تعزَّ بالمنكوبين (4)

عائض بن عبد الله القرني

ومرَّتِ الأيامُ، وإذا ببناتِ ابنِ عبَّادٍ يصِلْنه في السجنِ، حافياتٍ باكياتٍ كسيِفاتٍ جائعاتٍ، فلمَّا رآهنّ بكى عند البابِ.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -

ومرَّتِ الأيامُ، وإذا ببناتِ ابنِ عبَّادٍ يصِلْنه في السجنِ، حافياتٍ باكياتٍ كسيِفاتٍ جائعاتٍ، فلمَّا رآهنّ بكى عند البابِ، وقال:


فيما مضى كُنت بالأعيادِ مسرورا *** فساءك العيدُ في أغمات مأسورا
ترى بناتِك في الأطمارِ جائعةً *** يغزِلْن للناسِ ما يمْلِكْن قطميرا
بَرَزْنَ نحْوك للتَّسليمِ خاشعةً *** أبصارُهُنَّ حسيراتٍ مَكاسِيرا
يطأْن في الطينِ والأقدامُ حافيةٌ *** كأنَّها لم تطأ مِسكاً وكافُورا


ثمَّ دخل الشاعرُ ابنُ اللَّبانةِ على ابنِ عبّادٍ، فقال له:

تَنَشَّقْ رياحين السَّلامِ فإنَّما *** أصُبُّ بها مِسْكاً عليك وحَنْتَما
وقُلْ مجازاً إن عدمت حقيقةً *** بأنك ذو نُعمى فقد كُنت مُنعما
بكاك الحيا والريحُ شقَّتْ جُيُوبها *** عليها وتاه الرَّعدُ باسمِك مُعْلِما

وهي قصيدةٌ بديعة، أوْرَدَها الذهبيُّ ومدحها.
روى الترمذيُّ، عن عطاءٍ، عنْ عائشة – رضي اللهُ عنها وأرضاها – أنَّها مرَّتْ بقبرِ أخيها عبدِالله الذي دُفن فيه بمكة، فسلَّمت عليهِ، وقالتْ: يا عبداللهِ، ما مثلي ومثُلك إلا كما قال مُتمِّمٌ:

وكُنَّا كندْماني جُذيْمَةَ بُرهةً *** من الدهرِ حتى قِيل لنْ يتصدَّعا
وعِشْنا بخيرٍ في الحياةِ وقبلنا *** أصاب المنايا رهط كسرى وتُبَّعا
فلمَّا تفرَّقْنا كأنِّي ومالِكاً *** لطُولِ اجتماعٍ لم نبِتْ ليلةً معا

ثمَّ بكتْ وودَّعتْه.