الإيمان وخرق السنن!
أحمد كمال قاسم
إن من العجيب أن يرتبط ذكر الله عند الكثير من الناس بخرق السنن التي اعتادوها في حياتهم فتراهم حين يرون الشيء العجيب الذي لا يعتادونه يُسبِّحون الله وحين يرون ما يعتادونه من السنن الكونية الثابتة لا يذكرون الله!
- التصنيفات: الإعجاز العلمي - الواقع المعاصر -
إن من العجيب أن يرتبط ذكر الله عند الكثير من الناس بخرق السنن التي اعتادوها في حياتهم فتراهم حين يرون الشيء العجيب الذي لا يعتادونه يُسبِّحون الله وحين يرون ما يعتادونه من السنن الكونية الثابتة لا يذكرون الله!
السنن الكونية:
إن من نعم الله على خلقه أن جعل سننًا ثابتة في هذا الكون تُنظِّم حركة وعمل كل جزء من أجزاء هذا الكون الفسيح العظيم. وترى تلك السنن تتناغم سويًا بشكلٍ معجز لتسير معها حركة الحياة. ولنا في كل جزء من هذه المنظومة العظيمة آيةٌ تُظهِر روعة خلق الله ودقته وعظمته.
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:164].
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:189-191]
ولو اختل أي جزء من هذه المنظومة.. لانهار عالمنا ولما استطاع كائن أن يُقيم حياته ولكن سبحان الحي القيوم فاطر السماوات والأرض.
{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر:41].
حدود دور العلم بالسنن:
مع تطور العلم البشري انتشرت ظاهرة غريبة بين المسلمين وغير المسلمين.. ألا وهي نسب السنن إلى القوانين العلمية الموضوعة من الإنسان ونسيان خالق هذه السنن ومبدعها.. وهذا من الظلم العظيم.
إن القوانين العلمية ما هي إلا ملاحظات لسنن الله في الكون ومحاولات لمعرفة صيغ رياضية أو نماذج لوصف حدوث السنن. فقانون الجاذبية -مثلًا- ما هو إلا نموذج بشري في محاولة وصف تصرُّفات الأجسام. ولكن هذا القانون لا يُحرِّك الأجسام ولا يُفسِّر لماذا تحدث هذه الحركة؛ إنما فقط هو وصف لحركة الأجسام.
مثلًا: نفترض أن مراسلًا قد حضر مباراة كرة قدمٍ بين فريقين وكتب وصفًا تفصيليًا للمباراة والنتيجة. فهل من المعقول أن يقول شخص: أن هذا الوصف الذي كتبه الصحفي هو سبب في نتيجة المباراة!
كذلك حينما ترى كتلة تسقط فليس من المعقول أن تقول أنها تسقط بسبب قانون الجاذبية الذي يصف حركتها.
إنما تحدث الظواهر بقدرة الله وليس بسبب القوانين الطبيعية. وسنن الله الثابتة ثباتًا مَكَّن الإنسان من وصف بعضها رياضيًا إنما هي نعمة من الله على خلقه لكي تقوم حياتهم.
ربط الإيمان بالله وذكر الله بخرق السنن:
إن من العجيب أن ترى كثير من الملحدين اليوم لا يؤمنون بالله بسبب وصف السنن -الظواهر الطبيعية كما يقولون- باستخدام النظريات العلمية. وهم بذلك قد وضعوا العلم في غير موضعه.
إن العلم يصف ما يحدث ولكنه ليس سبب ما يحدث.. وما منعهم عن الإيمان بالله إلا أن سنن الله ثابتة في كونه، وهذا هو عين الغباء والعمى عن حقيقة هذا الكون، وهو في ذات الوقت دليل على الكِبر حين يُعظِّمون العلم الإنساني ويضعونه موضع الخالق لهذا الكون -سبحان الله وتعالى عمَّا يقولون!-..
والغريب أن كثير من المسلمين قد تأثروا بنفس المنطق العجيب! فلا يذكرون الله إلا حين يرون الأحداث الخارقة لِما تعودوا عليه من السنن! فما عاد للشمس تلك الآية العظيمة التي يرونها كل يوم تأثير في قلوبهم لأنها سنة ثابتة. ومنهم من يرى أنها كتلة غازية تُنير الأرض بتفاعلاتها النووية الاندماجية ومنهم من يرى أن العلم قد فسَّر الكثير عن الشمس وحركتها.
أيجب أن تغيب الشمس يومًا ليُسبِّحوا ربهم على هذه الآية العظيمة؟!
أم يجب أن تطلع من المغرب ليتذكَّر هؤلاء القوم ربهم أو يستغفرونه؟!
{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا} [الكهف:55].
يا ربّ السماوات والأرض آياتك تُحيط بنا في كل لحظة سبحانك نستغفرك ونتوب إليك من كل ذنب..
نستغفرك من كل لحظة رأينا فيها آياتك ولم نذكُرك..
نستغفرك من كل لحظة منعنا فيها تعودنا على آياتك أن نذكُرك أو نستغفرك..
يا ربّ إن ثبات سنن الكون هي نعمة عظيمة.. نعوذ بك أن تَعمى عقولنا وتجعل تلك النعمة سببًا في أن ننسى ذِكرك وشُكرك حين نرى آياتك..
والله أعلم.