حماية النبي صلى الله عليه وسلم للتوحيد

محمد بن صالح العثيمين

قال أبو ذر رضي الله عنه: "لقد توفي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا".

  • التصنيفات: التوحيد وأنواعه - خطب الجمعة -

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد،

فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم إذ بعث فيكم رسولًا من أنفسكم يتلو عليكم آياته ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة بعد أن كان الناس في ضلال مبين. رسولًا أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات الشرك والكفر إلى نور التوحيد والإيمان، ومن ظلمات الجور والإساءة إلى نور العدل والإحسان، ومن ظلمات الفوضى الفكرية والمنهجية إلى نور الاستقامة في الهدف والمنهج، ومن ظلمات القلق النفسي وضيق الصدر إلى نور الطمأنينة وانشراح الصدر، كما قال الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ​[الرعد:28]، وقال تعالى: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّـهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ۚ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّـهِ ۚ أُولَـٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الزمر:22]​، وقال الله تعالى: {الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ . الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [إبراهيم:1-3]

فلله الحمد، رب السماوات ورب الأرض رب العالمين، لله الحمد علي هذه النعمة العظيمة. نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياك قبولها وأن يميتنا عليها وأن يبعثنا عليها إنه على كل شيء قدير.

أيها الاخوة المسلمون لقد بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم والناس يتخبطون في الجهالات والضلالات، ففتح لهم أبواب العلم من كل وجه ليصلوا إلى اسمى الغايات، فتح لهم باب العلم بالله عز وجل وما له من الأسماء والصفات والأفعال والحقوق، وفتح لهم وفتح لهم أبواب العلم في الكون في مبدئه ومنتهاه والغاية منه والحساب والجزاء قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ ۖ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} وقال  تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ۚ ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ . أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:27-28]، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ . مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ . إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56-58]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ . ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ . وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} [المؤمنون:12-17].

وفتح الله تعالى ببعثه النبي صلى الله عليه وسلم أبواب العلم في عبادة الله في عبادة الله عز وجل والسير إلى رضوانه ودار كرامته، فبيَّن أنهم كيف يعبدون الله وكيف تكون العبادة ومتي تكون وأين تكون، وبيَّن لهم مصححاتها ومفسداتها ليعبدوا الله على بصيرة وفتح لهم أبواب العلم في معاملة الخلق ناطقه وبهيمه، وفتح لهم أبواب العلم في طلب الرزق واستخراج ما استودعه الله في الأرض من كنوز الذهب والفضة وغير ذلك، فما من شيء ما من شيء يحتاج الناس إلى معرفته من أمور الدين والدنيا إلا بيَّنه الله تعالى أتم بيان كما قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} ​[النحل من الآية:89]، وقال أبو ذر رضي الله عنه: "لقد توفي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علمًا"، فكان الناس بعد ذلك على محجة بيضاء -أي على طريق بيضاء- لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتيه فيها إلا أعمى القلب.

بعث الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأكثر الناس منغمسون في الشرك فمنهم من يعبد البشر ومنهم من يعبد الشجر ومنهم من يعبد صنمًا ينحته بيده، ومنهم من يعبد حجرًا يلتقطه من الأرض حتى أن الواحد منهم إذا سافر ونزل منزلًا التقط أربعة أحجار ووضع ثلاثة منها تحت القدر ونصب أحسنها وهو الرابع إلهًا يعبده، ومنهم من يصنع من العجوة -أي من التمر- شبه تمثال فيعبده فإذا جاع أكله. هكذا كنن الناس إلى حد هذا الجهل العظيم فأنقذهم الله تعالى ببعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هذه الهوة السحيقة والسفه البالغ من عبادة المخلوق إلى عبادة الخالق، فحقق التوحيد تحقيقًا بالغًا وذلك بأن تكون العبادة لله وحده لا شريك له يتحقق به الإخلاص في القصد والمحبة والتعظيم، فيكون العبد مخلصًا لله في قصده، مخلصًا لله في محبته، مخلصًا لله في تعظيمه ظاهرًا وباطنًا، بمحبته لله يفعل الأوامر وبتعظيمه لله ويترك النواهي.

قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163]،​ هكذا أمر الله تعالى في كتابه أن يقول الإنسان: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163]، ولهذا جاءت السنة المطهرة مبينه لكتاب الله تعالى في حماية هذا التوحيد وسد كل باب يوصل إلى نقصه أو نقضه فروى (النسائي) عن بن عباس رضي الله عنهما أن رجل قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "ما شاء الله وشئت"، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أجعلتني لله نداً؟ ما شاء الله وحده» ​فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الرجل أن يقرن مشيئة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمشيئة الله بحرف يقتضي التسوية بينهما، وجعل لك من اتخاذ الند لله عز وجل واتخاذ الند لله شرك به.

وقريب من ذلك ما يكتبه بعض الجهال من لوحات يكتبه أو فوق بعض الساعات الحائطية أو على حائط المحراب يكتب اسم الله من الجانب الأيمن واسم محمد من الجانب الأيسر بصف متساوي، فإن هذا نوع من الشرك لأن الناظر إليهما من الجهال والعوام يظن أنهما في مرتبة واحدة، ولذلك يجب طمسهما إذا رآهما الإنسان فإذا كان له سلطة فيما علق فيه أو كتب فيه فهو بنفسه يتولى ذلك، وإن لم يكن له سلطة فلينبه من له السلطة من أجل أن يمحاهما حماية لجانب التوحيد وإفراد الله تعالى بالمحبة والتعظيم، فإنه يحب ويعظم ولكن لا محبة وتعظيمًا يساوي محبة الله وتعظيمه، فإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم  أنكر على من قرن مشيئته بمشيئة الله بحرف يقتضي التسوية فكيف بمن جعل المشيئة للمخلوق وحده دون الله غلوًا ومدحًا! كقول من قال في ممدوحه: "ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار"، نعوذ بالله، هكذا يقول المخلوق يقول: "ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار" وهذا لا شك شرك، شرك صريح واضح فنسأل الله العافية. فتعالى الله عن ما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.

وروى (النسائي) أيضًا بسند جيد أن ناس جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا: يا رسول الله يا خيرنا وبن خيرنا وسيدنا وبن سيدنا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «قولوا بقولِكم ولا يَستهويَنَّكم الشيطانُ أنا محمدٌ بن عبدُ اللهِ ورسولُه ما أحبُّ أن تَرفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلنِي اللهُ عزَّ وجلَّ»، هكذا خشي عليهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا قالوا بهذا القول أن يستهويهم الشيطان ويغلوا بهم غلوًا مفرط الذي ينهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولهذا قال: «أنا محمدٌ بن عبدُ اللهِ ورسولُه ما أحبُّ أن تَرفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلنِي اللهُ عزَّ وجلَّ»، ​فلله در رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ما أعظم تواضعه وما أخشاه لله عز وجل أن ينزل في منزلة لا تليق به من الغلو والإفراط، مع أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم سيد بني آدم وخير بني آدم بلا شك، ولكن خاف أن يستهوي هؤلاء الشيطان ويوقعهم في الغلو حتى يرفعوه إلى منزلة الخالق، فقال أنه عبد الله ورسوله حماية لجانب التوحيد وسدًا لطرق الشرك وبيان للحقيقة والمنزلة التي هي أعلى منازل البشر وهي العبودية لله عز وجل والرسالة.

وروى الإمام أحمد والترمذي وبن ماجه وحسنه الألباني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل يا رسول الله الرجل مِنَّا يلقاه أخوه أو صديقه أينحني له؟ قال: «لا» قال: أفيلتزمه ويقبِّلُه؟ قال: «لا» قال: أفياخذ بيده ويصافحه؟ قال: «نعم»، وقال الشعبي رحمه الله كان أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا التقوا تصافحوا فإذا قدموا من السفر عانق بعضهم بعضًا، هكذا نقله بن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية.

فمنع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منع من الانحناء عند التسليم لأن ذلك خضوع للبشر، وقد يكون وسيلة لتكريم غير الله بالركوع والسجود، وكان السجود عند الملاقاة من باب التحية جائزًا في بعض الشرائع السابقة لكن هذه الشريعة شريعة محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وعلى آله وسلم منعت منه، سواء كان من أجل التحية والإكرام أو من أجل التذلل والخضوع.

أيها الناس، على الإنسان أن يراعي جانب التوحيد ويعرف للخالق حقه فلا ينقصه ولا يشقي به معه غيره لا بالفظ ولا بالفعل ولا بالقلب، وللإنسان أن يعرف للمخلوق حقه ويقوم بما أوجب الله عليه فيه من غلوا ولا تقصير، فلا ينزله منزلة الخالق لا بلفظه ولا بفعله ولا بقلبه فإن للخالق حقه المختص به لا يشاركه فيه غيره، وللمخلوق حقه الذي أوجب الله له لا يزاد عليه ما هو من حق الخالق وإن على الإنسان أن يعلم أنه مسئول عن ما ينطق به لسانه كما قال الله تعالى: {مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، مسؤولًا عن ما يعمله بجوارحه كما قال الله تعالى: {وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل من الآية:93]، مسئول عن ما يكنه في ضميره كما قال الله تعالى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ . وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:9-10]، وقال: {إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ . يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ . فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} [الطارق:8-10].

فاتقوا الله عباد الله واشكروه على ما أنعم به عليكم من هذا الدين القويم والصراط المستقيم واسألوه أن يثبتكم عليه إلى أن تلقوه.

اللهم إنا نشكرك على ما أنعمت به علينا من دين الإسلام، ونسألك أن تثبتنا عليه إلى أن نلقاك. اللهم وفقنا إلى ما فيه الخير والصلاح والإصلاح وأعذنا من الجور والفساد والإفساد إنك على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر واشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن رغم أنف من أشرك بالله وكفر، واشهد أن محمدًا عبده ورسوله سيد البشر الشافع المُشفَّع في المحشر صلى الله عليه وعلى أصحابه خير صحب ومعشر وعلى التابعين لهم ما بدا الفجر وأنور وسلم تسليمًا كثيرَا...

أما بعد،

فيا أيها الاخوة فقد سمعتم ما ينبغي للإنسان أن يفعله عند ملاقاة أخيه إذا سَلَّمَ عليه وهي المصافحة بدون اعتناق أو تقبيل، إلا إذا كان هناك سبب كمجيئه من سفر ونحو ذلك، وإلا فإن السُنة مصافحة. وما اعتاده الناس أخيرًا من كونهم إذا لقوا الإنسان اخذوا برأسه بدل المصافحة فإن هذا لا أصل له في عمل السلف الصالح وإننا لنأسف أن يستعمل الناس أشياء ليست معروفة في سلفهم الصالح، لذلك إذا لقيت أخاك فسلِّم عليه وصافحه بدون تقبيل بدون سبب ولا تأخذ برأسه وتترك المصافحة. بعض الناس إذا نهيته عن ذلك يقول: (أريد أن أعظمك) قل له: لا بأس عَظِّم ما شئت أن تُعَظِّم بلا إفراط، لكن ابدأ بالسنة أولًا وهي المصافحة باليد. ثم إذا كان صاحبك ممن يستحق أن يُقبَّل رأسه أو جبهته فلا بأس، وإن بعض الناس يلجئك إلى أن يقبل خدك أو يقبل شفتيك وهذا لا ينبغي. لأن بعض الناس يتأذى من ذلك، والذي ينبغي إذا أردت أن تُعَظِّم صاحبك أن تقبله إما على الجبهة وإما على الرأس فقط، أما أن تحرجه من أجل أن تقبل خده أو شفتيه فهذا لا ينبغي.

عباد الله، اتقوا الله تعالى واعرفوا عمل السلف الصالح واتبعوهم في ذلك بإحسان حتى تنالوا مقال الله عز وجل:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [​التوبة من الآية:100​]. اللهم اجعلنا من مَن اتبعهم بإحسان وارض عنا كما رضيت عنهم يا رب العالمين، اللهم أعَّز الإسلام والمسلمين وأزلَّ الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وأنصر عبادك المؤمنين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك أن تذل الشرك والمشركين والملحدين والمنافقين والذين يريدون في الأرض فسادًا ولا يصلحون يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم اصلح ولاة أمور المسلمين، اللهم اصلح ولاة أمور المسلمين وهيئ لهم بطانة صالحة تدلهم على الخير وتحثهم عليه وتبين لهم الشر وتحذرهم منه يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم.

أكثروا أيها الاخوة من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه هاديكم إلى الصراط المستقيم بين لكم الحق وحثكم عليه وبين الشر وحذركم منه، فأكثروا من الصلاة والسلام عليه امتثالًا لأمر الله والقيام بحقوق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم واحتسابًا للأجر والثواب فقد قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ​[الأحزاب:56]، فسمعًا لك اللهم وطاعة واحتسابًا لثوابك ورضاك يا رب العالمين، اللهم فصلِ وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته وإتباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفنا على ملته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم اسقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنات النعيم مع {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء من الآية:69] {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحشر من الآية:10].

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر أنك على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.