اثبتْ أُحُـدُ
عائض بن عبد الله القرني
إقدامٌ كإقدام السيل، ومضاءٌ كمضاءِ السيفِ، وتصميمٌ كتصميمِ الدهرِ، وانطلاقٌ كانطلاقِ الفجرِ، {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ}.
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
إنَّ منْ طبيعِة المؤمنِ: الثبات والتصميم والجزم والعزم، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا}، أما أولئك: {فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ}، وفي قرارِهم يضطربون، وعلى أدبارِهم ينكصون، ولعهودِهم ينقضون.
إن عليك أيُّها العبدُ إذا لمع بارقُ الصوابِ، وظهر لك غالبُ الظنِّ، وترجَّح لديك النفعُ، أن تُقدِم بلا التواءٍ ولا تأخُّرٍ.
اطَّرحْ ليتاً وسوفاً ولعلْ *** وامضِ كالسيف على كفِّ البطلْ
لقد تردَّدَ رجلٌ في طلاق زوجته التي أذاقْته الأمرَّيْن، وذهب إلى حكيمٍ يشتكيه، قال: كم لك من سنة مع هذه الزوجةِ؟ قال: أربع سنواتٍ. قال: أربع سنواتٍ وأنت تحتسي السُّمَّ ؟!
صحيحٌ أن هناك صبراً وتحمُّلاً وانتظاراً، لكن إلى متى؟ إن الفطِن يعلمُ أن هذا الأمرين يتمُّ أو لا يتمُّ، يصلحُ أو لا يصلحُ، يستمرُّ أو لا يستر، فْليتخذْ قراراً.
- والشاعرُ يقولُ:
وعلاجُ ما لا تشْتهِيــهِ *** النفسُ تعجلُ الفراقِ
والذي يظهرُ من السِّيرِ واستقراءِ أحوالِ الناسِ، أن الإرباك والحيرة يأتيهم في مواقف كثيرةٍ، لكن غالب ما يأتيهم في أربعِ مسائل:
الأولى: في الدراسةِ واختيارِ التخصُّصِ، فهو لا يدري أيَّ قسم يسلكُه، فيبقى في ذلك فترةً. وعرفتُ طُلاَّباً ضيَّعُوا سنواتٍ بسبب تردُّدِهم في الأقسامِ، وفي الكلياتِ، فيبقى بعضهم متردداً قبل التسجيل، حتى يفوته التسجيلُ، وبعضُهم يدخلُ في قسمٍ سنةً أو سنتين، فيرتضي الشريعة ثم يرى الاقتصاد، ثم يعودُ إلى الطبِّ، فيذهبُ عمرُ شَذَرَ مَذَرَ.
ولو أنه درس أمره وشاور واستخار الله في أولِ أمرِهِ، ثم ذهب لا يلوي على شيء، لأحرز عمره وصان وقته، ونال ما أراد من هذا التخصُّصِ.
الثانية: العملُ المناسبُ، فبعضهم لا يعرفُ ما هو العمل الذي يناسبُه، فمرةً يعتنقُ وظيفةً، ثم يتركُها ليذهب إلى شركةٍ، ثم يهجرُ الشركة إلى عمل تجاري بحتٍ، ثم يحصلُ على العدمِ والإفلاسِ والفقرِ ثم يلزمُ بيته مع صفوفِ العاطلين.
وأقولُ لهؤلاءِ: من فُتح له بابُ رزقٍ فلْيلزمْهُ، فإنَّ رزقه منْ هذا المكانِ، ومنْ لزم باباً أُوتي سهولته وفَتْحه وحكمته.
الثالثة: الزواجُ، وأكثرُ ما يأتي الشباب الحيرةُ والاضطرابُ في مسألةِ اختيارِ الزوجةِ، وقد يدخلُ رأي الآخرين في الاختيارِ، فالوالدُ يرى لولدهِ امرأةً غير التي يراها الابنُ أو التي تراها الأمُّ، فربما وافق الابنُ رغبة والدِه، فيحصلُ ما لا يريدُه، وما يحبَّه، وما لا يقدمُه.
ونصيحتي لهؤلاءِ أن لا يُقدمُوا في مسألة الزواجِ بالخصوصِ إلا على ما يرتاحون إليه في جانبِ الدين والحُسْنِ والموافقةِ، لأن المسألة مسألةُ مصيرِ امرأةٍ لا مكان للمجازفةِ بها.
الرابعة: تأتي الحيرةُ والاضطرابُ في مسألةِ الطلاقِ، فيوماً يرى الفراق ويوماً يرى المعايشة ويوماً يرى أن يُنهي المعايشة، وآخر يرى أن يقطع الحبْل، فيصيبه من الإعياء، وحُمَّى الروحِ، وفسادِ الرأي، وتشتُّتِ الأمرِ، ما اللهُ به عليمٌ.
إن على العبدِ أن يُنهي هذه الضوائق النفسية بقرارِه الصارمِ، إن العمر واحدٌ، وإن اليوم لن يتكرَّر، وإن الساعة لن تعود، فعليه أن يعيشها سعادةً يشارك فيها بنفسِه، يشاركُ بنفسِه في استجلابِ هذه السعادةِ، وتأتي هذه السعادةُ باتخاذِ القرارِ.
إن العبد المسلم إذا همَّ وعزم وتوكل على اللهِ بعد أن يستخير ويُشاوِر، صار كما قال الأول:
إذا همَّ ألقى بين همَّيْه عينهُ *** وأعرض عن ذكْرِ العواقبِ جانبا
إقدامٌ كإقدام السيل، ومضاءٌ كمضاءِ السيفِ، وتصميمٌ كتصميمِ الدهرِ، وانطلاقٌ كانطلاقِ الفجرِ، {فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ}.