(17) الربُّ جلَّ جلاله

هاني حلمي عبد الحميد

اسْمُ (الرَّبِّ) من الأسماء الجميلة التي تُشعِر العبد بالأمان والطمأنينة والسكينة.. فالله سبحانه هوَ ربُّ كلِّ شيءٍ وخالقُهُ، والقادرُ عليهِ

  • التصنيفات: الأسماء والصفات -

الربُّ جلَّ جلاله

اسْمُ (الرَّبِّ) من الأسماء الجميلة التي تُشعِر العبد بالأمان والطمأنينة والسكينة.. فالله سبحانه هوَ ربُّ كلِّ شيءٍ وخالقُهُ، والقادرُ عليهِ، لا يَخْرُجُ شيءٌ عنْ رُبُوبِيَّتِهِ، وكلُّ مَنْ في السَّمَاواتِ والأرضِ عَبْدٌ لهُ في قَبْضَتِهِ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ.. وهوَ الذي يُرَبِّي عَبْدَهُ، فَيُعْطِيهِ خَلْقَهُ، ثُمَّ يَهْدِيهِ إلى مَصَالِحِهِ، فلا خالق إلا هو، ولا مُدبِّر لأمركَ سواه، ولا رازق لك إلا هو.

 

المعنى اللغوي:

يرد اسم الربُّ على عدة معاني لغوية، منها:

1) الإصلاح: قال الزجاجي: الربُّ: المصلح للشيء، يقال: رَبَبتُ الشيء أرُبُه رَبًا وربابة، إذا أصلحته وقمت عليه.

2) المالك: ربُّ الشيء مالكه. ومصدر الربُّ: الربوبية، وكل من ملك شيئًا فهو ربُّه، يقال: هذا ربُّ الدار وربُّ الضيعة، ولا يقال: (الربُّ) معرفًا بالألف واللام مطلقًا، إلا لله؛ لأنه مالك كل شيء.

3) العبد الربَّاني: وقال الجوهري: "الربَّاني: المُتَألِّهُ العارف بالله تعالى"؛ أي العبد الذليل الخاضع المُحب لله تعالى، العارف بالله؛ فمن عَرِفَ الله أحبه وذلَّ بين يديه وعظمَّه حقَّ التعظيم.

4) سياسة الشيء وتدبير الأمر: قال ابن الأنباري: "الرَّبُّ ينقسم على ثلاثة أقسام: يكون الربُّ المالك، ويكون الربُّ السيد المطاع، ويكون الربُّ المُصلِح".

5) المُربِّي: وقال الراغب: "الربُّ في الأصل التربية، وهو إنشاءُ الشيءِ حالاً فحالاً إلى حد التمام".

 

ورود الاسم في القرآن الكريم:

ثبت الاسم في القرآن والسنة، فقد سمى الله  نفسه بالربِّ على سبيل الإطلاق والإضافة، وكذلك سماه به رسوله؛ فالإطلاق الذي يفيد المدح والثناء على الله بنفسه فكما ورد في قوله: {سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:58]، وكقوله: {بَلدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور} [سبأ:15].

 

وفي السنة ما رواه مسلم من حديث ابن عباس : أن رَسُول اللهِ قال: «أَلاَ وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ» (أي: فأولى) «أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» (رواه مسلم). وَعَن عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ : أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ في جَوْفِ الليْلِ الآخِرِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ» (رواه الترمذي وصححه الألباني).

 

معنى الاسم في حق الله تعالى:

الربُّ سبحانه هو المتكفل بخلق الموجودات وإنشائها والقائم علي هدايتها وإصلاحها، وهو الذي نظَّم معيشتها ودبَّر أمرها. يقول الله جلَّ وعلا: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلى العَرْشِ يُغْشِي الليْل النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لهُ الخَلقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالمِينَ} [الأعراف:54]؛ فالربُّ سبحانه هو المتكفل بالخلائق أجمعين إيجادًا وإمدادًا ورعايةً وقيامًا على كل نفس بما كسبت، قال تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلى كُل نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد:33].

 

وحقيقة معنى الربوبية في القرآن تقوم على ركنين اثنين وردا في آيات كثيرة:

الركن الأول: إفراد الله بالخلق، والثاني: إفراده بالأمر وتدبير ما خلق، كما قال تعالى عن موسى وهو يبين حقيقة الربوبية لفرعون لما سأله {قَال فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى . قَال رَبُّنَا الذِي أَعْطَى كُل شَيْءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 49، 50]، فأجاب عن الربوبية بحصر معانيها في معنيين جامعين، الأول إفراد الله بتخليق الأشياء وتكوينها وإنشائها من العدم حيث أعطى كل شيء خلقه وكمال وجوده، والثاني إفراد الله بتدبير الأمر في خلقه كهدايتهم والقيام على شؤونهم وتصريف أحوالهم والعناية بهم، فهو سبحانه الذي توكل بالخلائق أجمعين قال تعالى: {اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُل شَيْءٍ وَكِيل} [الزمر:63].

 

قال السعدي: "الربُّ: هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم. وأخص من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم. ولهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم الجليل، لأنهم يطلبون منه هذه التربية الخاصة" (تيسير الكريم الرحمن: [1:945]).

 

حظ المؤمن من اسم الله تعالى الربِّ:

1) أن يكتسي العبد بثوب العبودية، ويخلع عن نفسه رداء الربوبية؛ لعلمه أن المنفرد بها من له علو الشأن والقهر والفوقية، فيثبت لله أوصاف العظمة والكبرياء، ولا ينازع ربُّ العالمين في كمال شريعته أو يتخلف عن درب النبي وسنته.

 

2) أن يتقي العبد ربَّه فيمن ولاه عليهم؛ فعن عبد الله بن جعفر قال: أن رَسُول اللهِ دَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟»، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «أَفَلاَ تَتَّقِى اللهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ التِي مَلكَكَ اللهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَى إِلَىَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» (رواه أبو داوود وصححه الألباني). وألا يصف نفسه بأنه ربُّ كذا تواضعًا لربِّه وتوحيدًا لله في اسمه ووصفه، وإن جاز أن يصفه غيره بذلك.. فقد ورد عن أَبِى هريرة : أن رسول قال: «لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي، وَلاَ يَقُولَنَّ الْمَمْلُوكُ: رَبِّى وَرَبَّتِي، وَلْيَقُلِ الْمَالِكُ: فَتَايَ وَفَتَاتِي وَلْيَقُلِ الْمَمْلُوكُ: سَيِّدِي وَسَيِّدَتِي، فَإِنَّكُمُ الْمَمْلُوكُونَ وَالرَّبُّ اللهُ» (رواه أبو داوود وصححه الألباني).

 

3) الرضا بالله ربًّا: ومن كانت هذه صفته ذاق طعم الإيمان وحلاوته، قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» (صحيح مسلم).

 

4) أن يسعى العبد في تربية وإصلاح نفسه: فمن كل حينٍ لآخر عليه أن يبحث عن آفات نفسه وعيوبها، ويسعى في علاجها وتهذيب نفسه.. وقواعد إصلاح النفس وتهذيبها، هي:

 

القاعدة الأولى: الاستعانة بالله تعالى على تلك المهمة الصعبة القاسية، ويعلم إنه لن يُهذَّب إلا إذا شاء الله له ذلك.

القاعدة الثانية: الصدق والإخلاص في طلب التغيير؛ فلن يتغيَّر إلا إذا كان صادقًا مخلصًا، وإذا صدق بُشِّر.

القاعدة الثالثة: معرفة عيب النفس، ومن عرف نفسه، عرف ربَّه، فعليه أن يُبصَّر بعيوبه، من خلال أمرين: الأول نقد الناقد ونصيحة الناصح، وأن يُبصِّر الإنسان نفسه بعيوب نفسه، قال تعالى: {بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14، 15].

القاعدة الرابعة: الشروع في إصلاح عيوب نفسه على علم وبصيرة، بالعلاج الذي يناسب آفاته وعيوبه.

 

5) التدرُّج والمنهجية في التعامل مع النفس: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ "{كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران:79].. الرَّبَّانِيُّ: الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ" (صحيح البخاري). فعليك أن تتدرَّج في معاملتك لنفسك، فتبدأ معها بالأمور اليسيرة إلى أن تصل إلى الأصعب فالأصعب.. ويتضح ذلك في طريقك لطلب العلم، فينبغي أن تبدأ بتعلُّم الأمور الأساسية التي تُقيم بها دينك وتدرَّج بعدها حتى تصل إلى المسائل الصعبة.. أما إذا بدأت بصعاب الأمور، فلن تتمكن من إكمال الطريق وستتعثر لا محالة؛ قال رسول الله: «إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق» (رواه أحمد وحسنه الألباني، صحيح الجامع:2246). فَإِنَّ الْمُنْبَتّ لَا أَرْضًا قَطَعَ وَلَا ظَهْرًا أَبْقَى.

 

كيف ندعو الله تعالى باسمه الربُّ؟

ورد الدعاء بالاسم المقيد في نصوص كثيرة، كقوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّل مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ العَليم} [البقرة:127].

وأيضًا ما جاء في قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِل عَليْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلتَهُ عَلى الذِينَ مِنْ قَبْلنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلنَا مَا لا طَاقَةَ لنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلى القَوْمِ الكَافِرِينَ} [البقرة:286].

وقوله سبحانه: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً} [الإسراء:80]، وقوله: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10].

 

وعن شدّاد بن أوسٍ : أن النبي قال: «سيِّد الاستغفار: اللهم أنتَ ربي لا إلهَ إلا أنت خلقتَني وأنا عبدُك، وأنا على عهدِكَ ووعدِك ما استَطعت أبُوءُ لك بنعمتك، وأبوءُ لك بذنبي فاغفِرْ لي؛ فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، أعوذُ بك من شرِّ ما صنعت، إذا قال حينَ يُمسي فمات؛ دخل الجنَّة، أو كان من أهل الجنة، وإذا قال حِينَ يُصبح فمات من يومِه دخل الجنَّة» (صحيح البخاري).

المصدر: موقع الكلم الطيب