الأيام دُوَلٌ

عائض بن عبد الله القرني

وقولُه صلى الله عليه وسلم لأبي دُجانة، وهو يخطرُ في الصفوفِ متبختراً في أُحًد: «إنها لمشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموطنِ». وأمر أصحابهُ بالرَّمل حَوْلَ البيتِ، ليُظهروا قوتهم للمشركين.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -
  • لا تحزنْ، فإنَّ الأيام دُوَلٌ: سَجَنَ ابنُ الزبير محمد بن الحنفيَّةِ في سجنِ (عارمٍ) بمكة، فقال كُثِّر عزة:


وما رونقُ الدُّنيا بباقٍ لأهلها *** وما شدَّةُ الدُّنيا بضرْبةِ لازِمِ
لهذا وهذا مُدَّةٌ سوف تنقضي *** ويُصبِحُ ما لاقيتُهُ حلم حالكِ

وتأمَّلتُ بعد هذا الحدث بقرونٍ، فإذا ابنُ الزبيرِ وابنُ الحنفية وسِجْنُ عارمِ كحلمِ حالمٍ: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً}.

مات الظالمُ والمظلومُ والحابسُ والمحبوسُ.
كلُّ بطَّاحٍ مِن الناسِ له يومٌ بطوحٌ.

  • هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ: وفي الحديثِ: «لتُؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلهِا حتى يُقاد للشاةِ الجلْحاءِ من القرْناءِ».

مثِّلْ أنفْسِك أيُّها المغرورُ *** يوم القيامةِ والسَّماءُ تمورُ
هذا بلا ذنبٍ يخافُ لِهوْلِهِ *** كيف الذي مرَّتْ عليهِ دُهُوُرُ

  • لا تحزنْ، فيُسرَّ عدوُّك: إنَّ حزنك يُفْرحُ خصمك، ولذلك كان منْ أصولِ الملَّةِ إرغامُ أعدائِها: {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}.
    وقولُه صلى الله عليه وسلم لأبي دُجانة، وهو يخطرُ في الصفوفِ متبختراً في أُحًد: «إنها لمشيةٌ يبغضُها اللهُ إلا في هذا الموطنِ». وأمر أصحابهُ بالرَّمل حَوْلَ البيتِ، ليُظهروا قوتهم للمشركين.
    إنَّ أعداء الحقِّ وخصوم الفضيلةِ سوف يتقطَّعون حسرةً إذا علمُوا بسعاتِنا وفرحِنا وسرورِنا، {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ}، {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}، {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ}.

رُبَّ منْ أنضجتُ يوماً قلْبهُ *** قد تمنَّى لي شراً لم يُطعْ

وقال آخر:

وتجلُّدي للشَّامتين أُريِهمُ *** أنِّي لريْبِ الدَّهرِ لا أتضعْضعُ

وفي الحديثِ: «اللهمّ لا تُشمِتْ بي عدُواً ولا حاسِداً».
وفيه:
«ونعوذُ بك منْ شماتِةِ الأعداءِ».

كُلُّ المصائبِ قد تمُرُّ على الفتى *** وتهونُ غير شماتةِ الأعداءِ

وكانوا يتبسَّمون في الحوادِثِ، ويصبرون للمصائبِ، ويتجلَّدُون للخطوبِ، لإرغامِ أُنُوفِ الشّامِتِين، وإدخالِ الغيْظ في قلوبِ الحاسدين: {فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ}.