الدعايا السوداء والحرب على الإسلام - (2)

رحاب حسَّان

تأثير الإعلام في توجيه العقول وصناعة الفكر.

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

كانت مقالتي السابقة عن ظاهرة التَّباين في رُدود الأفعال، التي وصلت عند البعض إلى السلبيَّة المطبقة، وأرجعت السبب إلى الدعاية السياسيَّة، وأستكمل في هذا الجزء؛ تأثير الإعلام، على توجيه العقول، وبداية دعونا نعرف ما معنى الدعايا والإعلام وأنواعها؟

أوَّلاً الدَّعْوى لغةً: من دعا يدعودعوى، وفي الحديث: "كنا في غزاة - قال سفيان: يَرَوْن أنَّها غزوة بني المصطلق - فكَسَعَ رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال المهاجري: يا لَلْمهاجرين، وقال الأنصاري: يا لَلأنصار، فسمع ذلك النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: «ما بالُ دعوى الجاهليَّة؟!»، قالوا: رجل من المهاجرين كَسَعَ رجلاً من الأنصار، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «دعوها؛ فإنَّها مُنْتِنَة»[2].

وفي الحديث الشريف قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «دعاة إلى أبواب جهنم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها»، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، فقال: «هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا»، قلت: فما تأمرني إنْ أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإنْ لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرة، حتَّى يدركك الموت وأنت على ذلك»[3].

إذًا؛ فالدعاية والدعوة في المعني المطلق، إمَّا أنْ تكون لخير أو شرٍّ، وليس دومًا الدعوة تكون للخير.

الدعاية اصطلاحًا:  هي -من المنطلق الغربي- عمليَّات نشر معلومات -حقائق أو مبادئ، أو مُجادلات أو إشاعات، أو أنصاف حقائق أو أكاذيب- وَفْقَ اتِّجاه معين من جانب فرد أو جماعة، في مُحاولة منظمة للتَّأثير في الرأي العام، وتغيير اتجاه الأفراد والجماعات، باستخدام وسائل الإعلام والاتصال بالجماهير[4].

وأرجئ تعريف الدَّعوة من منظور إسلامي لوقتها -إن شاء الله.

أمَّا الإعلام لغةً: الإخبارُ، وأعلمَ بالشيءِ: أي: (أبلَغَ عنه وأخبرَ به)، ومنه التعليمُ؛ أي: (تبليغُ المعلومات).

- اصطلاحًا: هو الإخبارُ بالأحداثِ، ونشرُ المعلوماتِ والمعارفِ، وانتقاؤُها والتدقيقُ في صِحَّتِها؛ بناءً على وجهةِ النَّظر في الحياة[5].

والإعلام في أوضح تعريفاته المتعرية عن الزَّيف هو: فَن الانتصار بدون حرب[6].

وإذا كانت الدعاية هي عمليَّة ترويج إمَّا لفكر أو بضاعة فإن الوسيلة، في كلتا الحالتين هي الإعلام[7].

وللدعاية أنواع مُختلفة أبرزها: الدعاية البيضاء، والدِّعاية السوداء، والدعاية المضادة.

الدعاية البيضاء: وتكون مكشوفة سافرة ظاهرة واضحة الهدف وبنَّاءة، ويُفصح فيها الداعية عن نفسه، ويوضح غرضه، ويدرك الناس أنَّها تؤثر فيهم[8].

الدعاية السوداء المقَنَّعة: وتكون مستترة خفيَّة الغرض، وتعمل على رفع الشِّعارات البَرَّاقة، والكلمات الرنانة، مثل: الديمقراطية، والحرية، والعدالة، وتفتعل التهويل والمبالغة، وتتعمد اختيار جانب من الحقائق يخدم غرضها دون ذكر باقي الحقائق، وتلجأ إلى الاختلاق، وتشويه وتغيير الحقائق والأرقام، وتستخدم التَّكرار حتَّى يؤمن الناس بالفكرة، حتَّى وإن كانت كذبًا[9].

أما الدعاية المضادة: تقوم على أساس تمييز الدِّعاية الخاطئة وكشفها ومُهاجمتها بطريقة مُباشرة، وتهدف إلى تجنب الوقوع تحت تأثيرها؛ لكونها ضدَّ إرادة الأفراد والجماعات، ومن أساليبها: دراسة وتحليل الدِّعاية، ومعرفة أساليب الداعية وحيله المختلفة، والقيام بالدِّعاية المُضادة التي تقدم للنَّاس معتقدات واتجاهات مضادة لتلك التي يُريدها الدَّاعية، والتصرُّف وعمل شيء فيما يتصل بالحاجات والمطالب المسؤولة عن جعل الدِّعاية الخاطئة مقبولة[10].

وفي رأيي: أن الدَّعايا المضادة أحيانًا تتحول إلى سوداء، بدون أن يشعر الداعون إليها والمعلنون عنها؛ وذلك حين يتعمَّد مُروِّجو الدعايا السوداء إطلاق فكرة بطريقة مُعينة، تُثير استفزاز صاحب مبدأ الدِّعاية المضادة، والذي بدوره ينقل تلك الفكرة السَّوداء بطريقة غير صحيحة كأنَّه مُروج لها، وليس ضِدها؛ ولتقريب الفكرة هي تمامًا حينما يفشل ما يسمَّى في الطب بالمصل في القيام بدوره؛ وذلك لقلة مناعة الجسم، فقد يتحوَّل في لحظة من بكتريا كامنة تفيد الجسم إلى أخرى نشطة، ولكن ضِدَّ الجسم.

وأنا هنا لا أنفي أهمية تواجد تلك الدَّعايا المُضادة في الإعلام الإسلامي، ولكن - في رأيي- أعتقد أنَّها ينبغي استخدامها بشكل عِلمي وصحيح؛ حتَّى لا نصبح مُروِّجين لأعداء الدين.

ولتقريب الفكرة أسوق هذا المثل: فعن أبى الطفيل قال: قلت لابن عباس: أرأيت هذا الرمَلَ بالبيت ثلاثةَ أطواف، ومَشْيَ أربعة أطواف، أسُنَّة هو؛ فإنَّ قومك يزعمون أنه سنة؟ قال: فقال: "صَدَقُوا وكَذَبوا"، قال: قلت: ما قولك: صَدَقُوا وكَذَبوا؟ قال: "إن رسول الله  صلَّى الله عليه وسلَّم قدم مكة، فقال المشركون: إنَّ مُحمدًا وأصحابه لا يستطيعون أنْ يطوفوا بالبيت من الهزل، وكانوا يحسدونه، قال: فأمرهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يرملوا ثلاثًا، ويمشوا أربعًا"[11].

من هذا المثال نلحظ أنَّ مفهوم الدِّعاية عند الأعداء مفهوم أوسع وأشمل مما نحن عليه في الإسلام، ولكن وسعه للأسف في استيعابه لمكامن الشر والشائعات، ولكن ما وراء هذه الدعاية؟ وهل هناك فِكْرٌ وتوجيه مُحدد يبغيه مثيرو تلك الدعاية السياسية؟ هل هناك أهداف يريدون الوصول إليها؟
إن الهدف هو الوصول إلى هُويتنا وعقيدتنا، فإنَّنا ينبغي أن ننتبه لتلك الأفكار التي يريدون إيصالها إلينا كأنَّها مُسلَّمات ينبغي حتمًا أن يسجد فكرُنا لها، وتنهار عقيدتنا تحت بلاطها؛ ليستسلم الوعي النقدي، والعمل العقلي لها تحت تأثير تخديرهم الإعلامي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] "لسان العرب".
[2] الراوي: جابر بن عبدالله الأنصاري، المحدث: الترمذي، المصدر: "سنن الترمذي"، الرقم: [3315]، خلاصة الدرجة: حسن صحيح.
[3] الراوي: حذيفة بن اليمان، المحدث: البخاري، المصدر: "الجامع الصحيح"، الرقم: [3606]، خلاصة الدرجة: صحيح.
[4] جريدة الصباح الالكترونية.
[5] "الحرب الإعلامية والحرب الدعائية"، لجواد عبدالمحسن، الجزء الخامس، و"محاولة تشكيل الرأي العام".
[6] "إرشاد السؤول إلى حروب الرسول".
[7] "الدعاية والإعلام"، الشيخ جواد عبدالمحسن، ج 5.
[8] جريدة الصباح الالكترونية.
[9] جريدة الصباح الالكترونية.
[10] جريدة الصباح الالكترونية.
[11] الراوي: عبدالله بن عباس، المحدث: مسلم، المصدر: "المسند الصحيح"، الرقم: 1264، خلاصة الدرجة: صحيح.