مهما طال الإمهال والحلم
محمد علي يوسف
لولا حِلم الله جل وعلا وعدم مؤاخذته الآنية للظالمين بظلمهم والعاصين بمعصيتهم ما ترك على ظهرها من دابةٍ ولكنه يؤخرهم..
- التصنيفات: الزهد والرقائق - تزكية النفس -
ولقد اقترن اسمه الحليم بإمساك السموات والأرض وحفظهما من الزوال: {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [غافر من الآية:41]..
فلولا حِلم الله جل وعلا وعدم مؤاخذته الآنية للظالمين بظلمهم والعاصين بمعصيتهم ما ترك على ظهرها من دابةٍ ولكنه يؤخرهم..
هذا التأخير والإمهال ليس مطلقًا إلى الأبد، ولكن المحكم من كلامه أنه يكون لأجلٍ مُسمَّى يعلمه هو سبحانه..{فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} وقليل من ينتبه..
ومهما طال الإمهال والحلم فإنه قليل المدة قصير الأجل إذا قورن بما ينتظر الظالم الباغي الذي لم يدرك أن ذلك الإمهال إنما هو فرصة ليراجع نفسه ويعود عن غيه..
ومهما عظم الإمتاع أثناء الإمهال والحلم فإن الوصف بالقليل يظل ملتصقًا به لا يفارقه، {قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة من الآية:126].
ولقد جرت العادة أن الأغنياء والأكابر لا يطيقون الإساءة ولا يصبرون أو يتمهلون في إيقاع العقوبة بمن اعتدى..
ومن كان مفتقِرًا أو محتاجًا للمسىء المتعدي لا يعد تأخيره للعقوبة حلما فربما كان لعجز واحتياج..
فلا يكون حليمًا إلا مع قدرة واستغناء ؛ قدرة على إيقاع العقوبة واستغناء عمن يوقعونها به..
وكمال ذلك الحلم هو لله جل وعلا وله المثل الأعلى..
فهو سبحانه الغني عن خلقه والخلق كلهم فقراء إليه ومع ذلك يحلم ويُمهِل..
لذا.. جاء اسمه الحليم أيضًا مقترِنًا باسمه الغني {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة:262].
فهو سبحانه مع قدرته وغناه يَحلِم على من عصاه، ويُمهِل من أساء واعتدى، بل ويُطعِم ويُسقِي ويُعافِي..
سبحانك ربي ما أحلمك..
إنه ربي..