كيف تقضي الإجازة الصيفية يا طالب (كلية العلوم الإسلامية)
ماهر ياسين الفحل
أخي طالب العلم طالب كلية العلوم الإسلامية، اعلم أن مما يلحق العالم بعد موته، وينتفع به في حياته ثلاثة جوانب، هي استمرارٌ لحياته ومضاعفةٌ لحسناته، وهي داخلةٌ ضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».
- التصنيفات: طلب العلم -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد..
أخي طالب العلم طالب كلية العلوم الإسلامية، اعلم أن مما يلحق العالم بعد موته، وينتفع به في حياته ثلاثة جوانب، هي استمرارٌ لحياته ومضاعفةٌ لحسناته، وهي داخلةٌ ضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: « » (صححه الألباني).
والعلم الشرعي النافع قد يودعه الإنسان في بطون الكتب العلمية النافعة؛ فيستفيد منها الناس في حياته وبعد مماته، وربما تتعاقب عليه الأجيال التالية، ويبقى في ذلك ذكر الإنسان والدعاء، واستمرار أجره.
ومنهم من يودع العلم في صدور تلامذته، ينتفعون بعلمه في حياته وينقلونه إلى الأجيال، فيبقى له أجره إلى ما شاء الله.
وبعضهم يرزقه الله سبحانه وتعالى القدرة على التوفيق إلى تربية تلامذة علماء، وتأليف كتب نافعة محررة؛ فيحصل له النفع الكبير، والخير الوافر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
لكن اعلم أنَّ العلم لا ينال إلا على جسر من التعب والمشقة، ومن لم يتحمل ذل التعلم ساعة تجرع كأس الجهل أبدًا، فتلق العلم عن أهله فمن دخل في العلم وحده خرج وحده.
والعلم والعمل لا مناص من الصبر عليهما والصابر موعود بالجنان قال تعالى {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24]. ولا ينال العلم إلا بالصبر على المكاره وبذل النفس في طلبه والتفاني فيه، وبالنظر إلى عواقب الأمور يهون الصبر عن كل ما تشتهي وما تكره.
واحذر العوائق والآفات من مواصلة سير الطلب، فالحفظ والمدارسة لا تحمدان بحضرة الشواغل والصوارف وفي الملهيات الحضارية المحظورة والمحطات الفضائحية إشغالٌ للأفكار، وعيشٌ في الأوهام وهدرٌ للأوقات، وفي مجانبتها صيانةُ الدين وصفاءُ الأذهان وحفظُ الأزمان ومسابقةُ الأقران؛ فنـزه سمعك وبصرك عما يلوث فكرك، ويسيء إلى سلوكك، ويفسد أخلاقياتك فتنبذ العلم ثم تعيش في الحضيض.
وعليك أخي طالب العلم بالصديق الصالح فالصديق قرينٌ ثانٍ فإنْ كان صالحًا فقد أعان، وإنْ كانت الأخرى فقد أفسد؛ فجانب جليس السوء فهو يفتُ عضد الطموح.
واستحضر فضل العلم والتعليم في إحياء الشريعة وحفظ معالم الملة.
واعلم أنَّ تحصين الطلاب بعلوم الشريعة مطلبٌ شرعيٌّ ولو كانت وجهتهم في التعليم إلى غير العلوم الدينية، فالعلوم الشرعية تضفي على المتعلم طمأنينةً وسعادةً وراحةً في سني التعليم يقول عز وجل يقول عز وجل: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:من الآية28]. ويقبح بالمرء إلمامه بالعلوم الطبيعية وجهله بمسلمات الشريعة وتزداد حاجته إلى علوم الدين مع مصارعته للفتن وتلاطم أمواج الإحن، والمسلم متميزٌ في علومه وسعة أفقه مؤيدٌ بنور الإيمان يربط الدنيا بالآخرة وما في الكون بوحدانية الله.
واحذر أخي طالب العلم سفاسف الأخلاق فآفة العلم الإعجاب والغضب وحليته الحلم والتواضع، والسعيد من عرف الطريق إلى ربه، وسلكها قاصدًا الوصول إليه، وهذا هو الكريم على ربه، والمحروم من عرف طريقًا إليه ثم أعرض عنها.وجماع الخير أنْ تستعين بالله في تلقي العلم الموروث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
والعلم النافع هو أصل الهدى، والعمل بالحق هو الرشاد، والضلال العمل بغير علم والغي إتباع الهوى، ولا ينال الهدى إلا بالعلم ولا ينال الرشاد إلا بالصبر، وأصل السيئات الجهل، وعدم العلم والكسل عن الفضائل بئس الرفيق؛ فتهيأ إلى أسباب العلم بتنقية النفس من العجز وإتباع الهوى.والتواضع للعلماء إكرام للنفس من الإهانة.واندم على مضى من التفريط واجتهد في اللحاق بأهل الفضل والعزائم مادام في الوقت سعة وفي العمر فسحة.
فإذا تقدم هذا فلنبدأ بوضع منهج علمي متكامل للإجازة الصيفية حتى يستغل الوقت بأهم ما يكون؛ لأن الوقت مهمٌ على طالب العلم؛ فهو رأس ماله، ولأن الوقت زمن تحصيل الأعمال والأرباح، بل هو الحياة كلها، وقد أقسم الله بأجزائه بالليل والنهار والفجر والضحى والعصر والشفق.
فأقول إذن: لا بد من سماع الشريط الإسلامي والاهتمام به فهو من أعظم الطرق الموصلة للعلم، وليكن لك مكتبة صوتية مهمة للعلوم الشرعية، واحرص على دروس الشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله السعد والشيخ عبد الكريم الخضير، مع الحرص على سماع أشرطة الدعاة المبرزين مثل الشيخ عائض القرني والشيخ علي القرني والشيخ إبراهيم الدويش.
ولا بد لطالب العلم من مخـزون حفظي فيفضل حفظ بعض المتون المهمة، مثل الأربعين النووية وبلوغ المرام ورياض الصالحين والعقيدة الطحاوية.
وليكن أول همك حفظ كتاب الله، أما كيف تحفظ القرآن الكريم:
1.أخلص قصدك في حفظه لوجه ربك تبارك وتعالى.
2.قلل المحفوظ يوميًا.
3.راجع في آخر النهار كل يوم.
4.ليكن لك زميل يسمّع لك وتُسمّع له.
5.استمع لشريط القرآن المسجل كثيرًا، أو لقناة المجد للقرآن.
6.صلِّ بما تحفظ من الفرائض والنوافل وتهجد به من الليل.
7.إقرأ تفسير الآيات المحفوظة ليساعدك على الحفظ.
واعلم أن عبادة طالب العلم الذكر؛ إذ إن من أعظم النوافل لطالب العلم ذكر الله عز وجل دائمًا قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه؛ لأن طالب العلم كثير التنقل ربما شُغل عن نوافل الصلاة والصيام فالله الله في الذكر في كل طرفة ولمحة؛ فإنه أعظم لك على طاعة الله تعالى وكاف لك عن المعاصي، وهو من أعظم السبل لتثبيت العلم.
ولابد لك أن تقرأ في هذه الإجازة الصيفية كتابًا كاملًا في كل فن:
* فالتفسير عليك بكتاب تيسير الكريم الرحمن.
* والعقيدة عليك بشرح العقيدة الطحاوية.
* والمتون النبوية عليك برياض الصالحين وبلوغ المرام، ولا تغفلن عن جامع العلوم والحكم.
* والفقه عليك بكتاب الملخص الفقهي، أو الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز.
* والأصول عليك بكتاب شرح الأصول في علم الأصول أو الوجيز.
* والنحو عليك بشرح الآجرومية وشرح قطر الندى.
* والسيرة عليك بالرحيق المختوم.
* والمصطلح عليك بإختصار علوم الحديث.
* وغيرها من الكتب النافعة الماتعة مثل كتاب زاد المعاد، وكتب الموضوعات وكتب الحديث المتنوعة، مع متابعة قناة المجد للحديث ومتابعة كتب الفتاوى المعتمدة وبرنامج الجواب الكافي.
* ولا بد من تدريب النفس على الدعوة والإلقاء.
وأختم كلامي بنصائح من مقدمتي لرياض الصالحين: وأنا أنصح كل مسلم بالاهتمام بهذا الكتاب العظيم كتاب رياض الصالحين، وأنصح بمداومة قراءته مرة بعد مرة، والاهتمام بحفظ أحاديثه، وعلى صاحب العائلة أنْ يفقّه عائلته بهذا الكتاب. وكذا أنصح كل مسلم بالاهتمام بتوحيد الله فَإنَّ التَّوحيدَ حقيقتُهُ: أَنْ تَرى الأُمورَ كُلَّها مِنَ اللهِ تَعالى رؤيةً تقطعُ الالتفاتَ عن الأسبابِ والوسائطِ، فلا ترى الخيرَ والشَّرَّ إلاَّ منه تعالى.وهذا المقامُ يُثمرُ التوكُّلَ، وتركَ شِكايةِ الخلقِ، وتركَ لومِهِم، والرِّضا عن اللهِ تعالى، والتّسليمَ لحكمِه.
وإِذا عرفتَ ذلكَ؛ فاعلمْ أَنَّ الرُّبوبيَّةَ منه تعالى لعبادِهِ، والتَّألُّه من عبادِه له سبحانه، كما أَنَّ الرحمةَ هي الوصلةُ بينهم وبينَهُ عز وجل.
واعلَم أَنَّ أَنْفسَ الأَعمالِ، وأَجلَّها قدرًا: توحيدُ اللهِ تعالى غَير أَنَّ التوحيدَ له قِشران:
الأوَّل: أَنْ تقولَ بِلِسَانِك: "لا إله إلاَّ اللهُ" ويُسمَّى هذا القولُ: توحيدًا، وهو مناقضُ التَّثْليثِ الذي تعتقدُه النَّصارى.
وهذا التوحيدُ يصدُرُ –أَيضًا– من المنافقِ الَّذي يُخالفُ سرُّه جهرَه.
والقِشْرُ الثَّاني: أَنْ لا تكونَ في القلبِ مخالفةٌ، ولا إِنكارٌ لمفهومِ هذا القولِ، بل يشتملُ القلبُ على اعتقادِ ذلك، والتصديق به، وهذا هو توحيدُ عامةِ النَّاسِ.
ولُبابُ التَّوحيد: أَنْ يَرى الأُمورَ كُلَّها من اللهِ تعالى، ثم يقطعُ الالتفاتَ عن الوسائطِ، وأَنْ يعبدَه سبحانه عبادةً يفردُه بها ولا يعبد غيرَه.
أخي قارئ هذا الكتاب، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. فأنت أيها المسلم الغيور تتميز عن غيرك من الناس بسمات الشرف والكرامة والغيرةِ على نفسك وعلى إخوتك المسلمين، فاحرص كل الحرص على أنْ لا تفوتك فرصة كسب الثواب من الله بنشر ما يرضيه سبحانه، واعلم أخي الكريم: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُول} [الإسراء:36].
أخي الكريم: إنَّ رحمة الله لا تنال بالأماني ولا بالأنساب ولا بالوظائف ولا بالأموال، إنما تنال بطاعة الله ورسوله واتباع شريعته وذلك يكون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلنحذر جميعًا كل ما يغضب الله ولنمض إلى الله قدمًا بلا تردد بتوبة صادقة قبل فوات الأوان {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63]، واعلم أنَّ الله خلق لكل إنسان أنفاسًا معدودة وساعات محدودة، عند انقضائها تقف دقات قلبه، ويطوى سجله، ويحال بينه وبين هذه الدار، إما إلى دار أنس وبهجة، وإما إلى دار شقاء ووحشة..
فمن زرع كلمات طيبة وأعمالًا صالحة أدخله الله الجنة ونعّمه بالنعيم المقيم، ومن زرع أعمالًا سيئة وكلمات قبيحة دخل النار، قال تعالى: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف:29] وتذكّر قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7،8] فكل ما تعمله في هذه الدنيا الفانية تنال جزاءه إن خيرًا فخير وإن شرًا فشرٌ، وتذكّر دائمًا أنَّ الحياة نفس يذهب ولا يرجع، ولا ينفع الندم بعدها فاعمل لنفسك ولا تقدّم ما يفنى على ما يبقى.
أخي الكريم: إنَّ أجمل سعادة وأعظم لذة يجدها الإنسان في هذه الحياة الفانية هي طاعة الله ومحبته والقرب إليه وكثرة الدعاء وقد صرّح تائبون كثيرون بأنّهم وجدوا أعظم متعة تمتعوها هي القرب إلى الله تعالى وحسن الظن به وكثرة مراقبته، وأكثِرْ من الدعاء والذكر والاستغفار فلك في كل تسبيحة عشر حسنات، حاولْ أنْ لا تجعل وقتك يذهب سدى، أكثرْ من قراءة القرآن فلك في كل حرف عشر حسنات، اقرأْ كتب العلم والأحاديث النبوية، فَقِّه نفسك بأمور دينك، عليك بكثرة التطوع والإكثار من صلاة النافلة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح مسلم).كُنْ داعيًا إلى الله تعالى، كُنْ آمرًا للناس بالمعروف وناهيًا لهم عن المنكر، قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33].
إياك وأعراض الناس لا تذكر أحدًا بسوء، ولا تغتب أحدًا، ولا تؤذي أحدًا، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «
« » (صحيح مسلم)، وهذا نبينا الكريم قد حذرنا من احتقار المسلمين فقال: « » (صحيح مسلم) فإذا كان استحقاره عظيمًا عند الله فكيف بإنزال الضُّرِّ به.
كُنْ رقيبًا على نفسك ولسانك فكل كلام تنطقه تحاسب عليه إنْ كان خيرًا فخيرٌ وإنْ كان شرًا فشرٌ، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُول} [الإسراء:36]. حافظ على جوارحك فلا تفعل محرّمًا. ولا تنظر إلى صغر المعصية وتحسب الأمر هينًا، ولكن انظر إلى من تعصي، الزم هذا الدعاء: « » (ضعفه الألباني).
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين