حبُّ الانتقامِ
عائض بن عبد الله القرني
إن هذه النفوس المتلمِّظة على خصومِها المضطرمةَ على أعدائِها لن تهدأ أبداً ولن تسعد، لأن نار الانتقامِ وبركان التشفِّي يدمِّرُهم قبل خصومِهِمْ.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
- حبُّ الانتقامِ سُمُّ زُعاف في النفوسِ الهائجةِ: في كتاب "المصلوبون في التاريخ" قصصٌ وحكاياتٌ لبعضِ أهل البطشِ الذين أنزلوا بخصومهم أشدَّ العقوباتِ وأقسى المُثلات، ثم لما قتلوهم ما شفى لهم القتلُ غليلاً، ولا أبرد لهم عليلاً، حتى صلبوهُم على الخُشُب، والعَجَبُ أن المصلوب بعد قتلِهِ لا يتألَّم ولا يُحِسُّ ولا يتعذبُ، لأن روحه فارقتْ جسمه، ولكن الحيَّ القاتل يأنسُ ويرتاحُ، ويُسرُّ بزيادةِ التنكيلِ.
إن هذه النفوس المتلمِّظة على خصومِها المضطرمةَ على أعدائِها لن تهدأ أبداً ولن تسعد، لأن نار الانتقامِ وبركان التشفِّي يدمِّرُهم قبل خصومِهِمْ.
وأعجبُ من هذا أن بعض خلفاءِ بني العباس فاته أن يقتل خصومه من بني أمية، لأنهم ماتُوا قبل أن يتولَّى، فأخرجهم من قبورهم وبعضُهم رميمٌ فجلدهم، ثم صلبهم، ثم أحرقهم. إنها ثورةُ الحقدِ العارمِ الذي يُنهي على المسرَّاتِ وعلى مباهجِ النفسِ واستقرارِها.
إن الضرر على المنتقمِ أعظمُ، لأنه فَقَدَ أعصابَه وراحته وهدوءهُ وطمأنينته.
لا يبلغُ الأعداءُ من جاهلٍ *** ما يبلغُ الجاهلُ مِنْ نَفْسِهِ
{وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ}.
- وقفةٌ: ليس للعبدِ إذا بُغِي عليه وأُوذي وتسلَّط عليه خصومُه، شيء أنفعُ له من التوبةِ النصوحِ، وعلامةُ سعادتِه أن يعكس فكره ونظره على نفسِه وذنوبِه وعيوبِه، فيشتغل بها وبإصلاحها، وبالتوبةِ منها، فلا يبقى فيه فراغٌ لتدبُّر ما نَزَل به، بل يتولَّى هو التوبة وإصلاح عيوبه، واللهُ يتولى نُصرته وحفظه والدفع عنه ولابدَّ، فما أسعدهُ من عبدٍ، وما أبركها من نازلةٍ نزلتْ به، وما أحسن أثرها عليه، ولكن التوفيق والرشد بيدِ اللهِ، لا مانعٍ لما أعطى ولا مُعطي لما منع، فما كلُّ أحدٍ يُوفَّق لهذا، لا معرفةً به، ولا إرادةً له، ولا قدرةً عليه، ولا حول ولا قوة إلا باللهِ.
سبحان منْ يعفو ونهفو دائماً *** ولم يزلْ مهما هفا العبدُ عفا
يُعطي الذي يخطي ولا يمنعُه *** جلالُه عن العطا لذي الخطا