الإرهاب الإعلامي

فهد بن عبد العزيز السنيدي

من المخاطر الإعلامية الموجهة للشباب، حرب المفاهيم والمصطلحات التي تكونت لدى الجيل من خلال الضخ المعلوماتي لهذه المفاهيم، مع غياب بيان الرؤية، بل مع وجود تأسيس لها ودعم، حتى التبس معنى الإرهاب والتطرف والانفتاح والحرية والغلو والأصولية وغيرها من مصطلحات الحرب الرمزية للإعلام.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

تحدث علماء الاجتماع عما أسموه بالعنف الرمزي، وهو ما يعني الهجوم على الرأسمال الرمزي لدى أي أمة من الأمم، وهو عندنا الهجوم على الرمزية المتمثلة بالدين الإسلامي، بطريقة عنيفة ورمزية، وباستخدام مقولات لها قيمة عظيمة، توحي بالتصادم بينها وبين القيمة الرمزية، كالعلم والتطور والانفتاح والحرية، وهذه كلها أمور لها قيمتها ويقبلها العقل، بل يرفض ويكره من يصادمها!

وهنا استبسل أعداء الإسلام في رمزية العنف الموجهة لجيل الشباب بهذا الأسلوب، عن طريق الميليشيات الإعلامية، وبالتعاون مع جيش من الكتاب ينمق هجومه على الرمز برمزية أخرى لا يمكن للمتلقي أن يرفضها،  وباستخدام آليات إعلامية حديثة قد تكون موطّنة في عالمنا العربي أو مستقدمة مع العدو، وأياً كانت الصورة فالنتيجة واحدة والخطر سواء.

ويكمن الهدف من هذا الهجوم إلى إقصاء الإسلام ولكن دون تصريح، ولذا لا بد من تنميط المؤسسات العلمية والشرعية، وإقصاء تأثير العالم الصادق، ونبذ قيم التدين، ورفض صور الخضوع للشرع، لكي يتطابق المجتمع مع قيم ثقافية يقودها هذا الجيش من ميليشيات التأزيم الرمزي في العالم، لاغتصاب الخضوع، وتنميط المجتمع المسلم، وفرض ما يريده هذا التيار من مواضيع للنقاش، ويختار لها الزمان والمكان والفضاء المناسب، مع تجهيز الآلات اللازمة للعنف الرمزي من كتاب يوصفون بالثقافة، أو أدعياء علم شرعي خالين من أي رؤية كونية أو كلية تفيد المجتمع.

وقد يتعاون الإعلامي مع صورة الشرعي رغم ابتعاد النفسيات وصعوبة التواصل، ولكن قد تؤجل تلك النظرة من أجل هدف مشترك ينشده الطرف الأقوى في اللعبة، مع نفعية مقيتة للطرف الآخر تقوده لمد يده مع صاحب المبادرة أياً كان هدفه، وهو ما حصل في بعض المجتمعات العربية، عندما أجّر المحتل رموزاً دينية تلعب دور المناهض لعقلية المجتمع المتحجرة في رؤيتها للدين حسب زعمهم.

وقد يمارس الإعلام هذا الدور، من خلال مواصلة طرقه على المجتمع من كل باب، وتكثيف الهجوم الرمزي على قيمه بشتى الوسائل حينا ً بعد حين، وربما يكون مردداً لإعلام معادي بقصد أو بسذاجة وعفوية وتبعية، فيسهم من حيث يدري أو لا يدري في هذا الهجوم الرمزي الخطير.

وقد أشار معالي الشيخ صالح الحصين إلى أن الإعلام العربي ردد ما يقوله الغربيون عن المؤسسات الخيرية وربطها بالإرهاب، حتى أصبحت فكراً شائعاً ورأياً إعلاميا،ً وهو ما أضعف ثقة الجمهور بالمؤسسات الخيرية،  ومن المعلوم اجتماعياً وعلمياً أن الفكرة الوهمية عندما تتردد تكتسب قوةً إلى قوة حتى تصبح بديهية، وبالتالي تتحول من تهمة إلى (فوبيا) لدى المتلقي، ومن ثم إلى عقدة نفسية يغيب معها التفكير العقلاني الموضوعي، وهو ما يصبو إليه أصحاب الهجوم على المسلّمات في العالم الإسلامي.

وللتأكيد على هذه العقدة، تأمل موجة الهجوم الإعلامي على حلق تحفيظ القران، وتدريس العلوم الشرعية، والحجاب، وبرامج الفتوى التي تتهم بالتكرار، مع غض الطرف عن التكرار في المسلسلات الدرامية والبرامج الهشة التي تعرض الأجساد!

ومن الإرهاب الإعلامي، الهجوم على التاريخ الثقافي بعبارات ملتبسة وغامضة، بحجة تغير الأحوال والزمان، وكذلك إغراق المجتمعات المسلمة، وفئة الشباب بخاصة، بمفهوم وهمي مطلق، هو مفهوم الإنسانية الوهمية أو المطلقة، التي تتجاوز ما يدعو إليه القران، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّ‌مْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ‌ وَالْبَحْرِ‌ وَرَ‌زَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ‌ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]، ويتجاوز مفهوم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذ?كَرٍ‌ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَ‌فُوا إِنَّ أَكْرَ‌مَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ‌} [الحجرات: 13]، ليصل إلى محو الشخصية الإنسانية الثقافية، لتصبح هائمة في الرأسمالية أو النفعية أو أي صفة تنحّي الدين جانباً، وتغيب معها الرؤية الكونية الصحيحة القائمة على معرفة سبب الوجود للإنسان، ليتحول إلى كائن أليف مستهلك.

ومن المخاطر الإعلامية الموجهة للشباب، حرب المفاهيم والمصطلحات التي تكونت لدى الجيل من خلال الضخ المعلوماتي لهذه المفاهيم، مع غياب بيان الرؤية، بل مع وجود تأسيس لها ودعم، حتى التبس معنى الإرهاب والتطرف والانفتاح والحرية والغلو والأصولية وغيرها من مصطلحات الحرب الرمزية للإعلام.

ومن الإرهاب: إرهاب الوعي واختلاله عن صورته الحقيقية، ليحل مكانه نموذج الإنسان الاقتصادي الذي يرضي الشاب والفتاة بالصورة حتى التخمة، فيشعران بتحول القيمة لتحتل الصورة الجديدة العينين والتفكير، وهذا ما أكدته دراسات الغرب أنفسهم، فقد نشر المعهد الوطني حول الميديا والعائلة بالولايات المتحدة الأمريكية إحصائية تؤكد أن نسبة الفتيات غير الراضيات عن أجسادهن قد بلغت أكثر من 53% عند سن الثالثة عشرة، وترتفع هذه النسبة لتصل عند سن السابعة عشرة إلى 78%، وهذه النسبة تزداد بسبب مشاهدة الكليبات والإعلانات وبرامج تلفزيون الواقع، كما انتشرت ظاهرة استخدام هرمونات النمو بين هذه الفئة، وبأعداد كبيرة بسبب تحول الصورة إلى نموذج الإنسان الاقتصادي.

ناهيك عن نماذج الإرهاب الأخلاقي، والقيمي، والإرهاب الاجتماعي، وغياب قيمة الأسرة، وتفكيك صورة العلم الحقيقية، ومحاربة قيم النجاح، وتحويلها إلى صور مستهلكة غير واقعية، واستبدالها بصور موهومة لشخصيات هشة في حقيقتها، لكنها رُمّزت لتصبح رمزاً جديداً.

ولكن هل يعني هذا أن نعيش حالة القلق، وأن نلغي التعامل مع معطيات الواقع، بسبب هذه الحرب الخفية أو المعلنة؟ الجواب بالطبع: لا. بل علينا أن نعيد ترتيب الأولويات في حياتنا، وأن نبادر وبخاصة جيل الشباب إلى تحويل معطيات الواقع لتصبح سلاحاً نحمله، ودستوراً نبشر العالم بحقيقته، ووسيلة نبلغ بها دين الله إلى كل مكان، متذكرين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليبلغنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ اللَّيلُ والنَّهارُ، ولا يتركُ اللهُ بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلَّا أدخلَهُ اللهُ هذا الدِّينَ، بعِزِّ عزيزٍ، أو بذلِّ ذليلٍ، عزًّا يعزُّ اللهُ به الإسلامَ، وذلًّا يذِلُّ اللهُ به الكفرَ» (تحذير الساجد:128/ صححه الألباني على شرط مسلم).

بقي في هذا الإرهاب، أن نقوم بدورنا لحربه بكل ما أوتينا، فنحن ضد الإرهاب، وضد أهله، ولا بد من أن نتسلح لمواجهته بسلاح الإيمان، الذي يبني لدى هذا الجيل المناعة لا الممانعة الهشة.
 

المصدر: الموقع الرسمي للدكتور فهد بن عبد العزيز السنيدي