أولادنا في رمضان
علينا أن نعود أولادنا في رمضان على كل خير وأن نجنبهم ونحذرهم من كل شر.
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - ملفات شهر رمضان -
بسم الله الرحمن الرحيم
مسؤولية تربية الأولاد مسؤولية كبرى تقع ابتداءً على عاتق الوالدين؛ فهما المحضن الأول والمدرسة الأولى التي يتربى فيها الأطفال على المباديء والقيم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
وعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «
» (أَخْرَجَهُ أحمد [2/121]، [6026] والبُخَارِي [2/6] و [4/6] [2751] ومسلم [6/8] [4755]).وصلاح الأبناء يعود بالسعادة على الوالدين في الدنيا والآخرة، عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: « » (أخرجه أحمد [2/372] [8831] والدارِمِي [565] والبُخاري في الأدب المفرد [38] ومسلم [5/73]).
قال الشاعر صالح بن عبدالقدوس:
وإن من أدبته في زمن الصبا *** كالعود يسقى الماء في غرسه
حتى تراه مورقًا ناضرًا *** بعـد الذي أبصرت من يبـسـه
والشيخ لا يترك أخلاقه *** حتى يوارى في الثرى رمسـه
إذا ارعوى عاد إلى جهلـه *** كذي الضنى عادا إلى نكسـه
لذا فإن على الوالدين السعي الدءوب في إصلاح الأولاد وإتباع كافة السبل الممكنة في تهذيبهم وتأديبهم.
يروي لنا التاريخ أن عمر بن عبد العزيز كان قد أرسله أبوه وهو شاب صغير إلى المدينة المنورة ليتعلم فيها الفقه وعلوم الدين، وكان صالح بن كيسان مؤدبه والقائم على أمر ملازمته وتوجيهه وإرشاده، وفي ذات يوم انتبه هذا المؤدب أن عمر بن عبد العزيز لم يحضر صلاة الجماعة وتخلف عنها، فذهب إليه ليستطلع الأمر فسأله قائلًا: ما أخرك عن صلاة الجماعة؟ فأجاب عمر: كانت مرجلتي تسكن شعري، فأجابه صالح متعجبًا: وبلغ من تسكين شعرك أنه يؤخرك عن الصلاة!! وكتب بذلك إلى أبيه عبد العزيز بن مروان، فما كان من أبيه إلا أن أمر بحلق رأسه تأديبًا له وتربية وتعليمًا حتى لا يعود لمثلها (سير أعلام النبلاء [9/133]).
وكان لشريح ابن يدع الكتاب ويهارش الكلاب قال فدعا بقرطاس ودواه فكتب إلى مؤدبه:
تَركَ الصلاةَ لأكْلُبٍ يَسعى بها *** طلب الهِرَاش مع الغِوَاةِ الرُّجس
فإذا خَلَوْتَ فَعَضّه بمَلاَمَةٍ *** وِعظَتْهُ وَعْظَكَ للأرِيب الكَيس
وإذا همَمْتَ بضَرْبِه فبدرَةٍ *** وإذا بلغتَ بها ثلاثًا فاحْبِس
واعْلَمْ بأنك ما فعلتَ فنفسُه *** مع ما يُجَرعُني أعَز الأنْفُس
(انظر: حلية الأولياء: أبو نعيم الأصبهاني [4/137]، وأخبار القضاة لوكيع [207]).
ومن سبل تعظيم الصوم وشهر رمضان في نفوس الأبناء:
1- عند الاستعداد لاستقبال الشهر يجب الاهتمام بإظهار الفرح والبشر بقدوم شهر رمضان ليشعر الأولاد بأهمية الضيف الجديد، وبيان عقوبة من يجاهر بالفطر فيه، عن أبي أمامة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول « »، فقالا: اصعد. فقلتُ: « ». فقالا: إنّا سنُسهّله لك. « » قالوا: هذا عُواء أهلِ النّارِ ثم انطلقَا بي؛ فإذا أنا بقوم معلَّّقينَ بعَراقِيبهم، مشقّقة أشداقُهم، تسيلُ أشداقُهم دمًا، قال، قلتُ: « » قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومِهم. (أخرجه النسائي في السنن الكبرى [4/2/246/3286] وابن خزيمة في صحيحه [3/237/1986] والطبراني في المعجم الكبير [7667] صحيح الترغيب والترهيب [2/305]).
يروى أن أحد النصارى وكان يجاور المسلمين وجد ولده يأكل أمام المسلمين في نهار رمضان فزجره وضربه على ذلك وقال: عظم حرمة شهر رمضان كما يعظمه جيراننا من المسلمين، وبعدها بأيام مات هذا الرجل فرآه أحد جيرانه من المسلمين في المنام في نعيم الجنة، فلما سأله عن ذلك قال: لما عظمت حرمة رمضان أودع الله التوحيد في قلبي فمت على الإسلام.
2- لتكن لكما جلسة مع أولادك في بداية رمضان وتحدثان الأولاد عن فضل الشهر الكريم وأبواب الجنة المفتوحة، وأنه فرصة لكل واحد أن يزيد حسناته ويتقرب إلى الله، وتعريفهم بمعاني الصوم الحقيقية، وأنه يجب عليهم البعد عن الفاحش من القول والفعل، قال جابر الأنصاري رضي الله عنه: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم ودع أذى الخادم وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء.
قال الإمام السبكي رحمه الله : "كنت جالسًا بدهليز دارنا فأقبل كلب فقلت: إخسأ كلب ابن كلب قال: فزجرني والدي من داخل البيت، قلت: سبحان الله أليس هو كلبًا ابن كلب، فقال: شرط الجواز عدم قصد التحقير، قلت: وهذه فائدة" أهـ.
3- تعوييد الأولاد الصغار وتدريبهم على الصوم تدريجيًا، ورصد المكافأة على ذلك، عَنِ الرُّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْراءَ. قالت: أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ الَّتِى حَوْلَ الْمَدِينَةِ: مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. فَكُنَّا بَعْدَ ذَلِكَ نَصُومُهُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الإِفْطَارِ. (أخرجه أحمد [6/359] والبُخَارِي [3/48]).
قال الشاعر:
وأغبى العالمين فتى أكول *** لفطنته ببطنته انهزام
ولو أني استطعت صيام دهري *** لصمت فكان ديدني الصيام
ولكن لا أصوم صيام قوم *** تكاثر في فطورهم الطعام
فإن وضح النهار طووا جياعًا *** وقد هموا إذا اختلط الظلام
وقالوا يا نهار لئن تجعنا *** فإن الليل منك لنا انتقام
وناموا متخمين على امتلاء *** وقد يتجشئون وهم نيام
فقل للصائمين أداء فرض *** ألا ما هكذا فرض الصيام
أحد الصالحين صامت ابنته الصغيرة وكان الجو شديد الحرارة فقال لها أفطري يا بنيتي فالجو شديد الحارة ولم يفرض عليك الصوم بعد، فقالت له في ثبات ويقين: أصبر على الجوع والحر في الدنيا ولا أصبر على حر النار وغضب الجبار يوم القيامة.
4- حث الأولاد على حسن تنظيم الوقت واستغلاله في الطاعة والعبادة، وتحذيرهم من الملهيات وكثرة النوم والجلوس الطويل أمام التلفاز والتعلق بالمسلسلات وغيرها، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « » (أخرجه الترمذي [2416] الألباني في السلسلة الصحيحة [2 / 666]).
5- تحديد وقت لقراءة الجزء المقرر من القرآن الكريم، يجتمع جميع أفراد البيت للتناوب في القراءة، وكذا حثهم على حضور مجالس ودروس العلم في المساجد، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه ابن ماجة [219]).
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا من مأدبته ما استطعتم".
6- تعوييد الأطفال على الجود والإحسان في رمضان، وبيان فضل الصدقة فيه، وتذكيرهم بقول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:261].
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِى رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. (أخرجه أحمد [1/230]، [2042 ] والبُخَارِي [1/4]، [6]).
فعلينا أن نعود أولادنا في رمضان على كل خير وأن نجنبهم ونحذرهم من كل شر.
د. بدر عبد الحميد هميسه