مَسارِحُ النَّظر في الملكوت

عائض بن عبد الله القرني

يقول أحدُ الفلاسفةِ ممنْ أسلموا: كنتُ إذا شككْتُ في القُدرةِ، نظرتُ إلى كتابِ الكونِ، لأُطالع فيه أحْرُفَ الإعجازِ والإبداعِ، فأزدادُ إيماناً.

  • التصنيفات: الزهد والرقائق -
  • مَسارِحُ النَّظر في الملكوت: منْ طُرُقِ الارتياحِ وبسْطِة الخاطرِ، التَّطلُّعُ إلى آثارِ القُدرةِ في بديعِ السماواتِ والأرضِ، فتستلذّ بالبهجة العامرةِ في خلقِ الباري – جلَّ في عُلاهُ – في الزهرة، في الشجرةِ، في الجدولِ، في الخميلةِ، في التلِّ والجبل، في الأرضِ والسماءِ، في الليلِ والنهارِ، في الشمسِ والقمرِ، فتجدُ المتعة والأُنس، وتزدادُ إيماناً وتسليماً وانقياداً لهذا الخالقِ العظيمِ {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.

    يقول أحدُ الفلاسفةِ ممنْ أسلموا: كنتُ إذا شككْتُ في القُدرةِ، نظرتُ إلى كتابِ الكونِ، لأُطالع فيه أحْرُفَ الإعجازِ والإبداعِ، فأزدادُ إيماناً.
     
  • خُطوات مدروسة: يقولُ الشوكانيُّ: أوصاني بعضُ العلماءِ فقال: لا تنقطعِ عن التأليف ولو أنْ تكتُب في اليومِ سطرين. قال: فأخذتُ بوصيَّتِه، فوجدتُ ثمرتها.
    وهذا معنى الحديث: «خيرُ العملِ ما داوم عليه صاحبُه وإنْ قلَّ».
    وقال: «القطرةُ مع القطرةِ تجتمعُ سيلاً عظيماً».

أما تَرَى الحبلَ بطُولِ المدى *** على صليبِ الصَّخْر قدْ أثَّرا

وإنما يأتينا الاضطرابُ منْ أننا نريدُ أن نفعل كلَّ شيءٍ مرَّةً واحدةً، فنَمَلُّ ونتعبُ ونترُكُ العمل، ولو أننا أخذْنا عَمَلنا شيئاً فشيئاً، ووزَّعْناه على مراحل، لقطعْنا المراحل في هدوءٍ، واعتبِرْ بالصلاةِ، فإنَّ الشَّرْع جَعَلَها في خمسةِ أوقاتٍ متفرِّقةٍ، ليكون العبدُ في استجمامٍ وراحةٍ، ويأتي لها بالأشواق، ولو جُمعتْ في وقتٍ، لملَّ العبد، وفي الحديثِ: «إن المُنْبتَّ لا ظهْراً أبْقى ولا أرضاً قطع». ووُجِد بالتَّربةِ، أنَّ منْ يأخذُ العَمَلَ على فتراتٍ، يُنجزُ ما لم يُنجزْهُ منْ أخذهُ دفعةً واحدةً، مع بقاءِ جذوةِ الرُّوحِ وتوقُّدِ العاطفةِ.

ومما استفدتُه عنْ بعض العلماءِ، أنَّ الصلوات ترتِّبُ الأوقاتِ، أخذاً منْ قولِ الباري: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً}.

فلو أنَّ العبد وزَّع أعمالهُ الدينية والدُّنيوية بعد كلِّ صلاةٍ، لوجد سعةً في الوقت، وفسحةً في الزمنِ.
وأنا أضربُ لك مَثَلاَ: فلو أن طالب العِلْم، جعل ما بعد الفجرِ للحفْظِ في أيّ فنٍّ شاء، وجعل بعد الظُّهر للقراءةِ السهْلةِ في المجامع العامَّة، وجعل بعد العصر للبحثِ العلميِّ الدقيقِ، وما بعد المغربِ للزِّيارةِ والأُنسِ، وما بعد العشاءِ لقراءة الكُتُبِ العصريَّةِ والبحوثِ والدوريَّاتِ والجلوس مع الأهل، لكان هذا حسناً، والعاقِل له مِنْ بصيرتِه مَدَدٌ ونورٌ. {إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}.