صيام رمضان، أحكامٌ ومسائل

إحسان بن محمد العتيبي

هذه نبذةٌ مختصرةٌ في أحكام ومسائل مُتعلِّقةٌ بالصوم، أسأل الله أن ينفع بها..

  • التصنيفات: فقه الصيام - ملفات شهر رمضان -

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. فهذه نبذةٌ مختصرةٌ في أحكام ومسائل مُتعلِّقةٌ بالصوم، أسأل الله أن ينفع بها.

1- وجوب صوم رمضان:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183].

وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أنَّ أعرابيًّا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله عليَّ مِن الصلاة؟ فقال: «الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا»، فقال: أخبرني ما فرض الله عليَّ مِن الصيام؟ فقال: «شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا»، فقال: أخبرني بما فرض الله عليَّ من الزكاة؟ فقال: فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم شرائع الإسلام، قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله عليَّ شيئًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق» -أو: «دخل الجنة إن صدق»-" (رواه البخاري [1792] ومسلم [11]).

والشاهد من الحديث: قوله "ماذا فرض الله عليَّ مِن الصيام؟".

وهي محل اتفاق بين العلماء لا خلاف بينهم في وجوبه، ومنهم مَن يرى كُفر مَن لم يصمه مِن غير عذر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إذا أفطر في رمضان مستحلًّا لذلك وهو عالِمٌ بتحريمه استحلالًا له: وجب قتله، وإن كان فاسقًا: عوقب عن فطره في رمضان" (مجموع الفتاوى: [25/265]).

2- أركان الصيام:

أ- النية من الليل: عن حفصة رضي الله عنها عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» (رواه الترمذي: [730]، والنسائي: [2331]، وأبو داود: [2454]، وابن ماجة: [1700]، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والدارقطني، والخطابي، انظر: فتح الباري: [4/142]، وتحفة المحتاج: [2/80]).

ب- الإمساك عن الطعام والشراب والجِماع، لقوله تعالى بعد أن أباح ما سبق: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.

ولقوله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل: «... يترك طعامه وشرابه وشهوته مِن أجلي» (رواه البخاري: [1795]، ومسلم: [1151]).

3- من فضائل الصوم:

أ- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصيام جُنَّة[1] فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين والذي نفسي بيده لخُلوف[2] فمِّ الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك، قال تعالى: يترك طعامه وشرابه وشهوته مِن أجلي الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها» (رواه البخاري: [1795]، ومسلم: [1151]).

ب- عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن في الجنة بابًا يقال له الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل مِنه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أُغلِق فلم يدخل منه أحدٌ» (رواه البخاري: [1797]، ومسلم: [1151]).

ج- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن قام ليلة القدر إيمانًا[3] واحتسِابًا[4] غفر له ما تقدم مِن ذنبه، ومَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم مِن ذنبه» (رواه البخاري: [1802]، ومسلم: [760]).

4- ما يجوز أن يكون من الصائم:

أ- الأكل والشرب والجِماع ليلًا؛ لقول الله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة:187].

ب- تأخير السحور إلى أول دخول وقت الفجر. للآية السابقة..

ولقول سهل بن سعد رضي الله عنه: "كنت أتسحَّر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" (رواه البخاري: [1820])..

والمقصود: أنهم كانوا يؤخرون السحور، ويُعجِّلون بالصلاة.

ج- الأكل والشرب ناسيًا:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نسي فأكل وشرب فليتمَّ صومَه فإنما أطعمه الله وسقاه» (رواه البخاري: [1831]، ومسلم: [1155]).

ولا فرق بين صيام الفرض وصيام النفل في هذه المسألة بخلاف ما يظنُّه كثيرٌ مِن العامَّة.

ونُنبِّه هنا:

إلى أنه من رأى مَن يأكل أو يشرب ناسيًا فلا ينبغي له أن يتركه على حاله، بل يجب عليه تذكيره بصيامه، فهو وإن كان معذورًا بنسيانه، فأنت لستَ معذورًا بتركك إنكار المنكر -لأنَّه قد يكون ناسيًا وقد يكون متعِّمدًا- ولو أراد الله له العذر في الطعام والشراب لم يُسخِّرك لأن تراه.

د- أن ينوي الصوم من النهار جاهِلًا دخول الشهر:

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم "بعث رجلًا ينادي في الناس يوم عاشوراء إن مَن أكل فليتمَّ -أو فليصم- ومن لم يأكل فلا يأكل" (رواه البخاري: [1824]، ومسلم: [1135]).

والشاهد من الحديث: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمر مَن لم ينوِ الصيام أن ينشأ نِيَّة الصوم من النهار، وذلك في صيام عاشوراء، وكان آنذاك واجبًا صومه على المسلمين، ولم يُنقل أنه أمر من فعل ذلك بالقضاء.

هـ- أن يدركه الفجر وهو جنُب:

للآية السابقة إذ فيها إباحة الجِماع ليلًا إلى أن يظهر الفجر، ولازم هذه الإباحة أن يدرك المُجامِعُ الفجرَ وهو على جنابة.

وعن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جُنبٌ مِن أهله ثم يغتسل ويصوم" (رواه البخاري: [1825]، ومسلم" [1109]).

و- التقبيل والمباشرة لامرأته لمن يملك نفسه:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُقبِّل ويباشر[5] وهو صائم وكان أملككم لإربه[6]" (رواه البخاري: [1826]، ومسلم: [1106]).

ز- الاغتسال: وفيه حديث عائشة قبل السابق..

ح- استعمال السواك: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على أمَّتي لأمرتُهم بالسواك مع كل صلاة» (رواه البخاري: [847]، ومسلم: [252]). وقال البخاري: ولم يخصَّ الصائم مِن غيره.

وتحديد وقت التسوك إلى الزوال مما لم يأت به دليل.

ط- استعمال الكحل والقطرة للعين، والقطرة والدواء للأذن، والتحاميل، وخلع الضرس، وبلع الريق والنخامة:

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما الكحل والحقنة وما يقطر في إحليله ومداواة المأمومة[7] والجائفة[8] فهذا مما تنازع فيه أهل العلم: "... والأظهر أنَّه لا يفطر بشيء من ذلك، فان الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام فلو كانت هذه الأمور مما حرَّمها الله ورسوله في الصيام ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحدٌ مِن أهل العلم عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في ذلك لا حديثًا صحيحًا ولا ضعيفًا ولا مسندًا ولا مرسلًا عُلِم أنَّه لم يذكر شيئًا من ذلك" أهـ (مجموع الفتاوى: [25/ 233-234]).
 
ي- الحجامة:

- عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم احتجم وهو مُحرِم واحتجم وهو صائم" (رواه البخاري: [1836]).

- وعن ثابت البناني قال: "سُئل أنس بن مالك رضي الله عنه أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا مِن أجل الضعف -على عهد النَّبيّ صلى الله عليه وسلم-" (رواه البخاري: [1838]).

وأما حديث «أفطر الحاجِم والمحجوم» فإن صحَّ: فهو منسوخ.

قال الحافظ ابن حجر: "قال ابن حزم صحَّ حديث «أفطر الحاجِم والمحجوم» بلا ريب! لكن وجدنا مِن حديث أبي سعيد [أرخص النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم] وإسناده صحيح، فوجب الأخذ به لأنَّ الرخصة إنما تكون بعد العزيمة، فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواءً كان حاجِمًا أو محجومًا" انتهى (فتح الباري: [4/178]).

ك- السفر؛ سواء عزم عليه من الليل أو أنشأه من النهار:

عن عائشة رضي الله عنها زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه قال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: «إن شئتَ فصم وإن شئتَ فأفطر» (رواه البخاري: [1841]، ومسلم: [1121]).

ل- إسباغ الوضوء، ومنه المضمضة والاستنشاق -من غير مبالغة-:

عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه رضي الله عنهم قال: "قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال: «أسبغ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» (رواه الترمذي: [788]، والنسائي: [87]، وأبو داود: [142]، وابن ماجة: [407]، والحديث: صحَّحه الترمذي، والبغوي، وابن القطان.
 انظر: التلخيص الحبير: [1/81]).

م- تذوق الطعام للحاجة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما: "لا بأس أن يذوق الخل والشيء ما لم يدخل حلقه" (رواه ابن أبي شيبة: [2/463]، والبيهقي: [4/261]. والأثر: حسَّنه الإمام الألباني في إرواء الغليل: [4/86]).

5- مبطلات الصوم:

أ- الأكل والشرب؛ ويدل عليه ما سبق في ج من المباحات، حيث رفع الحرج في الأكل والشرب عن الناسي فقط.
 وكذا ما دل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.

ب- الجِماع؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " بينما نحن جلوس عند النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكتُ! قال: «ما لك؟». قال: وقعتُ على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟». قال: لا قال: «فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟». قال: لا، فقال: «فهل تجد إطعام ستين مسكينًا؟»، قال: لا، قال: فمكث النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فبينا.. نحن على ذلك أتي النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بعَرَق[9] فيها تمر قال: «أين السائل؟»، فقال: أنا، قال: «خذها فتصدق به». فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟! فوالله ما بين لابتيها -يريد: الحرتين- أهل بيت أفقر مِن أهل بيتي! فضحك النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: «أطعمه أهلك» (رواه البخاري: [1834]، ومسلم: [1111]).

- ويترتب على جِماع الرجل والمرأة غير المكرَهة أمور:

1- الإثم: وذلك لمخالفة الأمر، ويدل عليه قول الرجل "هلكتُ" وفي رواية: "احترقتٌُ".

2- الكفارة: وهي المذكورة في الحديث السابق، وهي على الترتيب:

      أ- عتق رقبة.
      ب- صيام شهرين متتابعين.
      ج- إطعام ستين مسكينًا.

ولا يحِل له الانتقال إلى التالي إلا بعد تعذُّر الأول.

3- الإمساك بقية اليوم، لأنه تعدى بجماعه فلا يزيد في تعدِّيه بإفطار بقية يومه.

4- القضاء، وعليه أن يقضي يومًا مكانه، لما جاء في في بعض ألفاظ الحديث «واقض يومًا مكانه» (انظر: الإرواء: [4/91]).

ج- القيء عمدًا: عن أبي هريرة أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن ذرعه[10] القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء[11] عمّدًا فليقضِ» (رواه الترمذي: [720]، وأبو داود: [2032]، وابن ماجة: [1676]).

د- الحقن الغذائية، ووضع الدم في الجسم: وهما في معنى الطعام والشراب، وغاية الطعام والشراب: الدم، فإذا وضع في جسمه دمًا، فقد وضع غاية الطعام والشراب.

هـ- خروج دم الحيض والنفاس: ولا فرق أن يكون خروج الدم في أول النهار بعد الفجر أو أن يكون في آخره ولو قبيل المغرب بلحظة.

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى -أو فطر- إلى المصلى فمرَّ على النِّساء فقال: «... أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟» قلن: بلى، قال: «فذلك مِن نقصان دينها» (رواه البخاري: [298]، ومسلم: [80]).

6- مستحبات الصيام:

أ- تعجيل الإفطار.

- عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال النَّاس بخير ما عجَّلوا الفطر» (رواه البخاري: [1856]، ومسلم: [1098]).

- وعن أبي عطية قال: "دخلتُ أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقلنا: يا أم المؤمنين رجلان مِن أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم أحدهما يُعجِّل الإفطار ويُعجِّل الصلاة، والآخر يُؤخِّر الإفطار ويُؤخِّر الصلاة؟ قالت: أيُّهما الذي يُعجِّل الإفطار ويُعجِّل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله -يعني: ابن مسعود- قالت: كذلك كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم" (رواه مسلم: [1099]).

ب- البداءة بالرطب فإن لم يتيسر فتمر فإن لم يكن فعلى ماء.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يفطر على رُطَبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رُطَبات فتَمْرات فإن لم يكن تمرات حسا حَسَواتٍ مِن ماءٍ" (رواه أبو داود: [2356]).

والحديث: (حسَّنه شيخنا الألباني في الإرواء: [4/45]).

ج- الدعاء بعد الإفطار:

عن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: «ذَهَب الظمأ وابتلَّت العروق وثبت الأجر إن شاء الله» (رواه أبو داود [2357]. والحديث: حسَّنه الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير: [2/202]).

د- تأخير السحور:

عن سهل بن سعد رضي الله عنه: "كنت أتسحَّر في أهلي ثم تكون سرعتي أن أدرك السجود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" (رواه البخاري [1820]).

7- على من يجب صيام رمضان:

 وسنذكر ما يتعلَّق بالأدلة عند الحديث بعدها على أهل الأعذار، وهم على الضد مما هاهنا:
1- المسلم.
2- العاقل.
3- البالغ.
4- المقيم.
5- القادر.
6- الخالي من الموانع.

8- أهل الأعذار في الصيام:

أ- المجنون: عن علي رضي الله عنه قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رُفِع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل» (رواه أبو داود [3823]. والحديث: صحَّحه شيخنا الألباني رحمه الله في الإرواء: [2/4]).

ب- غير البالغ؛ للحديث السابق.

ويُعرَف البلوغ بعلاماتٍ، منها:

1- نزول المني، ويدل عليه قوله في بعض روايات الحديث السابق: «وعن الصبي حتى يحتلم».

2- إنبات شعر العانة حول الفرج، ويدل عليه: عن عطية القرظي قال: عُرضنا على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان مَن أنبت قُتِل ومَن لم ينبت خُلِّي سبيلُه فكنتُ ممن لم ينبت فخلِّي سبيلي" (رواه الترمذي: [1584]، والنسائي: [3430]، وأبو داود: [3826]، وابن ماجة: [2542]. والحديث: صحَّحه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، ووافقه الحافظ ابن حجر، انظر التلخيص الحبير: [3/42]).

3- الحيض للنساء؛ وهو مجمعٌ عليه، لا أعلم فيه خلافًا. فإن حاضت قبيل الفجر بلحظة حرُم عليها الصوم ووجب عليها قضاؤه، وإن حاضت قبيل المغرب بلحظة فكذلك. فإن طهُرت قبيل الفجر بلحظة وجبَ عليها الصوم، حتى لو لم تغتسل -كما سبق في الجنب يدخل عليه الفجر-.

4- السفر: والصحيح مِن أقوال أهل العلم: أنه لا حدَّ للسفر من حيث المسافة، وأنه يظل المسافر متمتعًا بالرخص إلى أن يقيم إقامة مطلقة، أو يرجع إلى بلده.

قال ابن القيم رحمه الله: "ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تقدير المسافة التي يفطر فيها الصائم بحدٍ ولا علمنا عنه في ذلك شيء" أهـ (زاد المعاد: [2/55]، وهو قول ابن قدامة وابن تيمية).

قال الله تعالى {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. عن عائشة رضي الله عنها زوج النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أأصوم في السفر؟ -وكان كثير الصيام- فقال: «إن شئتَ فصم وإن شئتَ فأفطر».

5- المرض: للآية السابقة.

وليس المرض المراد في الآية المرض الذي لا يشق على صاحبه الصوم معه، ولا يضره، فإن هذا من أهل الوجوب؛ وإنما المراد به المرض الذي يشق على صاحبه الصوم معه، ويضره، فيؤخِّر برأَه أو يزيد في مرضه، فمثل هذا يحرم عليه الصيام ويجب عليه الفطر.

ومثله المرض الذي يجوز لصاحبه التخلُّف عن الصلاة في المسجد أو عن الجهاد، وليس هو وجع الأصبع أو أذى الضرس وما شابههما فإن مثل هذه الأعذار لا يكاد يخلو منها أحد وهي ليست معوقة عن الصيام. فإن شق عليه الصيام بسبب المرض ولم يضره: كره له الصيام ولم يحرم.

6- الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة:

عن عطاء أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقرأ: "وعلى الذين يطوقونه فلا يطيقونه {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال ابن عباس رضي الله عنه: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يومٍ مسكينًا" (رواه البخاري: [4235]).

7- الحامل والمرضع:

عن أنس بن مالك -رجل من بني عبد الله بن كعب- قال: أغارت علينا خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدى فقال: «ادن فكُل»، فقلت: إني صائم، فقال: «ادن أحدثك عن الصوم -أو: الصيام- «إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل أو المرضع الصوم -أو: الصيام-» (رواه الترمذي: [715]، والنسائي: [2274]، وأبو داود: [2408]، وابن ماجة: [1667]. قال أبو عيسى -الترمذي-: "حديث أنس بن مالك الكعبي حديثٌ حسن").

والأصح من أقوال أهل العلم: "أنَّ على الحامل والمرضع القضاء سواءً خافتا على نفسيهما أو على ولديهما أو على كليهما معًا".

8- الحائض والنفساء:

عن معاذة رضي الله عنها قالت: "سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية[12] أنتِ؟ قلت: لستُ بحرورية ولكني أسأل، قالت: كان يُصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (رواه البخاري: [315]، ومسلم: [335]).

تنبيه:

- وعلى المسافر والمريض والحائض والنفساء والحامل والمرضع: القضاء فقط.

- وعلى الرجل الكبير والمرأة الكبيرة والمريض مرضًا مزمنًا: الفدية وهي طعام مسكين، وهي وجبة عن كل يوم، ولا يجزئ إخراجها مالًا.

9- قضاء رمضان:

وهذه مسائل تكثر الحاجة إليها فيما يتعلق بالقضاء:

أ- وقت قضاء الصوم: يستمر قضاء الفائت مِن رمضان بعذرٍ إلى رمضان الذي بعده، ومن دخل عليه رمضان الآخر ولم يصم ما عليه بغير عذر: أثِم، ولم يسقط عنه القضاء، وأوجب بعض أهل العلم عليه: الكفارة وهي طعام مسكين عن كل يوم.

عن أبي سلمة رضي الله عنها قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: "كان يكون عليَّ الصوم مِن رمضان فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان" (رواه البخاري: [1849]، ومسلم: [1146]).

ب- من مات وعليه صوم قضاء أو أي صوم واجب:

- فلِوليه أن يُبرئ ذمة الميت بأداء الصوم عنه بِرًّا به، من غير إلزام.

- وإذا كانت ذمة الميت مشغولة بالإطعام أطعم عنه وليُّه.

- وفي صوم غير الولي خلاف قوي؛ الأظهر جوازه من غير الولي لتشبيه النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذلك بقضاء الدين، وهو ما لا يختص به الولي أو القريب، وهو ما رجحه الإمام البخاري وأبو الطيب الطبري من الشافعية وغيرهما.

- وذِكر الولي في الحديث للغالب، والله أعلم.

عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن مات وعليه صيام صام عنه وليُّه» (رواه البخاري: [1851]، ومسلم: [1147]).

ج- لا يشترط التتابع في صيام القضاء: للإطلاق في الآية بقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا بأس أن يفرِّق" (رواه البخاري: [1848] معلِّقًا، ووصله الدارقطني: [2/192]).

10- أحاديث ضعيفة وموضوعة مشتهرة في رمضان:

1- "لا تقولوا رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان"! (ترتيب الموضوعات؛ للذهبي: [570]، الفوائد المجموعة؛ للشوكاني: [251]).

2- "شهر رمضان معلَّق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر"! (العلل المتناهية؛ لابن الجوزي: [824]، الضعيفة؛ للألباني: [43]).

3- "مَن صلَّى في آخر جمعة من رمضان، الخمس الصلوات المفروضة في اليوم والليلة، قضت عنه ما أخل به من صلاة سنَتِه"! (الفوائد المجموعة: [157]).

4- "من أفطر يومًا مِن رمضان مِن غير رخصةٍ ولا عذرٍ، كان عليه أن يصوم ثلاثين يومًا، ومن أفطر يومين كان عليه ستون، ومن أفطر ثلاثًا كان عليه تسعون يومًا"! (الفوائد المجموعة: [276]، الموضوعات؛ لابن الجوزي: [2/197]).

5- "صوموا تصحُّوا" (تخريج الإحياء؛ للعراقي: [3/75]، الضعيفة: [253]).

6- "أن امرأتين صامتا وأن رجلًا قال يا رسول الله إن هاهنا امرأتين قد صامتا وإنهما قد كادتا أن تموتا من العطش فأعرض عنه أو سكت ثم عاد وأراه قال بالهاجرة.. قال يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا قال: ادعهما قال فجاءتا، قال: فجيء بقدح أو عس فقال: لإحداهما قيئي فقاءت قيحًا أو دمًا وصديدًا ولحمًا حتى قاءت نصف القدح ثم قال للأخرى قيئي فقاءت من قيحٍ ودمٍ وصديدٍ ولحمٍ عبيطٍ وغيره حتى ملأت القدح ثم قال إن هاتين صامتا عما أحل الله وأفطرتا على ما حرَّم الله عز وجل عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يأكلان لحوم الناس"! (الضعيفة: [519]).

7- "عن سلمان قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال ثم أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعًا من تقرَّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره أن ينتقص من أجره شيء..

قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم، فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائمًا على تمرةٍ أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين، لا غنى بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه وأما اللتان لا غنى بكم عنها فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائمًا سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة"! (العلل؛ لابن أبي حاتم: [1/249]، الضعيفة: [871]).

(مجموع الفتاوى؛ ابن تيمية: [25/234]، الضعيفة: [1014]).

11- المفطرات في مجال التداوي:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

(قرار رقم: [99/1]، د: [10] بشأن "المفطرات في مجال التداوي":

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقِد في دورة مؤتمره العاشر بجدة بالمملكة العربية السعودية، خلال الفترة من 23 إلى 28 صفر 1418هـ (الموافق 28 يونيو - 3 يوليو 1997م).

بعد اطلاعه على البحوث المقدَّمة في موضوع المفطرات في مجال التداوي، والدراسات والبحوث والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التاسعة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، بالتعاون مع المجمع وجهات أخرى، في الدار البيضاء بالمملكة المغربية، في الفترة من 9 إلى 12 صفر 1418هـ (الموافق 14-17 يونيو 1997م)، واستماعه للمناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة الفقهاء والأطباء، والنظر في الأدلة من الكتاب والسنة، وفي كلام الفقهاء.

قرَّر ما يلي:

أولًا: الأمور الآتية لا تُعتبَر من المفطرات:

1- قطرة العين، أو قطرة الأذن، أو غسول الأذن، أو قطرة الأنف، أو بخاخ الأنف، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

2- الأقراص العلاجية التي تُوضع تحت اللسان لعلاج الذبحة الصدرية وغيرها، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

3- ما يدخل المهبل من تحاميل (لبوس)، أو غسول، أو منظار مهبلي، أو إصبع للفحص الطبي.

4- إدخال المنظار أو اللولب ونحوهما إلى الرحم.

5- ما يدخل الإحليل -أي مجرى البول الظاهر للذكر والأنثى- من قثرة (أنبوب دقيق) أو منظار، أو مادة ظليلة على الأشعة، أو دواء، أو محلول لغسل المثانة.

6- حفر السن، أو قلع الضرس، أو تنظيف الأسنان، أو السواك وفرشاة الأسنان، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

7- المضمضة، والغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق.

8- الحقن العلاجية الجلدية أو العضلية أو الوريدية، باستثناء السوائل والحقن المغذية.

9- غاز الأوكسجين.

10- غازات التخدير -البنج- ما لم يعط المريض سوائل (محاليل) مغذية.

11- ما يدخل الجسم امتصاصًا من الجلد؛ كالدهونات والمراهم واللصقات العلاجية الجلدية المحمَّلة بالمواد الدوائية أو الكيميائية.

12- إدخال قثطرة (أنبوب دقيق) في الشرايين لتصوير أو علاج أوعية القلب أو غيره من الأعضاء.

13- إدخال منظار من خلال جدار البطن لفحص الأحشاء أو إجراء عملية جراحية عليها.

14- أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء، ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.

15- منظار المعِدة إذا لم يصاحبه إدخال سوائل (محاليل) أو مواد أخرى.

16- دخول أي أداة أو مواد علاجية إلى الدماغ أو النخاع الشوكي.

17- القيء غير المتعمَّد، بخلاف المتعمِّد [الاستقاءة] .

ثانيًا: ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق.

والله أعلم.

انتهى.

ويضاف إليه:

18- بخاخ الربو، وقد أفتى علماء اللجنة الدائمة والشيخان ابن باز والعثيمين رحمهما الله بأنه لا يفطر.

19- ما يدخل الشرج من حقنة شرجية أو تحاميل، وهو ما أفتى به الشيخ العثيمين رحمه الله.

12- فوائد متفرقة:

1- لم يشرع الصوم للجوع والعطش، ولم يكن الصوم عند السلف مناسبة لتنويع الطعام، والتنقل بين أصناف الشراب، بل كان مناسبة لزيادة الإيمان، وفرصة للقرب من الرحمن، تحصيلًا للتقوى، وتكميلًا للنفع.

قال ابن القيم رحمه الله: "وللصوم تأثير عجيب.. في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من صحتها، فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات فهو من أكبر العون على التقوى كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}" (زاد المعاد: [2/29]).

2- قال ابن القيم: "وكان فرضه -أي: صوم رمضان- في السنة الثانية من الهجرة فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات، وفرض أولًا على وجه التخيير بينه وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينًا، ثم نقل من ذلك التخيير إلى تحتم الصوم، وجعل الإطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم يطيقا الصيام فإنهما يفطران ويطعمان عن كل يوم مسكينا" أهـ (زاد المعاد: [2/30]).

3- وقال: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات فكان جبريل عليه الصلاة والسلام يدارسه القرآن في رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان يكثر فيه من الصدقة والإحسان وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف.
وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور" أهـ (زاد المعاد: [2/32]).

4- وقال: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل في صوم رمضان إلا برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد، كما صام بشهادة ابن عمر رضي الله عنهما وصام مرة بشهادة أعرابي واعتمد على خبرهما، ولم يكلفهما لفظ الشهادة فإن كان ذلك إخبارًا فقد اكتفى في رمضان بخبر الواحد، وإن كان شهادة فلم يكلف الشاهد لفظ الشهادة، فإن لم تكن رؤية ولا شهادة أكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا" أهـ (زاد المعاد: [2/ 38-39]).
 
5- لا يجوز التفريط بصلاة المغرب جماعة، فقد همَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت من يصلي في بيته، ومن وضع الطعام بنفسه فليس بمعذور، إنما العذر حيث وضع الطعام دون اختيارك وقصدك.

6- ونوصي المسلمين بقيام رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه» (رواه البخاري: [37]، ومسلم: [759]).
 
وهذه الصلاة ينبغي أن تكون على هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قدر المستطاع، فقد وصفت عائشة رضي الله عنها صلاته فقالت: "فلا تسأل عن طولهن وحسنهنَّ" (رواه البخاري: [1096]، ومسلم: [738]).
 
وكثير من الناس -هداهم الله- يبحثون عن الإمام الذي ينقر صلاته نقرًا، فلا يقيم أركانها، ولا يعطيها حقَّها ومستحقَّها، ويظن الواحد منهم أنها همٌّ يريد إزاحتها عن نفسه، وإلقاءَها عن ظهره، ولا يدري المسكين أنها نافلة، والأصل في النوافل الإطالة، ثم تجد كثيرًا من هؤلاء قد فرَّطوا في الفرائض، فلا تجدهم في صلاة الفجر، ولا في المغرب من باب أولى وأحرى، وإذا أطال إمامهم الصلاة قاموا عليه شرَّ قومة، فالله المستعان.

7- وإن تيسر لك أخي المسلم عمرة في رمضان، فلا تفوِّت هذه الفرصة، فقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة» (رواه البخاري: [1690]، ومسلم واللفظ له: [1256]).
 
8- وإِيَّاك أن تكون من عُبَّاد رمضان، فتصلي وتصوم وتقرأ القرآن فيه، ثم تقول في آخر يوم منه "هذا فِراقٌ بيني وبينكم"! فأنت من المسلمين العبيد لله تعالى، وإنَّ ربَّ رمضان غيرُ غافلٍ عنك وهو لك بالمرصاد، فاتقِّ الله في نفسك ولا تقودها إلى الهاوية، واحرص أن تكون بعد رمضان كما أنت فيه، ولا تقطع صلاةً ولا صيامًا ولا قراءةً للقرآن، فالموتُ قريبٌ، والأجل المحتوم لا بدَّ آتٍ.

9- وصدقة الفطر تُخرج صاعًا من أرز أو تمر -والصاع يعادل 2.5 كيلو- لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحُر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" (رواه البخاري: [1432]، ومسلم: [984]).

وهو قول جمهور العلماء ومنهم الشافعي ومالك وأحمد، ومن خالف ذلك فلا النص اتبع، ولا هؤلاء الأئمة قلَّد.

10- فليتقِ الله تعالى أولئك الذين يقضون نهارهم في النوم، وليلهم أمام (التلفزيون)، ينظرون إلى المحرَّمات، ويستبيحون سماع الأغنيات، وهم عن الذكر غافلون، وفي اللغو غارقون، اصطادهم الشيطان، فأنساهم ذكر الرحمن.

11- يثبت الشهر برؤية الهلال، ولا فرق أن نراه بأعيننا أو نظاراتنا أو مناظيرنا، وأما الحساب فلا اعتبار به لدخول الشهر.

قال الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين» (رواه البخاري: [1810]، ومسلم: [1081]).

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين» (رواه البخاري: [1814]، ومسلم: [1080]).

قال شيخ الإسلام رحمه الله: قوله "«إنَّا أمَّة أمِّيَّة لا نكتب ولا نحسب»: هو خبر تضمن نهيا فإنه أخبر أن الأمة التي اتبعته هي الأمة الوسط أمية لا تكتب ولا تحسب فمن كتب أو حسب لم يكن من هذه الأمة في هذا الحكم، بل يكون قد اتبع غير سبيل المؤمنين الذين هم هذه الأمة فيكون قد فعل ما ليس من دينها، والخروج عنها محرُّمٌ منهي عنه فيكون الكتاب والحساب المذكوران مُحرَّمين منهيًا عنهما، وهذا كقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» أي هذه صفة المسلم فمن خرج عنها خرج عن الإسلام ومن خرج عن بعضها خرج عن الإسلام في ذلك البعض.." أهـ (مجموع الفتاوى: [25/ 164-165]).

12- إذا كان النهار فأفاق المجنون، أو طهرت الحائض، أو أقام المسافر، أو برئ المريض، أو بلغ الصبيُّ، أو أسلم الكافر: لم يلزم الصومُ واحدًا مِن أولئك ؛ لأنهم لم يكونوا من أهل الوجوب في أول النهار، ومَن أمسك -ممن يجب عليه القضاء- لم ينفعه، ووجب القضاء بعد زوال العذر بعد رمضان.

13- من البدع المنتشرة: إمساك بعض الناس قبل الفجر بوقت على الأذان الأول الذي يُسمُّونه "أذان الإمساك"، ولا أصل لذلك في الشرع، بل يحل الطعام والشراب والجِماع إلى أن يتحقق طلوع الفجر، كما سبق بيانه فيما يباح للصائم.

والصحيح مِن أقوال أهل العلم: "أنَّه من أكل أو شرب أو جامع ظانًّا عدم طلوع الفجر، أو ظانًّا غروب الشمس: أنه لا شيء عليه، ويؤيد الأول حديث عديٍّ رضي الله عنه، ويؤيد الثاني حديث أسماء رضي الله عنها".

أما الأول: فعن عَدِيٍّ قال: أخذ عديٌّ عقالًا أبيض وعقالًا أسود حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا! فلما أصبح قال: يا رسول الله جعلت تحت وسادي عقالين، قال: «إن وسادك إذًا لعريض! أن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك» (رواه البخاري: [4239]، ومسلم: [1090]).

وأما الثاني: فعن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: "أفطرنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس" (رواه البخاري: [1858]).

قال الحافظ ابن حجر: "وأما حديث أسماء فلا يحفظ فيه إثبات القضاء ولا نفيه.. وجاء ترك القضاء عن مجاهد والحسن وبه قال إسحق وأحمد في روايته، واختاره ابن خزيمة، فقال: قول هشام لا بدَّ من القضاء لم يسنده، ولم يتبين عندي أن عليهم قضاء" أهـ "فتح الباري: [4/ 250-251]).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]- (معنى «جُنَّة»: وقاية وستر سواء من الآثام أو من النار).

[2]- («خُلوف فم الصائم»: تغير رائحة الفم).

[3]- (معنى «إيمانًا»: أي: بفرضيته).

[4]- («احتسابًا»: أي: محتسِبًا أجره على الله).

[5]- (معنى "يباشر": يعني ما دون الجِماع).

[6]- ("أملككم لإربه": أي شهوته).

[7]- (المأمومة: الجرح في الرأس يبلغ أم الدماغ).

[8]- (الجائفة: الطعنة تبلغ الجوف. وقال الإمام البخاري [748]: وقال عطاء وقتادة: "يبتلع ريقه").

[9]- (العَرَق: المكتل).

[10]- (معنى «ذرعه»: خرج بلا اختيار منه).

[11]- (معنى «استقاء»: أخرج القيء متعِّمدًا).

[12]- ("حرورية": نسبة إلى حروراء بالعراق نُسِبَ إليها طائفة من الخوارج؛ والتي ترى وجوب قضاء الصلاة مع الصوم بالنسبة للحائض والنفساء).

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام