اكتبْ تأريخك بَنفْسِك
عائض بن عبد الله القرني
أبو بكر يعرِّضُ نفسه للخطرِ في الهجرةِ، حمايةً للرسولِ صلى الله عليه وسلم، وحاتمُ ينامُ جائعاً، ليشبع ضيوفه، وأبو عبيدة يسهرُ على راحةِ جيشِ المسلمين.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
كنتُ جالساً في الحرَمِ في شدَّةِ الحرّ، قبل صلاةِ الظهرِ بساعةٍ، فقام رجلٌ شيخٌ كبيرٌ، وأخذ يُباشِرُ على الناسِ بالماءِ الباردِ، فيأخذُ بيدهِ اليُمنى كوباً، وفي اليُسرى كوباً، ويسقيهمُ منْ ماءِ زمزم، فكلَّما شرب شاربٌ، عاد فأسقى جارهُ، حتى أسقى فِئاماً من الناسِ، وعَرَقُه يتصبَّبُ، والناسُ جلوسٌ كلٌّ ينتظرُ دوره ليشرب منْ يدِ هذه الشيخِ الكبيرِ، فعجبتُ منْ جلدِهِ ومنْ صبرِهِ ومنْ حبِّه للخيرِ، ومن إعطائِه هذا الماءَ للناسِ وهو يتبسَّمُ، وعلمتُ أنَّ الخير يسيرٌ على منْ يسرَّه اللهُ عليه، وأنَّ فِعْلَ الجميِل سَهْلٌ على منْ سهَّلهُ اللهُ عليه، وأنَّ للهِ ادِّخاراتٍ من الإحسانِ، يمنحُها منْ يشاءُ منْ عبادهِ، وأنَّ اللهُ يُجري الفضائل ولو كانتْ قليلةً على يدِ أناسٍ خيرِّين، يحبُّون الخيْر لعبادِ اللهِ، ويكرهون الشَّرَّ لهم.
أبو بكر يعرِّضُ نفسه للخطرِ في الهجرةِ، حمايةً للرسولِ صلى الله عليه وسلم.
وحاتمُ ينامُ جائعاً، ليشبع ضيوفه.
وأبو عبيدة يسهرُ على راحةِ جيشِ المسلمين.
وعمرُ يطوفُ المدينة والناسُ نيامٌ.
ويتلوى من الجوعِ عام الرَّمادة، ليُطعم الناس.
وأبو طلحة يتلقى السهام في أُحُدٍ، ليقي رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم.
وابنُ المباركِ يُباشِرُ على الناسِ بالطعامِ وهو صائمٌ.
ذهبوا يرون الذكر عمراً ثانيا *** ومضوا يعدُّون الثناء خلودا
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}.