كيف حال قلبك مع الله؟
سؤالٌ أسأله لك في ظلِّ هذه الأيام، التي لا يكاد المرء يسمع فيها مثلَ هذا السؤال: كيف حال قلبك مع الله؟! في ظلِّ انشغال الناس بالأوضاع السياسية في البلاد الإسلامية كلِّها، كيف حال قلبك مع الله؟! في ظل هذه الأيام التي نسمع فيها عن المليارات والملايين المنهوبة التي لم تكن تخطر لأحدٍ ببال، كيف حال قلبك مع الله؟! في ظل الحملة الإعلامية المسعورة على الإسلاميين.
- التصنيفات: تزكية النفس -
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
سؤالٌ أسأله لك في ظلِّ هذه الأيام، التي لا يكاد المرء يسمع فيها مثلَ هذا السؤال: كيف حال قلبك مع الله؟! في ظلِّ انشغال الناس بالأوضاع السياسية في البلاد الإسلامية كلِّها، كيف حال قلبك مع الله؟! في ظل هذه الأيام التي نسمع فيها عن المليارات والملايين المنهوبة التي لم تكن تخطر لأحدٍ ببال، كيف حال قلبك مع الله؟! في ظل الحملة الإعلامية المسعورة على الإسلاميين.
هذا القلبُ مَلِكُ الأعضاء، الذي إذا صلَح صلح سائرُ الجسد، وإذا فسد فسَد سائر الجسد، والقلوب إما سليمة ناجية، وإما سقيمة هالكة.
ألم يكن الن?ي صلى الله عليه وسلم يشير إلى صدره ويقول: « » (مسلم باب البر والصلة 6706)؟! ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمرٌ فزع إلى الصلاة؟! ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم باب الفتن وأشراط الساعة7587)؟! فكيف ندَّعي انتسابَنا إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لا نسلك مَسْلَكَه.
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسْالِكَهَا *** إِنَّ السَّفِينَةَ لاَ تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ
إننا في غفلةٍ عظيمة عبادَ الله، عن عبدِ الله بنِ عمرو بنِ العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
وعن أسامةَ بنِ زيد رضي الله عنهما قال: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال صلى الله عليه وسلم: « » (حديث حسن، أحمد والنسائي).
لقد كانت الغفلةُ -كما تلحظ في هذا الحديث الشريف- حالةً طارئة، وسحابة عابرة، سرعان ما تنقشع لتشرقَ على إثر ذلك شمسُ اليقظة، إلا أنها غدتْ في زماننا أصلاً أصيلاً، ووباءً قد استشرى، ومصيبةً عمَّت بها البلوى، وداءً قلَّمَا ينجو منه أحدٌ (حتى متى الغفلة؟: لسعيد صابر).
وقدْ أصبحنا نحيا حياةَ الغفلة، فبين كل غفلة وغفلةٍ غفلةٌ، وعامة الناس في عامة أمورِهم التي تتعلق بمستقبلهم الحقيقي الأخروي السرمدي لا تلفَيَنَّهم إلا غافلين، يقول الله تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 6-7].
النَّاسُ فِي غَفَلاَتِهِمْ *** ورَحَى الْمَنِيَّةِ تَطْحَنُ
وعلى قدر غفلةِ العبد يكون بعدُه عن الله.
ولله دَرُّ القائل: "النَّاس نيامٌ، فإذا ماتوا انتبهوا"، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: « » (متفق عليه).
كيف حالك مع صلاة الفجر؟
إنَّها مصنعُ الرجال، ولا جدالَ في ذلك، قال سبحانه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري)، وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: « » (حسن: أحمد)، فكيف يكون حالك إذا فاتتك صلاةُ الفجر، إذا فاتتك ذمةُ الله سبحانه وضمانُه وأمانُه؟ ألا تخشى على نفسك ذلك اليوم؟! قال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه مسلم).
ولابن عمر رضي الله عنه عند الطبراني في الكبير والأوسط بسند فيه لين: أنَّ الحجاج أمرَ سالمَ بنَ عبدالله بقتل رجلٍ، فقال له سالم: أصليت الصبح؟ فقال الرجل: نعم، فقال: انطلق، فقال له الحجاج: ما منعك من قتله؟ فقال سالم: حدَّثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « »، فكرهتُ أن أقتلَ رجلاً قد أجاره اللهُ، فقال الحجاج لابنِ عمرَ رضي الله عنه: أنت سمعتَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابنُ عمرَ: نعم. (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد)، فكان الحجاج مع شدِّة فجوره إذا أُتي له بأحد يسأله: هل صليت الصبح؟ فإن قال: نعم، ترك التعرُّض له بسوء، خوفًا من هذا الوجه، (دليل الفالحين لطرق رياض الصا?حين).
تحتاج المسألة إلى مراجعةِ نفسٍ ومحاسبتِها في نتيجة هذا الاختبار، وحقيقة الاختبار بالنسبة للرجال تكون بالمواظبة على صلاة الفجر في جماعة في المسجد، أما بالنسبة للنساء، فتكون بالصلاة على أول وقتها في البيت (كيف تحافظ على صلاة الفجر: راغب السرجاني)، لاسيما ونحن نتحدث بحماسة شديدةٍ عن أحلامنا بتمكين دين الله في الأرض، وعن أمانينا في أنْ نرى شرعَ الله عز وجل يسود العالمين.
كيف حالك مع التوبة والاستغفار؟
قال سبحانه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10 - 12]، وقال صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح، أبو داود).
وكلُّ ابنِ آدم خطَّاء، وخيرُ الخطَّائين التوابون، فهل تُبْنَا إلى الله سبحانه من الكذب والغيبة والنميمة، والعجب والكبر، والنظر المحرم والبهتان، والعدوان والأذى والإساءة، وأكل الحرام والبذاءة والإهمال، والتفرق والتكلف والجبن، والجفاء والجهل، والحسد والحقد، والخبث والخداع والخيانة، والدياثة والربا والرشوة، والسفاهة وسوء الخُلق وسوء الظن، وسوء المعاملة والضَّلال والطمع، والطيش والظلم والعتو، والعقوق والغدر والغفلة، والفحش والفساد والقذف، والقسوة واللَّغو، واللؤم والمكْر، والمَنِّ والنفاق ونقض العهد؟ نحتاج إلى محاسبة فورية للنفس قبلَ أنْ نُطالِب بمحاسبة الغير!
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "إنَّ للحسنة لنورًا في القلب، وضياءً في الوجه، وقوةً في البدن، وسعةً في الرزق، ومحبةً في قلوب الخلق، وإنَّ للسيئة لظلمةً في القلب، وسوادًا في الوجه، ووهنًا في البدن، وضيقًا في الرِّزق، وبغضةً في قلوب الخلق" (الزهد والورع والعبادة: لابن القيم).
هل تُبنا من استعظامِ النِّعمة والرُّكونِ إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم؟ الأمر جدٌّ ليس بالهين، قال سبحانه: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8]، قال زيد بن أسلم رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: « » (رواه ابن أبي حاتم:تفسير ابن كثير).
الواحد منَّا إذا قام بركعتين، أو صام يومًا، أو تصدق بصدقةٍ، أو عمل عملاً صالحًا، أو دعا النَّاس إلى خير ركن إلى عمله وإلى نفسِه، ونسي منَّةَ الله عليه، أنه سبحانه هو الذي أعانه ووفَّقه لهذا العمل، عن سلمةَ بنِ الأكوع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (حسن، الترمذي)، فالمسألة ليست مسألة كفٍّ عن الذنب والمعصية فحسْب، لا بل ربما يكفُّ المرء عن المعصية الظاهرة فتعجبه نفسه، فيقع فيما هو أشد من الذَّنب، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (قال المنذري في الترغيب والترهيب: رواه البزار بإسناد جيد).
وقال مالك بن دينار رحمه الله: "رحم اللهُ عبدًا قال لنفسِه: ألستِ صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثمَّ ذمَّها، ثمَّ خطمها، ثمَّ ألزمها كتابَ الله عز وجل فكان لها قائدًا" (محاسبة النفس: لابن أبي الدنيا)، فكفى بالمرء علمًا أنْ يخشى اللَّهَ، وكفى بالمرء جهلاً أن يُعجَب بعلمِه (عن مسروق: الإحياء).
كيف حالك مع القرآن والذكر؟
قال عثمان رضي الله عنه: "لو طَهُرَتْ قلوبُكم، ما شبعتم من كلامِ ربكم"، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "من أحبَّ القرآنَ أحب اللهَ ورسولَه" (جامع العلوم والحكم)، وقال الحسن: "رحم اللهُ عبدًا عرض نفسَه وعمله على كتاب الله، فإن وافق كتابَ الله، حمد الله وسأله الزيادة، وإن خالف كتاب الله، أعتب نفسَه ورجع من قريب" (أخلاق أهل القرآن: للآجري).
والذِّكر مبذولٌ لكل الناس، لا يحتاج إلى كثير كُلفة، ومع ذلك فأمةٌ منا لا يُستهان بها تفشل حتى في هذا المشعر السهل الهيِّن، قال صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه أبو نعيم في الحلية).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّه قال: « » أي: تبعة ونقص وحسرة، (حسن، أبو داود).
وكلُّ أمريء حجيجُ نفسِه، فكفانا غفلة، وهلمَّ إلى يقظة عاجلة، فربَّ شروقٍ لا غروبَ له، وربَّ ليل لا نهار له، وكم من رجلٍ أصبح من أهل الدنيا وأمسى من أهل الآخرة!
مصطفى رسلان