أهمية تصريح الداعية باسمها
هناء بنت عبد العزيز الصنيع
ذكر الله تعالى اسم مريم ابنة عمران رضي الله عنها في كتابه العزيز وهي الفتاة العذراء.. بل سُمِّيت سورةٌ كاملةٌ باسمها.. ولو كان ذلك يُعاب أو يُنافي المروءة، لما ذكره سبحانه وتعالى في كتابه والرجال يقرأون اسمها ليل نهار على امتداد القرون والأزمان..
- التصنيفات: الدعوة إلى الله - الدعاة ووسائل الدعوة -
قد تمتنع بعض الكاتبات عن التصريح بأسمائهن لأسبابٍ مختلفة، ولا شك في أن تصريح الكاتبة باسمها سيعود عليها بالنفع، لا سيما إن كانت كتاباتها تخدم الإسلام..
وهذا النفع يحدث من عدة نواحي:
أولًا: الاسم الصريح هو البوابة التي تربط بين القارئ والكاتب فإذا أغلقت هذه البوابة، بالاسم المستعار انقطع التواصل والنفع، وإن وجد فهو قليل، أو لعددٍ مُعيَّن من الناس فقط، والكاتبة المسلمة تمتاز بالعالمية، بمعنى أنها تخاطب الأمة الإسلامية بأسرها في العالم كله، طموحها عالٍ تريد أن تنفع أكبر قدر ممكن من الناس.. وإذا كانت الكاتبة مجهولة بالنسبة لقرائها فسيضعون حولها العديد من علامات الاستفهام.. من هي؟!
هل منهجها سليم؟ ما العلم الذي تحمِله؟ هل سيرتها طيبة؟ كيف يمكن الاستفادة منها في الحقول الإعلامية الدعوية الأخرى؟!
ما الطريقة التي نستطيع من خلالها توجيه النقد أو النصيحة لها أو تزويدها بمعلومات مهمة حول المواضيع التي تبحث فيها؟!
كيف نستطيع أن ننسق معها للقاء مع أخوات يرغبن تعلم فن الكتابة والتأليف وهي مجهولة الاسم والحال لدينا؟ كيف؟ من؟!
الجواب: لا نعرفها إنها "ثروة مهدرَة" لم نستطِع توظيفها للاستفادة منها، ولا نقدها لنفيدها، ولا حتى تشجيعها..!
ثانيًا: أيهما يؤثر فيكِ أكثر؟ المقال الذي ذُيِّل باسم صاحبه؟ أم المقال الذي ذُيِّل باسمٍ مستعار؟ إن التأثير على القارئ مطلب رئيسي عند الكاتب، فما فائدة الكتابة التي ليس لها أثر؟! والاسم الصريح يُساهم بقوةٍ في عملية التأثير هذه ويعطيكِ المصداقية والثقة لدى القارئ..
ثالثًا: اسمكِ الذي وقَّعتِ به على كتاباتٍ ترضي الله وترفع دينكِ ووطنكِ سيكون شوكة في حناجر العلمانيات والمفسدات اللاتي يكتبن بأسمائهن صريحةً لهدم الذين والأوطان أفلا تنفعين دينكِ باسمكِ؟ أهذا كثير على الإسلام؟!
رابعًا: تعبَّدي الله بكتابة اسمكِ صريحًا، ليسهل وصول النساء إليكِ، واستفادتهن منكِ، لا سيما الراغبات في مجال الكتابة، ليجدن نماذج نسائية طيبة يستطعن الاستفادة منها كتوجيه، استشارة، تشجيع...
فالمرأة بحاجةٍ لامرأة مثلها تُتقِن هذا المجال لتُعينها وتصنع منها كاتبة، وما أدراكِ قد ينفع الله بكِ إحداهن فتكتب، وقد تكون أعظم منك إخلاصًا وأسلم نِيَّة ويبقى لكِ أجر الدلالة، فلا تضيعي على نفسكِ الفرص فلا يكفي أن تكوني كاتبة.. بل صانعة كاتبات.
خامسًا: ستستفيدين كثيرًا من تصويبات الآخرين لكِ، فالمرء لا يرى ما يشينه حتى يستخدم المرآة ليتمكن من تعديل هذا وذاك بعد أن انعكست له الرؤية.. فما ظنكِ بمن سيرى نفسه من زوايا كثيرة، بمرايا متعدِّدة، سيُساعده ذلك بلا شكٍ على إزالة ما يشينه والحفاظ على ما يزينه.
ولكن! ما رأيكِ بمن لا يملك مرآةً أصلًا؟ كيف سيُعدِّل نفسه؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
..» (رواه أبو داود: [4918] واللفظ له، والبخاري في الأدب المفرد: [239]).وظهور اسمكِ الصريح سَيُسهِّل مهمة أخواتكِ المؤمنات في تقديم النفع لكِ وإفادتكِ والأخذ بيدكِ.
سادسًا: عندما تكتبين باسم مستعار فلا تنسي أن هناك من ضعيفات النفوس من قد تنسِب إلى نفسها ما كتبتِهِ وتدَّعيه، وقد يكون مسلكها أو منهجها غير صحيح، فيؤثر ذلك بحِدّةٍ على توزيع كتبكِ أو الاستفادة من مقالاتكِ بل قد تُهجرين وتُهاجمين ظنًا من الناس أنكِ فلانه، وسمعة الكاتبة تؤثر على قبولها، فما أغناكِ عن تلاعب أمثال هؤلاء الذين قد يكتبون ما لا يَسرُّكِ وبنفس اسمكِ المستعار، ولن يُفيدكِ الاستنكار بشيءٍ فالاسم المستعار مُلكٌ للجميع يتسمَّى به من يشاء، فماذا لديكِ تحاجينهم به؟
سابعًا: "لا أريد أن يقرأ اسمي الرجال"..! عبارةٌ تُردِّدها بعض الأخوات اللاتي منَّ الله عليهن بنعمة القلم ولم يشاركن بالكتابة في الصحف والمجلات وتأليف الكتب، خجلًا أو خوفًا، أو إجبارًا من الوليّ..!
أخيتي! لقد قرأ الرجال عبر القرون وما زالوا يقرأون مراتٍ عديدةٍ أسماء من هنَّ خيرٌ مِنَّا!
ذكر الله تعالى اسم مريم ابنة عمران رضي الله عنها في كتابه العزيز وهي الفتاة العذراء.. بل سُمِّيت سورةٌ كاملةٌ باسمها.. ولو كان ذلك يُعاب أو يُنافي المروءة، لما ذكره سبحانه وتعالى في كتابه والرجال يقرأون اسمها ليل نهار على امتداد القرون والأزمان..
ومن أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قام يخطب فذكر اسم ابنته أمام الناس ولم يتحرَّج من ذلك في قصة المرأة المخزومية، عندما قال: «... » (رواه البخاري: [6788]).
أيوجد من هو أشد حِفاظًا وغيرة على بناته ونسائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
وهذا الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم: "أي الناس أحب إليك؟ قال: «
»، قلت: من الرجال؟ قال: « »، قلت: ثم من؟ قال: « »، فعدَّ رجالًا" (رواه مسلم: [2384]).كان بإمكانه صلى الله عليه وسلم أن يقول: ابنة أبي بكر، ولكنه لم يفعل وذكر اسمها صراحةً، مما يدل على حضارة الإسلام ورقيه.
فهل العادات والتقاليد أفضل من هَديه صلى الله عليه وسلم؟! أقصد تلك العادات التي يخجل فيها الرجل من ظهور اسم مُولِّيته أمام الرجال وكأنها عارٌ عليه وخِزي! بينما تشرَّف التاريخ بذكر أسماء وسيرِ عددٍ كبيرٍ من الصالحات، وازدانت كتب التراجم بأسماء راويات الحديث رحمهن الله.
ولعلي أستأنس هنا بمقاطع من كلام د. مساعد المحيا عندما قال: "ربما كان من المقبول في فترة تاريخية مبكرة أن يلجأ عدد من النساء اللواتي كان لهن حضور إعلامي أو مشاركات بارزة في عدد من المطبوعات، أو الوسائل الإعلامية، إلى استخدام أسماء مستعارة، أو كُنى أو ألقاب، كل ذلك لأن الظروف الاجتماعية لم تكن تسمح بتذييل تلك المشاركات بأسمائهن الصريحة.
ولأن تلك الممارسة لم تكن مستنِدة لرؤيةٍ شرعية؛ فقد كان من الطبيعي أن يكون ذلك مرتبِطًا بطبيعة التغيير في الظروف الاجتماعية نفسها، لذا فقد طرأ تغيُّر في نظرة المرأة لاستخدام اسمها الصريح بمجرّد تغيُّر كثير من تلك الظروف، وشعور كثير من أولئك النساء بأن استخدام اسمها الصريح لن يترتب عليه مشكلات اجتماعية… ومن هنا يظل من غير المقبول أن يكون العنوان مثلًا د. أم عبد الرحمن تقول كذا وكذا.. والأستاذة أم محمد تقول كذا وكذا..
…إن عددًا من الأخوات لا يزلن يحجمن عن المشاركة اليوم نتيجة للحرج الذي يجدنه تجاه نشر أسمائهن! تُرى كيف يُفسِّر الآخرون من القُرّاء هذا الإحجام؟ وكيف يشعر القارئ والمستخدم للوسيلة الإعلامية بالثقة بالحديث المنشور أو المشاركة ما لم يكن الاسم صريحًا وواضحًا؟ أليس من أبجديات التأثير والإفادة للآخرين وجود العلاقة بين القارئ وبين شخصية المتحدِّث والكاتب؟
ألا تُدركِ أولئك الأخوات أن مسؤوليتهن ولا سيما بعد أن أصبحن يتبوأن مكانة علمية أو إدارية أن عليهن أن يقمْن بقدر كاف من المسؤولية الدعوية؟ ألا يكفي أولئك الأخوات أن يسعهن ما جاء به الإسلام من ضوابط منذ بزوغ فجره وحتى اكتماله؟
ألسنا اليوم نَنعم بالكثير من النماذج النسائية التي كان لها أثر بارز في انتشار خريطة الدعوة الإسلامية بدءًا بأمهات المؤمنين والصحابيات، ومن ثم النساء من السلف الصالح وانتهاءً بالكثير من الداعيات في مختلف أرجاء العالم الإسلامي اليوم؟
أم ترى أن أولئك الأخوات يَرين أن مشاركتهن بأسمائهن مما ينبغي التحرُّج منه شرعًا؟
أم أنها ستقودهن إلى الوقوع بمخالفةٍ شرعية؟!
فكيف تبقى الأخت الملتزمة المحافظة على دينها أسيرةٍ لأفكارٍ وتخوُّفاتٍ اجتماعية تجاوزها الناس؟ وخاصةً أن المسلم يدور مع ما جاء به الإسلام ويرضى به ويُقدِّمه على كل شيءٍ..." (باختصارٍ من مجلة الدعوة، العدد: [1930]، ص: [15]).