «فقد هلك».

وعن عبد الله بن عمرو قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم قوم يجتهدون في العبادة اجتهادًا شديدًا فقال: «تلك ضراوة الإسلام وشرته، ولكل عمل شرة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد فنعماه، ومن كانت فترته إلى المعاصي، فأولئك هم الهالكون» [9].

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة فقال: «من هذه»؟ قالت: هذة فلانة تذكر من صلاتها فقال: «مه» [10] عائشة رضي الله عنها أثنت عليها ثناءً كثيرًا، أنها تصلي، وتقوم الليل، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم «مه» أي اسكتي، كفي عن هذا المدح مه: «عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا» [11].

وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه.


وأختم بهذا الحديث: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فتركه» [12].


إذًا أيها الأخوة: هذه أحاديث ونخلص من هذه الأحاديث إلى:

أن كل إنسان يصاب بالفترة لكن وبالفتور هناك من يصاب بالفتور قليلًا، ثم يعود كما كان أو أحسن، وهناك من يصاب بالفتور، وهو الهلاك، وهو الذي نقصده في هذا الحديث.

ليس حديثي عن الذي يصاب بالفتور قليلًا ثم ينشط، هذا ليس هو مجال حديثي، ولا يخلو منه أحد، ولا يسلم منه أحد، كما بين الرسول صلى الله عليه وسلم لكنني أتحدث عن النوع الآخر من الفتور؛ أولئك الذين يفترون عن العمل، ويضعفون ثم يهلكون والعياذ بالله.

_________________________

[1]- البخاري: الجمعة [1150] ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها [784] والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار [1643] وابن ماجه : إقامة الصلاة والسنة فيها [1371] وأحمد [3/101].
[2]- البخاري: الجمعة [1150].
[3]- البخاري: الجمعة [1150].
[4]- الترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع [2453].
[5]- أحمد [2/210].
[6]- أحمد [2/210].
[7]- أحمد [2/210].
[8]- أحمد [2/188].
[9]- أحمد [2/165].
[10]- البخاري: الإيمان [43] والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار [1642] وابن ماجه: الزهد [4238] وأحمد [6/51].
[11]- البخاري: الإيمان [43] ومسلم: صلاة المسافرين وقصرها [785] والنسائي: قيام الليل وتطوع النهار [1642] والإيمان وشرائعه [5035] وابن ماجه: الزهد [4238].
[12]- البخاري: الجمعة [1152] ومسلم: الصيام [1159].

-------------------------------

من كتاب "الفتور" للشيخ "ناصر بن سليمان العمر"