(6) نُصرة المظلومين

علي بن عبد الخالق القرني

«من أُذِلَّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادرٌ على أن يَنصره أذلَّه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة»..

  • التصنيفات: الزهد والرقائق - تزكية النفس -

حقيقة الكلمة نصرة ونجدة المظلومين:

وإنصافهم عند القدرة من الظالمين، ومن نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الآخرة، وليس من شأن المسلم المُتقي الله حقًا أن يدع أخاه فريسة في يدِّ من يظلمه أو يُذَّله وهو قادر على أن ينصره.

«من أُذِلَّ عنده مؤمن فلم ينصره وهو قادرٌ على أن يَنصره أذلَّه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة».

ثبت عند ابن ماجة في سننه عن جابر قال: "لما رجعت مهاجرة البحر مهاجر الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَلاَ تُحَدِّثُونِى بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ». قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِىَّ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِى وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِى وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ»" بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم.

إن من الضعفاء من لو أقسم على الله لأبرَّه، فإذا استنصروكم فعليكم النصر.

كم يستغيثون، كم هم يئنون.

كم يستغيث بِنا المستضعفون وهم قتلى وأسرى فما يهتزُّ إنسان.

والعالم اليوم شاهد بهذا، فالمستذل الحُرّ، والمزدرى عالي الذرى والأوضع الأشرف!

كم في المسلمين من ذوي حاجة، وأصحاب هموم وصرعى مظالم وفقراء وجرحى قلوب في فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين أنّا اتجهت:

كبَّلوهم قتلوهم مثَّلوا  *** بذوات الخدر عاثوا باليتامى
ذبحوا الأشياخ والمرضى ولم *** يرحموا طفلًا ولم يبقوا غُلاما

هدموا الدُور، استحلُّوا كل ما *** حرَّم الله ولم يرعوا ذِماما
أين من أضلاعنا أفئدة  *** تنصُر المظلوم تأبى أن يُضاما
نسأل الله الذي  يكلأنا *** نُصرة المظلوم شيخًا أو أَياما

لا تكن العصافير أحسن مروءة  مِنَّا، إذا أُوذِي أحد العصافير صاح فاجتمعت لنُصرته ونجدته كلها، بل إذا وقع فرخ لطائر منه طِرنا جميعًا حوله يُعلِّمنه الطيران فأين المسلم الإنسان؟!

إذا أخصبت أرض وأجدب أهلها *** فلا أطلعت نبتا ولا جادها السماء

انصر الحق والمظلوم حيث كان، ولا تطمع بوسام التقوى حقيقة إلا إن كنت فاعلًا متفاعلًا نصيرًا بكلمةٍ.. بشفاعةٍ.. بإعانةٍ.. بإشارة خيرٍ.. بدعاءٍ بعزمٍ ومضاء:

عبئ له العزم واهتف ملئ مسمعه *** لا بد لليل مهما طال من فلقٍ
هذا عرينك لكن أين هيبته *** والليث ليث فتي كان أو هرما

على الليالي على الأيام في ثقة *** نقل خطاك وإلا فابتر القدما
كالسيل مُنطلِقًا، كالليل مُهتدمًا *** حتى ترى حائط الطغيان منهدما