دواء الغيرة
سهام علي
من أبرز سمات المرأة شعورها الفطري بالغيرة على زوجها من الأخريات، وإن كان الحكيم العليم قد أودعها هذه السمة شأنها شأن غيرها من الغرائز لحماية العلاقة الزوجية من الإصابة بالفتور أو الجفاء، فوجود هذا الشعور بالقدر المعقول هو الذي يجعلها حريصة بإستمرار على جذب زوجها إليها و بذل الجهد من أجل الاستئثار بعواطفه و مشاعره.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
من أبرز سمات المرأة شعورها الفطري بالغيرة على زوجها من الأخريات، وإن كان الحكيم العليم قد أودعها هذه السمة شأنها شأن غيرها من الغرائز لحماية العلاقة الزوجية من الإصابة بالفتور أو الجفاء، فوجود هذا الشعور بالقدر المعقول هو الذي يجعلها حريصة باستمرار على جذب زوجها إليها وبذل الجهد من أجل الاستئثار بعواطفه ومشاعره.
ومن عظمة الإسلام أنه جاء بأحكام شرعية متعددة لحماية المرأة من مرض الغيرة وما تفضي إليه، وبادئ ذي بدء فإن ديننا العظيم هو الذي فرض لباسًا شرعيًا محددًا يخفي زينة الأخريات عن الرجل حتى لا يتطلع لغير زوجته وهو ما شاع تسميته بالحجاب، ومن المقولات الحكيمة واللمحات الفطنة حول اللباس الشرعي قول الشيخ الشعراوي - رحمه الله - أنه يحمي المرأة من الشعور بالغيرة على المدى البعيد وذكر كيف أن المرأة التي تختال بحسنها ونضارتها في شبابها هي أول من يعاني من آثار التبرج في الكبر عندما تعقد المقارانات بينها وبين الشابات الصغيرات.
ولا تفوتنا الإشارة في هذا الموضع إلى أن الرجل الديوث والعياذ بالله الذي يفاخر ويباهي بجمال زوجته أمام الرجال الآخرين سواء بلسان الحال أو المقال هو أول من يزهد فيها، ولا يرغب في صحبتها في المجتمعات عندما تتقدم بها السن لأنها تكون في نظره قد تجاوزت تاريخ الصلاحية كما يقال.
أما الحجاب الذي يكون التهاون فيه أشد خطورة فهو الحجاب المعنوي الذي يتمثل في الاحتشام في القول والفعل وفي كل سلوك، فتأثير الشكل على العين قد يزول بزوال المرئي، أما تأثير السلوك على العقل والقلب فإنه أشد توغلًا في النفس وأطول أمدًا.
وكما أمر الإسلام المرأة بحجب زينتها الحسية والمعنوية عن الآخرين، فإنه في المقابل هو الذي يأمر الزوجة أن تقدم كل ما في وسعها من أجل الاستحواذ على قلب زوجها، وإن جاز التعبير أن تحاصر قلبه وعينيه وجميع حواسه فلا تجعل له ثغرة ينظر من خلالها خارج إطار الزوجية سواء بحسن مظهرها أو جمال خلقها، وسبحان من جعل جمال الخلق أجدى وأنفع وأعظم تأثيرًا، فإن كانت المرأة تملك من جمال الخلقة القليل ومن جمال الخلق الكثير فلسوف ترجح كفتها عند زوجها على كفة أجمل الجميلات.
فلم نسمع برجل تقي هجر زوجة صالحة طيبة المعشر تؤدي ما عليها من واجبات بحثًا عن من هي أجمل، ووصفنا للرجل بالتقوى يعود بنا إلى مبدأ هام آخر وضعه الإسلام لحماية المرأة من الغيرة ومن سواها من مكدرات الحياة ألا وهو حسن اختيار الزوج، فعدم التهاون في التركيز على دين الرجل وخلقه عند الزواج من أهم العوامل التي تضمن للمرأة حياة زوجية مستقرة بعيدًا عن مشكلات الغيرة وغيرها من المشاكل بالطبع.
فالتقوى هي التي تعصم الرجل من التطلع إلى الأخريات وهي التي تمنعه من التفكير في الزواج بأخرى دون حاجة إلى ذلك وخاصة مع ما يسببه ذلك من إيلام نفسي للزوجة.
وإن كان التعدد الذي هو أحد مظاهر مرونة ديننا الحنيف ويسره بل وكماله هو المثير الأول لغيرة المرأة فإن الحكيم الخبير هو الذي وضع له ضابطين أساسيين يقلص لديها هذا الشعور بالغيرة ألا وهما: العدل، والكفاءة بكل ما تحمله الكلمة من معنى بدءًا من القدرة المالية والصحية، إلى المقدرة على تحمل مسؤلية كل ما يثمر هذا التعدد من أبناء في حاجة إلى رعاية وتربية وتوجيه وتعليم وإشراف ومتابعة مما يجعل أي مسلم تقي يفكر مرة ومرات قبل أن يقبل على هذه الخطوة.
ومن الطريف أن الزوجة هي التي تقوم أحيانا بتزويج زوجها بأخرى دون أن تدري، وذلك بسبب التفريط في مبدأ آخر من مبادئ وتعاليم ديننا العظيم، فالزوجة التواقة إلى اتباع النهج الغربي في العلاقات الاجتماعية والذي يبيح الاختلاط بين الرجال والنساء غالبًا ما تكون هي الخاسرة من وراء هذا الوضع، وقد تكون المرأة ملتزمة إسلاميًا ولا وجود لهذه النوعية من العلاقات في حياتها الأسرية ولكنها تقوم بنفس الدور بشكل آخر عندما تتجاهل الهدي النبوي الذي ينهى المرأة عن وصف امرأة أخرى أمام الرجال الأجانب، فمن تفعل ذلك إنما هي تساهم في كشف حجاب تلك المرأة أمام الأخرين وهتك سترها، وهناك من تمتنع عن وصف الأخريات أمام زوجها فحسب غيرةً عليه، وإنما يجب أن تكون غيرتها على الدين أكبر فلا تفعله أمام أخيها وعمها وابنها، ومن لا تتقِّ الله في هذا الأمر فلا تستبعد أن تقوم غيرها بنفس الدور أمام زوجها هي، فكما تدين تدان.
ولازلت أذكر عندما كنت طفلة وكنت أتكلم عن حُسنِ جارتنا المتزوجة أمام أخي الشاب؛ فلما خرج نهتني أمي –رحمها الله – عن تكرار ذلك، فلمّا لم أفهم السبب سألتها عنه فأخبرتني أني سأفهم عندما أكبر فامتثلت.
وبهذا فإن خلاصة ما أراده الشرع لنا هو درأ الفتن على اختلاف أنواعها وبذلك فقط تستطيع المرأة أن تهنأ بحياة زوجية سعيدة ومستقرة. وفقنا الله بهدي ديننا العظيم وأعاننا على حسن تدبر أحكامه والعمل بها.