مجاهدة النفس

أحمد رشيد

المجاهدة من الأمور التي تحتاج من الإنسان طاقة ومشقة، لذلك قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40-41].

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - تربية النفس -

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد..

فإن مجاهدة النفس فطامة عن الشهوات، ونزع القلب عن الأماني والشهوات.

قال الشاعر:

والنفس كالطفل شبَّ على *** الرضاع وإن تفطمه ينفطم

والمجاهدة من الأمور التي تحتاج من الإنسان طاقة ومشقة، لذلك قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40-41].

وإذا أراد إنسان مجاهدة نفسه فلا بد أن يفطمها عن المألوفات، وأن يحملها على غير هواها، كما قال القشيري رحمه الله تعالى.

وجهاد النفس يمرُّ بأربع مراحل كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

الأولى: مجاهدتها على تعلُّم الهدى ودين الحق.

الثانية: مجاهدتها على العمل به -أي بالهدى ودين الحق- بعد عِلمِه.

الثالثة: مجاهدتها على الدعوة إلى الحق.

الرابعة: مجاهدتها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله.

وإذا تأمَّل الإنسان في حياته كلها يجد أنه في مجاهدة مع النفس، وحرب مع الشيطان اللعين، وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم كما روى عن: عَنْ سَبْرَةَ بْنِ أَبِي فَاكِهٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلَامِ؛ فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ؟ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ؟ وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ، فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ، وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ»[1].

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "سبحان الله! في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقبح هامان، وهوى بلعام، وحيل أصحاب السبت، وتمرد الوليد، وجهل أبي جهل. وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب، وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفة الفراش، ونوم الضبع، غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك" والمقصود بالرياضة: مجاهدة النفس.

ولذلك قال سفيان الثورى رحمه الله: "ما عالجت شيئًا أشد عليَّ من نفسي، مرة لي ومرة عليَّ".

وكان العباس الموصلي يخاطب نفسه قائلًا: "يا نفس: لا في الدنيا مع أبناء الملوك تتنعمين، ولا في الآخرة مع العباد تجتهدين، كأني بكِ بين الجنة والنار تحبسين، يا نفس ألا تستحين؟!".

والرسول صلى الله عليه وسلم كان يُعلِّم أصحابه مجاهدة النفس بقوله وبِفعله صلى الله عليه وسلم.

عن أبي هريرة رضي الله أن رسول الله قال: «ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط» (رواه مسلم).

وعَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: «سَلْ» فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: «أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟». قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» (رواه مسلم).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بِالصُّرَعَةِ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (رواه البخاري).

وعن معقل بن يسار رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العبادة في الهرج كهجرة إليَّ» (رواه مسلم).

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تنفطِر قدماه، فقلت: "لم تصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، قال: «أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا»" (رواه البخاري ومسلم).

واعلم أن الذي يُطهِّر النفس كما قال الراغب: "العلم والعبادات الموظفة التى هى سبب الحياة الأخروية، كما أن الذى يُطهِّر به البدن هو الماء الذى هو سبب الحياة الدنيوية، ولذلك سمَّاها: الحياة وسَمَّى ما أنزل الله تعالى في كتابه: الماء فقال: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال من الآية:24]".

فسَمَّى العلم والعبادة حياة من حيث إن النفس متى فقدتهما هلكت هلاك الأبد، كما قال في وصف الماء: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء من الآية:30].

وصلَّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وسلم.

ـــــــــــــــــــــ

[1]- (سنن النسائي، برقم: [3136]، ومسند الإمام أحمد: [25/315]، برقم: [15958]، وصحّحه الألباني، ينظر: السلسلة الصحيحة: [7/180]، [2979]).

 
 
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام