الرقيب.. سبحانه
اسم من أسماء الله سبحانه الحسنى، من تدبر معناه استقام على الطريق خير استقامة، وتدبر في شأن خطاه وسلوكياته أيما تدبر، فتغيرت حياته وتنورت دروبه، إنه اسمه تعالى الرقيب.. فالإيمان به ينبت المراقبة في قلب المؤمن، ويجعل المرء دومًا باحثًا عن مشاعر الإحسان في القول والعمل.
- التصنيفات: الأسماء والصفات -
حديثي هنا عن اسم من أسماء الله سبحانه الحسنى، من تدبر معناه استقام على الطريق خير استقامة، وتدبر في شأن خطاه وسلوكياته أيما تدبر، فتغيرت حياته وتنورت دروبه، إنه اسمه تعالى الرقيب.. فالإيمان به ينبت المراقبة في قلب المؤمن، ويجعل المرء دومًا باحثًا عن مشاعر الإحسان في القول والعمل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولما كانت حاجة النفوس إلى معرفة ربها أعظم الحاجات، كانت طرق معرفتهم له أعظم من طرق معرفة ما سواه، وكان ذكرهم لأسمائه أعظم من ذكرهم لأسماء ما سواه" (درء تعارض العقل والنقل).
قال السعدي: "وبحسب معرفة العبد بربه يكون إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه،وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك: تدبر صفاته وأسمائه من القرآن" (تفسير الكريم الرحمن)، وقد ورد اسم الله الرقيب في القرآن ثلاث مرات، في قوله تعالى: {..وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:117]، وقوله تبارك وتعالى: {..إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، وقوله سبحانه وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبا الأحزاب
والرقيب في اللغة هوالموكل بحفظ الشيء المترصد له المتحرز عن الغفلة فيه.
فالرقيب هو الذي يراقب عباده ويطلع على خلقه، ويراهم ويسمعهم ولا يخفون عليه، بل لا تخفى عليه ضمائرهم ونياتهم، لا يخفى عليه شيء من أمورهم.
قال السعدي الرقيب: "المطلع على ما أكنته الصدور، القائم على كل نفسٍ بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير" (تيسير الكريم الرحمن).
فمن معاني الرقيب إذًا: المطلع على خلقه، الذي يرى عباده، ويعلم أقوالهم وأعمالهم، ويعلم نياتهم وخطرات قلوبهم، وخائنة أعينهم، والذي يراقب أعمالهم ويحصيها عليهم، ويرصد كسبهم، وهذه بعض من الآيات العظيمات الكريمات في معنى المراقبة، حري بنا أن نتدبرها ونتفهم معانيها..
قال سبحانه: {أم يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80].
وقال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:16-18].
وقال سبحانه: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَاماً كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:11-13].
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُورَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوسَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُومَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:7]، وقال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:61].
وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً} [الطلاق:12]، ومن معرفة ذلك تتولد المراقبة، فتعلم أنه سبحانه يراقبك في جميع حالاتك، فتحافظ على حدوده وتكون في مرضاته سبحانه وحيثما أمرك.
يقول ابن القيم: "فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته، والمراقبة هي التعبد باسمه الرقيب الحفيظ العليم السميع البصير، فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة" (مدارج السالكين)، ومن تفهم ذلك علم حلم الله سبحانه عليه، برغم مراقبته لمعاصيه وتقصيره لم يعاجله بعقوبة مع قدرته سبحانه عليه، يتيح له الفرصة للتوبة والإنابة فهوالرحيم جل شأنه.
قال السعدي: "وسبحان الحليم، الذي لا يعاجل العاصين بالعقوبة، بل يعافيهم ويرزقهم، كأنهم ما عصوه مع قدرته عليهم" (تفسير الكريم الرحمن).
خالد روشه