(1) فوائد عن أحاديث الرسول (الصلاة - طلب العلم)
عبد الله بن حمود الفريح
أسوق لك يا خليل العلم، فوائد قيَّدتها أثناء زياراتي للشيخ المحدِّث سليمان العلوان، وفيها من مُتَعِ العلم ما يُفيد ويُمتع القارئ، ويستحثه على نقلها لمن وراءه ناشراً بذلك الخير، والخُلَّان جمع خليل، وهي في الأصل تقال لمن له أصفى مودة وأصحها، وقد تطلق على عموم الصديق لاسيما ما كان في الله ولله تعالى، ففي لسان العرب: "والخَلِيل الصَّدِيق؛ وإِنما قال ذلك لأَن خُلَّتَه كانت مقصورة على حب الله تعالى، فليس فيها لغيره مُتَّسَع ولا شَرِكة من مَحابِّ الدنيا والآخرة، والجمع أَخِلاّء وخُلاّن".
- التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها -
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد، فإني أسوق لك يا خليل العلم، فوائد قيَّدتها أثناء زياراتي للشيخ المحدِّث سليمان العلوان، وفيها من مُتَعِ العلم ما يُفيد ويُمتع القارئ، ويستحثه على نقلها لمن وراءه ناشراً بذلك الخير، والخُلَّان جمع خليل، وهي في الأصل تقال لمن له أصفى مودة وأصحها، وقد تطلق على عموم الصديق لاسيما ما كان في الله ولله تعالى، ففي لسان العرب: "والخَلِيل الصَّدِيق؛ وإِنما قال ذلك لأَن خُلَّتَه كانت مقصورة على حب الله تعالى، فليس فيها لغيره مُتَّسَع ولا شَرِكة من مَحابِّ الدنيا والآخرة، والجمع أَخِلاّء وخُلاّن".
ولا أحسب رَحِمَ العلم فيما بين طلاب العلم إلا ذات صفاء وخُلَّة، ولا بين طالب العلم والعلم إلا كذلك، وسأقيد بإذن الله تعالى بين فترة وأخرى، (خمسين فائدة) من مجالس شيخنا المحدث سليمان بن ناصر العلوان حفظه الله تعالى، سائلاً الله تعالى لي ولك التوفيق والسداد، راجياً الله تعالى من هذه الفوائد عوائد يوم اللقاء، مرحِّباً بتوجيهك عبر العنوان أسفل الفوائد، وإليك أخي القارئ ما سطرته من فوائد شيخنا:
1 سئل شيخنا عن معنى انتظار الصلاة بعد الصلاة في الحديث الوارد؟
فأجاب: بأن معناه ألا يخرج منه إلا ويتمنى العودة إليه، وإذا جلس فيه يودّ إلا يخرج منه إلا لحاجة.
2 في الحديث السابق قوله صلى الله عليه وسلم « » دليل على أن الاعتكاف لا يصح ساعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسم الانتظار اعتكافا مع أن من جلس نوى التعبد، والصواب: أن أقل الاعتكاف يوم أو ليلة.
3 سئل عن أفضل العبادات؟
فأجاب: بأن المطلق فيه خلاف، قيل: الصلاة، وقيل: الجهاد، وقيل: النحر، وقيل غيره، وأما المقيد فأفضله: ما حان وقته، فحين الأذان مثلاً الأفضل الترديد، وبعده يقال الذكر المشروع، وبعد الصلوات الأفضل الذكر المشروع بعدها، وهكذا.
4 سألته عن صحة الحديث عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »، فقال: إسناده جيد.
5 سئل عن صحة ومعنى حديث أبي هريرة عند أبي داود « » فأجاب: اختُلف في رفعه وإرساله، والرفع أقوى، وأما معناه: فإنه قد يطلق على واحد في مجتمع، وقد يطلق على مجموعة، وأن التجديد مراتب وأعلاه ما كان مختصاً بشأن التوحيد ونشره وقمع البدعة في بلد أو مجتمع يحتاج ذلك.
6 سئل عن صحة حديث « »، فأجاب بصحته وأنه من رواية خمسة عشر صحابيا، وأما زيادة «حتى يقاتل آخرهم الدجال» عند أبي داود، وفي صحتها نظر.
7 حث الشيخ على التصدي للأعداء لاسيما وأننا في زمن كثر فيه الأشرار، وأصبحت البدعة والفسق منظماً، وهذا يحتاج إلى توحيد منظم وسُنَّةٍ منظمة وتصدي منظم، وأنه لابد أن يقوم أفراد بحماية المجتمع من اللوثات الفكرية، والتصدي لهم وكشف زيفهم.
8 سئل عن حديث « » قال: رواه ابن خزيمة، وإسناده قوي، واختُلف هل النهي داخل الصلاة أو أنه مطلق؟ على قولين: ذهب عمر بن عبدالعزيز إلى أن النهي عام وأنه لا يتفل مطلقاً تجاه القبلة، وكثير من الأئمة على تقييده بالصلاة، والأحوط اجتناب البصاق تجاه القبلة مطلقا وهو الأورع، وأما حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم عزل إماماً لأنه بصق تجاه القبلة وقال له: « »، ففي إسناد الحديث جهالة قد لا تغتفر.
9 وأخذ منه العلماء أن الرجل المبتدع والفاسق الذي آذى المسلمين لا يؤمهم وهذا معنى صحيح بغض النظر عن صحة الحديث لأن الصلاة أمانة ولا يتولاها إلا أمين، وأن هذا السائد عن الصحابة والتابعين إلا إذا غُلب على أمرهم كما كان من صلاة الصحابة خلف بعض أمراء بني أمية مع فسقهم، يصلون لأنه لا سبيل لهم غيره، لكن في عصرنا لو أمَّ المسلمين رجلٌ فاسقٌ، أو صاحب بدعة، أو معروف بالظلم، فإنك لا تصلي خلفه وإنما تذهب لغيره لوجود البديل -تنبيه: الشيخ لا يتكلم عن صحة الصلاة وإنما عما ينبغي فعله-.
10 سألته عن صحة حديث: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مضطجعا على بطنه، فقال: «إن هذه ضجعة لا يحبها الله»، وفي رواية « »، فقال: الحديث مضطرب.
11 سئل عن حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه «لا تنسنا يا أخي من دعائك»، فقال إسناده ضعيف لا يصح بحال مداره على عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف.
12 ذكر الشيخ أن طلب الدعاء من الغير جائز ولا يوجد دليل ينهي عن طلب الدعاء من الغير، وغاية ما ذُكر اجتهادات فقهاء، بل ورد ما يدل على الجواز كحديث طلب الدعاء من أويس القرني، وحديث عكَّاشة « »، فالأصل الجواز ما لم يُتخذ عادة بحيث لا يدعو لنفسه، وكل من لقي يقول له: ادع لي، فهذا منهي عنه، وليس من هدي الأئمة، ومن العلماء من استحب مع الطلب استصحاب نية أن ينفع الداعي بأن تؤمن الملائكة على دعائه وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية، ولكن لو لم يقصد هذا فلا بأس بطلب الدعاء من الغير.
13 سئل عن التفصيل في جُمَل الدعاء؟ فأجاب: منه ما هو مشروع، ومنه ما هو اعتداء، ومن المشروع ما جاء في صحيح مسلم من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم « »، ومثله لو قال: « »، أما الاعتداء فلا يجوز، كأن يسأل مالا يمكن، وكأن يسأل منازل الأنبياء والمرسلين، فمهما سأل لن يُجاب.
14 ومثله لو سألت شخصا ما لا يمكن، أو مالا يستطيعه فلا يلزم أن يجيبك، كأن تقول له: أسألك بالله أن تجيبني أو تفعل كذا ، أو تخبرني بكذا ويكون مما لا يستطاع.
15 حث الشيخ كثيرا على إنكار المنكر، وتعظيم هذه الشعيرة، وارتباط أهل الحق والطائفة المنصور بهذه الصفة، وضرورة وجوده في حياة العبد، وأن مما يدّعيه البعض السكوت عن منكرات بدعوى الحكمة، فتراه يسكت عن منكرات بداعي الحكمة وهو ليس كذلك، ليري الناس أنه لم يسكت إلا لحكمة، وما ادّعى ذلك إلا عن قلة ورع وضعف وقلة تدين، ولو اعترف بتقصيره بالإنكار لكان أعذر له عند الله تعالى ممن يدعي الحكمة في كل سكوت عن الإنكار، واستشهد بقول أبي الطيب المتنبي:
يرى الجبناء أن الجبن حزم *** و تلك خديعة الطبع اللئيم
و كل شجاعة في المرء تغني *** ولا مثل الشجاعة في الحكيم
16 تكلم الشيخ عن أهمية تخفيف المنكر وأنه مطلوب أيضا ومهم للغاية، وذكر الشيخ أن إنكار المنكر وتخفيفه مشروط بألا يخاف الإنسان على نفسه الفتنة أو الانغماس فيها، وأن شعيرة الإنكار وتخفيفه لابد أن ننظر فيه لثلاثة أمور:
أ- الشخص القائم بالإنكار وحاله.
ب- صورة المسألة المراد إنكارها واتضاحها للقائم بالإنكار
ج- القدرات التي بالإمكان فعلها.
17 سئل الشيخ عن حكم إمامة الصبي؟
فأجاب فيه خلاف: قيل: يمنع في الفريضة دون النفل، وقيل: يمنع مطلقا، وقيل: يجوز مطلقا وهو الصواب بشرط يعقل صلاته ويدري فقه إمامته وهو أصح الأقوال والأدلة كثيرة، ومن ذلك حديث عمرو الجرمي عند البخاري أمَّ قومه وهو ابن ست أو سبع سنين، والصحابة بعد ذلك صلَّوا خلفه، وحديث أنس ومصافته اليتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم والعجوز من ورائهم، وإذا جازت مصافته جازت إمامته؛ لأنه لو لم تجز مصافته لبقي أنس منفردا ولا يصح أن يبقى منفردا بل يأتي ويكون بجانب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما صحَّت مصافته صحَّت إمامته.
18 سئل الشيخ عن معنى قول الفقهاء: "مما عمت به البلوى"
فأجاب: بأنها عبارة يستشهد بها في تقوية الاستدلال، ويُرخص بها، فمثلا: منع قراءة القرآن للحائض عن ظهر قلب، لا يوجد دليل على المنع، والأحاديث في المنع كلها منكرة، والحيض مما عمت به البلوى ولو كانت القراءة ممنوعة لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يرخَّص لشخص محرم ما دون غيره، لما عمَّ به من البلاء، كما رخَّص النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وابن عوف رضي الله عنهما في لبس الحرير لحكة بهما، وعادةً يكون هذا الترخيص في المحرم لغيره لا لذاته.
19 وأما حديث « »، فهو ضعيف فيه إسماعيل بن عياش وروايته عن غير أهل الشام مضطربة معلولة كهذا الحديث.
20 سئل عن معنى حديث عند مسلم « »، فقال: أي يجعل قوما كانوا وضيعين عند الناس إما لفقرهم أو نسبهم ثم يسوسون الناس بما معهم من القرآن، وهذا يشمل العلم وكل نفع يوصَل للناس؛ لأن هذا دين من أخذه رفعه الله ومن خذله وضعه الله، « »، كأناس أهملوا التعلم وحفظ القرآن وكانوا سادة في الناس؛ فيضعهم الله، ومثله من لم يتعلم القرآن ولم يعمل به، ومن الشواهد لهذا المعنى، وَضَعَ اللهُ تعالى أبا لهب بعدما كان سيدا في قومه، وأنزل فيه سورة تتلى في ذمة إلى يوم القيامة، ورفع الله سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي رضي الله عنهم بهذا القرآن، واستشهد بقول الشاعر:
لقد رفع الإسلام سلمان فارس *** وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
21 سئل عن حديث «
22 سئل: هل ورد حديث في فضل سنة الإشراق أو تسميتها شيء؟ فأجاب: كل الأحاديث الواردة معلولة.
23 وأما الجلوس في المسجد حتى تشرق الشمس فثابت في صحيح مسلم، ولو صلى بعد الإشراق ونواها ضحى فلا بأس، لحديث « »، وفي حديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه « »، ومن هذين الحديثين عُلم أن الصلاة أول النهار مقصودة وفيها فضيلة.
24 سئل هل ورد عن السلف أنهم يجعلون جلوسهم في المسجد حتى الإشراق في القرآن وتلاوته؟
فأجاب: لم يرد، وإنما يقضيه العبد بما شاء من ذكر أو قرآن أو تعليم حتى ولو مباح، فإنه يأخذ فضيلة الجلوس حتى الإشراق، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "كنا نأخذ في أمر الجاهلية فيضحكون فليتفت النبي صلى الله عليه وسلم ويبتسم" كانوا يتذاكرون أمر الجاهلية ويستأنسون بما هم عليه من الإيمان فيحمدون الله تعالى.
25 سئل عمن ينكر كرامات الأولياء؟
فأجاب: هذا لا يُعرف إلا عن المبتدعة هم الذين ينكرونها، فهذا مفارق لأصول أهل السنة في إثبات كرامات الأولياء.
26 نقل الشيخ عن ابن القيم أن الفساق وأهل البدع لا يُهنَّئون على توليتهم المناصب، لما في التهنئة من إقرار لهم.
27 سألته عن صحة الحديث الوارد في فضل قراءة سورة الإخلاص عشرا وفضله الوارد بأن له بيتا في الجنة، فقال حديث ضعيف.
28 سئل عن البسملة وهل هي آية من الفاتحة؟ فأجاب: بأن الشافعية يرونها آية، وأكثر المصاحف المطبوعة على ذلك، ولذا يرون الجهر بها. وهذا ثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه، والقول الثاني: أنها ليست بآية من الفاتحة، ولا من القرآن إلا في النمل وهو الراجح لحديث « ».
29 وأما حديث « »، فهو حديث معلول مرفوعا، وصحَّ موقوفا على ابن مسعود رضي الله عنه.
30 سئل عن حكم القول للكافر (يا أخي)؟ فقال: لا يجوز ذلك ولو كان يقصد بذلك الأخوة الإنسانية أو الطينية؛ لأن هذا تلبيس، والله تعالى قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات من الآية:10]، وهذا فيه حصر المبتدأ بالخبر ويفيد التخصيص.
31 سألته عن تقليب صفحات القرآن التي في الأجهزة الذكية وهل يشترط لها الطهارة؟ فقال: لا يشترط.
32 سئل عن السر في بقاء علم العالم على ممر العصور مع وجود علماء آخرين في عصره لم يبق لهم أثر؟
فأجاب الشيخ بإجابة مفصَّلة موضحا أهمية السؤال، وقال تجد في العصر الواحد مائة عالم ولم يبق أثر إلا اثنين أو ثلاثة، ولهذا عدة أسباب:
أولا: وهو الأساس الإخلاص لله تعالى فمن أراد بعلمه وجه الله بورك فيه، ومن شواهد ذلك قول عمر بن عبدالعزيز: "وددت أن جسمي قرض بالمقاريض وأن الخلق أطاعوا الله تعالى"، وقال أيضا: "وددت أن الناس أخذوا عني العلم ولم يُنسب لي منه شيء"، وهذه أيضا مقولة مشهورة عن الشافعي، وهذا أحمد بن حنبل كان ينهى عن تدوين فقهه، ومع ذلك اشتهر عنه الكثير، ونقل عنه الخلال نحوا من 50 مجلدا، ونقل أبناؤه فقهه.
ثانيا: الخبيئة في العمل، أن يكون للعبد سريرة، ولما سئل الإمام أحمد عن الليث بن سعد وأنه أعلم من الإمام مالك ولم يشتهر كشهرته فقال: "لعل له سريرة"، العلم لا يرجع إلى كثرة المحفوظات، ولا التصنيف، ولا القراءة، وإنما مرجعه الصدق والإخلاص، انظر إلى تصانيف محمد بن عبدالوهاب، أوراق معدودة بالأصابع، ولكن العلم بعلمه وثمرته لا بحجمه، فأوراقه هذه تُدرس في معظم ديار العالم وعلمه يُنقل ويشتهر، ومعوِّل أبناء المسلمين على تصانيفه المختصرة؛ لأنه اهتم بمشاكل عصره، وكان همه نفع عصره مع ما كان عليه من دعاء بالقبول، قيل: مكث يدعو عند الملتزم أن يوفقه الله، ففرق بين هذا وبين مَن أهم شيء عنده أن يؤلف ثم يدفعه لعالم يقرظه يظن أن شهرة كتابه تكون بالتقريظ من عالم معتبر في عصره، هذا وإن اشتهر في عصره لهذا السبب فقد يشتهر قليلا ثم يخبو، الكتاب بثمرته لا بحجمه.
ثالثا: الطلبة، فبعض العلماء له طلبة ينقلون علمه وآثاره والآخر ليس له، ومن نماذج ذلك ابن عمرو وأبو هريرة رضي الله عنهم، ابن عمرو أكثر رواية من أبي هريرة رضي الله عنهما ومع ذلك المحفوظ عن أبي هريرة رضي الله عنه أكثر، ولهذا أسباب كثيرة، من أهمها: ابن عمرو رضي الله عنه استوطن مصر، ولم يكن هناك من ينقل علمه، بخلاف أبي هريرة رضي الله عنه فقط كان في المدينة وعنده طلبة ينقلون عنه، ومن أمثلة ذلك الليث بن سعد في مصر وهو من الأئمة الكبار إن لم يكن أعلم من مالك فليس بأقل منه، ولهذا أسباب أهمها لم يكن لليث أصحاب يقومون بعلمه.
رابعا: التصنيف، طائفة من العلماء يصنفون ويعالجون مشاكل عصرهم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر كالإمام محمد بن عبدالوهاب، وطائفة من العلماء لا يكتبون شيئا فلا تنقل علومهم ولا يكاد يُذكرون إلا في التواريخ.
خامسا: حسن التصنيف، ولهذا له دور وذلك من خلال تقسيمات الكتاب وتفريعاته.
سادسا: الجلوس للتعليم، وللعالم بهذا أثر فيبقى علمه أكثر ممن كان في بيته.
سابعا: العمل بالعلم، فالذي يعمل يُكتب له القبول فينتشر علمه.
ثامنا: الصدع بالحق، فالذين يصدعون بالحق تبقى علومهم وآثارهم ما لا تبقى علوم الصامتين.
تاسعا: التركيز، فبعضهم يركِّز على جانب وعنده حسن اختيار، وبعضهم يركز على طلابه ويهتم بهم، بخلاف من لا يهتم بطلابه، قد يمرض الطالب وينقطع ثم يبرأ ويعود والشيخ لا يدري ولا يتفقد طالبه، وهذا خلاف فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يتفقد أصحابه.
عاشرا: تحرير العلم وتوضيحه، أكثر الناس اليوم لا يتعصبون للمذاهب كالسابق، وإن كان يوجد تعصب للمشايخ والمقصود تحرير العلم، فلو تأملت مثلا (نيل الأوطار للشوكاني) من أوله إلى آخره مأخوذ في فقهه من (فتح الباري لابن حجر)، وفي الحكم على الأحاديث من تلخيص (الحبير لابن حجر)، وليس للشوكاني شرح فيه، ولكن لأنه يذكر رأيه وترجيحاته صار له حظوة؛ لأنه يجتهد وينصر ما يعتقد أنه الحق ولا يقلِّد، ولذا صار لمؤلفاته حظوة مثل (النيل والسيل الجرار) ونحوهما، فالذي يحرر المسائل يتناقل الناس علمه.
33- سئل عن كفارة اليمين هل يجوز إخراجها مالا؟
فأجاب: في المسألة قولان: قيل: لابد من الطعام وهو قول الجمهور خلافا لأهل الرأي وطائفة من الفقهاء الذين قالوا تجزئ بمقدار الطعام مالا، والراجح قول الجمهور لقول الله {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة من الآية:89]، لكن من أخرج مالا عن اجتهاد أو استفتاء فقد برئت ذمته، وأما من أخرجها دون ذلك فيعيد إخراجها طعاما.
34- سئل عن حديث « »، فقال: رواه الترمذي وهو معلول.
35- سئل عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة « »، وهل هذا عام يشمل العلم والتجارة مع الطعام؟
فأجاب: تعميم هذا قد يكون فيه صعوبة، لكن قد نقول عام في كل ما هو طعام لا غيره.
36- ذكر شيخنا تقسيماً جيداً في فضائل البلدان، وقال أحاديث الفضائل فيها تنقسم إلى قسمين:
1- قسم يتعلق بالبلاد.
2- وقسم يتعلق بأهل البلاد.
فمثلا فضل اليمن ومصر يتعلق بأهل البلاد « »، « »، وأما مكة والمدينة فلا فضل للأشخاص، وإنما للبلاد حيث دعا النبي صلى الله عليه وسلم، للمدينة بضعفي ما بمكة من البركة، وكذا المشاعر في البلدين، أما الشام فجاءت الفضائل في الأشخاص والبلاد بنص الكتاب والسنة، قال تعالى: {قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون من الآية50]، وابن مريم ينزل في الشام آخر الزمان، وفي حديث عبدالله بن حولة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « »، قال عبد الله فقمت، فقلت: خِرْ لي يا رسول الله، فقال: « »، وفي الحديث: ».
37- ولذا يرى أحمد وابن المديني أن الطائفة المنصورة تكون بالشام ويرى غيرهم أنها متفرقة بالبلدان وهو الصواب.
38- سئل عمن يعارض ظاهر النصوص ويبني على ما يراه مصلحة باجتهاده ولو خالف النص مستدلا بإمضاء عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث ثلاثا في حديث: "كان الطلاق على عهد النبي وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر الثلاث واحدة، فقال عمر أرى أن الناس قد استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه"؟ فأجاب: بأن والاستدلال على معارضة ظاهر النصوص بفعل عمر رضي الله عنه فيه نظر، فعمر رضي الله عنه لم يخالف النصوص فهو لم يخالف أمرا مقطوعا به، وإنما هي مسألة اجتهادية فيها ثلاثة أقوال: قيل: الثلاث واحدة، وقيل: الثلاث ثلاثا، وقيل: هي راجعة لتخيير الحاكم حسب المصلحة، وإن كان الأرجح أن الثلاث واحدة إلا أن عمر رضي الله عنه لم يغيِّر حكما مقطوعا به، ولذا الصحابة أمضوا اجتهاد عمر رضي الله عنه لأنهم يعلمون أنه يسوغ، ومع الأسف العلمانيون وأمثالهم يستغلون مثل هذا ليصلوا إلى مرادهم في تعطيل الدين، ولذا الحجاج سأل أنس رضي الله عنه عن العُرنيين، فأجابه أنس رضي الله عنه بحديث العُرنيين، فوجد الحجاج في هذا الحديث مساغا له في القتل وأن من خالف أمري فعلت به ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بالعُرنيين، فعتب أصحاب أنس كالحسن وغيره على أنس رضي الله عنه تحديثه الحجاج بهذا الحديث؛ لأنه يحمله على غير محمله ويستدل به على فعله الباطل وندم أنس رضي الله عنه.
39- سئل شيخنا عن مسألة (ضع وتعجل) معناها وحكمها؟
فأجاب: هي كأن تقول لمن أقرضته وعليه 100 ألف تعجل لي بها وأضع عنك 40 ألفا. المالكية يمنعونها ويرون أنها ربا، واستدلوا للنهي عنها بحديث ضعيف، والجمهور على جوازها وهو الصواب وليس فيها شيء من الربا.
40- سئل شيخنا عن حكم بيع وتأجير بيوت وعقار مكة والمدينة؟
فقال: جائزة، والمحرم بالإجماع بيع وتأجير وقف الله على العباد كالمشاعر منى وعرفة ومزدلفة.
41- سألته عن صحة الحديث الوارد في فضل الدعاء بين ظهر وعصر الأربعاء وأنه وقت يستجاب فيه الدعاء؟
فقال رواه أحمد وهو حديث ضعيف تفرد به كثير بن زيد.
42- سئل عما انتشر في زماننا من الجماعات الإسلامية والتحزبات والانخراط فيها؟
ذكر أنها سبب في تفرقة المسلمين ومنافية لما أمرنا الله تعالى به من الوحدة، وأن الناس يدعون في نصوص الكتاب والسنة وعلى مر العصور المفضلة بالمسلمين لا بأسماء الجماعات، والذين ينتسبون للجماعات ويتعصبون لها الولاء والبراء عندهم للجماعة لا للعقيدة، فبمجرد انتمائك يوالونك أو يعادونك، وهذا يفرق جماعة المسلمين، والله تعالى أمرنا بالوحدة فقال: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران من الآية:103] [آل عمران: 103]، والمسميات كانت لا تعني شيئا إلا مجرد التعريف والتسمي لا الانتماء والتدين، فالله تعالى ذكر المهاجرين والأنصار بأسمائهم فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة من الآية:100]، فسماهم بأسمائهم التي ينتمون إليها، لكن حينما يكون انتماء وديانة وتعصبا فالنصوص تنهى عن ذلك، فلما كان بين المهاجري والأنصاري شيء، قال المهاجري يا للمهاجرين وقال الأنصاري يا للأنصار، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بهذا قال « »، فأخبروه، فقال: « »، فلم يكن في عصر الصحابة ولا التابعين جماعات، وإنشاء هذه الجماعات مما يدعو للفرقة ويخالف النصوص الآمرة بالجماعة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول « »، وإنشاء هذه الجماعات من الأمور المحدثة، ومن الأشياء التي يفعلها الغرب بين المسلمين لإيجاد الفرقة والتحزب، وبالنظر لهذه الجماعات فإنها وإن تسمت بالإسلامية إلا أن بينها بون وتفاوت، فمنها من إلى الغرب أقرب من المسلمين ومنها غير ذلك، وحث شيخنا كثيرا على البعد عن المسميات والانتماء لها، والحرص على الكتاب والسنة وجماعة المسلمين فهي المعوَّل لا المسميات والتعصب لها.
43- سئل عن ضابط تغيير خلق الله تعالى؟
فأجاب هذا من مسائل الخلاف، قيل: ما دل الدليل على تحريم تغييره فهو المحرم كالنامصة والواشرة والواشمة، وقيل: بتحريم تغيير أي شيء من البدن ولو كان إزالة عيب كالأصبع السادس، وقيل: بعدم جواز تغيير التجميل كالعمليات التجميلية الكمالية، ومال الشيخ للأول ما ورد به الدليل ثم ذكر صعوبة تحديد ضابط محدد يُرجع إليه.
44- سئل هل هناك فرق في ثواب الصلاة في المساجد ما سوى المساجد الثلاث؟
فأجاب كثير من الفقهاء يرى أن الصلاة في المسجد العتيق (القديم) أفضل، بخلاف الجديد وهذا اجتهاد لا دليل عليه، والصواب: أن المسجد يتفاضل بكثرة جماعته لحديث « ».
45- وكذلك مسألة الإمام، فالإمام التقي الصلاة خلفه أفضل بلا شك من شخص عنده تقصير وعنده جهل، لأن الصلاة خلف التقي يكون لها معنى وفقه.
46- وأما الحديث الوارد صلاة في قباء كأجر عمرة فهو حديث ضعيف.
47- سئل عن حديث « » (بالفتح على أنها فعل) أو أهلكُهم (بالضم على أنها خبر)؟
فأجاب: بأنه حديث متفق على صحته، ومعنى أهلكهم بالضم: أي هو أول الهالكين، وبالفتح: أي هو السبب في إهلاك الناس وذلك بإعجابه بنفسه فكأنه هو الناجي وغيره هالك.
48- تكلم الشيخ عن الإعجاب، وأنه ينبغي للعبد أن يزدري عمله ويحتقره ولا يكثره في جانب فضل الله عليه، وهذا خلق النبي صلى الله عليه وسلم كما زكّاه الله، حيث قال تعالى: { } [الإسراء:74]، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: « »، وبقدر ما يتبرأ العبد من حوله وقوته يزيده الله قوة وثباتا، وبقدر إعجابه بنفسه تخلى الله عنه وزاده حسرة وكثرت عليه الهموم، والأحزان واستشهد بقول الشاعر:
إذا انقطعت أطماع عبدٍ عن الورى *** تعلق بالرب الكريم رجاءهُ
فأصبحَ حراً عزةً وقناعةً *** على وجهه أنواره وضياِءهُ
وإن علقت في الخلق أطماع نفسه *** تباعد ما يرجوا وطال عناءهُ
فلا ترجوا إلا الله في الخطب وحده *** ولو صح فيخل الصفاء صفاءهُ
واستشهد الشيخ أيضا بكلام السلف، واستشهد بكلام لابن الجوزي في صيد الخاطر وتعجبت من حفظ الشيخ له فهو بمقدار الصفحة والنصف، ومع ذلك سرده سرداً كأنما يقرأ من كتاب لا قوة إلا بالله.
49- تكلم الشيخ عن أسباب التقلبات الموجودة اليوم وعدم الثبات، حتى أصبح العبد يتلون باسم الاجتهاد وهو في حقيقته انتكاس وتلوُّن؛ لأن دين الله واحد وليس لأحد أن يتنقل بين الشهوات أو ما يمليه العقل بحجة الاجتهاد، وهذا من أسباب عدم ثقة بعض الناس ببعض أهل العلم.
50- ومن أسباب الانتكاس والتلوّن (الرياء) فهو لا يريد إلا مدح الناس والجمهور، وهو بهذا يعبد الجمهور لا يعبد الله، ومن أسباب التقلبات والانتكاس (الإعجاب بالنفس) والمعجب مثله لا يثبت، بل ينبغي للعبد أن يتذلل لربه ويتواضع، ويستعيذ من شر النفس، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه هذا الذكر كما يعلمهم السورة من القرآن « »، ومن دعائه كما عند مسلم: « ».