بدع وضلالات في البلد الحرام (2)

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -

2- شد الرحال لزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام وحكم القبة.

الخضراء فوق قبره:

قال شيخ الإسلام وقال: ثبت في الصحيحين عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا» ثم قال: ولو نذر السفر إلى قبر الخليل عليه السَّلام أو قبر النبي لم يجب الوفاء بهذا النذر بإتفاق الأئمة الأربعة، فإنّ السفر إلى هذه المواضع منهّي عنه لنهي النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم: «لا تشد الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد...» فإذا كانت المساجد الّتي هي من بيوت اللّه، الّتي أمر فيها بالصلوات الخمس، قد نهي عن السفر إليها، فإذا كان مثل هذا ينهى عن السفر إليه، فما ظنك بغيرها؟

فقد رخص بعض المتأخرين في السفر إلى المشاهد ولم ينقلوا ذلك عن أحد من الأئمة، ولا احتجوا بحجة شرعية -إلى أن قال-: وكل حديث يروى في زيارة قبر النبي فإنه ضعيف، بل موضوع، ولم يرو أهل الصحاح والسنن والمسانيد، كمسند أحمد وغيره من ذلك شيئًا، ولكن الّذي في السنن ما رواه أبو داود عن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ما من رجل يسلّم عليَّّ إلاّ ردّ اللّه عليّّ روحي حتى أرد عليه السلام»، فهو يردّ السلام على من سلم عليه عند قبره ويبلغ [إليه] سلام من سلم عليه من البعيد، كما في النسائي عنه أنّه قال: «إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغون لأمتي السلام» وفي السنن عنه أنه قال: «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة عليَّ».

وأما حديث ‏"‏من زار قبري وجبت له شفاعتي"‏‏:‏ فهذا الحديث رواه الدارقطني فيما قيل بإسناد ضعيف، ولهذا ذكره غير واحد من الموضوعات، ولم يروه أحد من أهل الكتب المعتمد عليها من كتب الصحاح والسنن والمسانيد‏.‏

وأما الحديث الآخر‏ قوله‏:‏ ‏"من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني‏"‏، فهذا لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث، بل هو موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعناه مخالف للإجماع؛ فإن جفاء الرسول صلى الله عليه وسلم من الكبائر، بل هو كفر ونفاق، بل يجب أن يكون أحب إلينا من أهلينا وأموالنا، كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏ «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين‏‏‏».‏

وأما ‏[‏زيارته‏]‏ فليست واجبة باتفاق المسلمين، بل ليس فيها أمر في الكتاب ولا في السنة، وإنما الأمر الموجود في
الكتاب والسنة بالصلاة عليه والتسليم‏.‏ فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا‏.‏ وأكثر ما اعتمده العلماء في ‏[‏الزيارة‏]‏ قوله في الحديث الذي رواه أبو داود‏:‏ ‏«ما من مسلم يُسلِّم عَلَيَّ، إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام».‏

وقد كره مالك وغيره أن يقال‏:‏ زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وقد كان الصحابة كابن عمر وأنس وغيرهما يسلمون عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، كما في الموطأ‏:‏ أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا دخل المسجد يقول‏:‏ "السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتِ‏".‏

أما شد الرحل إلى مسجده مشروع باتفاق المسلمين، كما في الصحيحين عنه أنه قال‏:‏ ‏«‏لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد‏:‏ المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا‏»‏‏.‏ وفي الصحيحين عنه أنه قال‏:‏ ‏«صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام‏»‏‏.‏ فإذا أتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسلم عليه وعلى صاحبيه، كما كان الصحابة يفعلون‏.‏

وأما إذا كان قصده بالسفر زيارة قبر النبي دون الصلاة في مسجده، فهذه المسألة فيها خلاف‏.‏ فالذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أن هذا غير مشروع، ولا مأمور به؛ وقد قسم شيخ الإسلام شد الرحال إلى مسجد النبي عليه الصلاة والسلام الى ثلاثة أقسام:

الأول: قصد المسجد للصلاة فيه قال: "فهذا مشروع بالنص والإجماع".

الثاني: إن كان لا يقصد إلا القبر ولم يقصد المسجد، قال: "فهذا مورد النزاع، ومالك والأكثرون يحرمون هذا السفر، وكثير ممن يحرمونه لا يجيزون قصر الصلاة فيه، وآخرون يجعلونه سفرًا جائزًا، وإن كان غير مستحب ولا واجب بالنذر".

والثالث: قصد المسجد أصلًا، وزيارة القبر تبعًا، فهذا قصد مستحب، ونصّ الأئمة على استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم لمن قدم من خارج المدينة كحال سائر من مرّ على قبر قريبه وصاحبه، والنبي صلى الله عليه وسلم وأعظم قدرًا.

وأما السفر إلى بقعة غير المساجد الثلاثة فلم يوجب أحد من العلماء السفر إليه إذا نذره حتى نص العلماء على أنه لا يسافر إلى مسجد قباء؛ لأنه ليس من المساجد الثلاثة مع أن مسجد قباء يستحب زيارته لمن كان في المدينة؛ لأن ذلك ليس بشد رحل كما في الحديث الصحيح: «من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان كعمرة».

قال الشيخ ابن باز: وأما تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيما} [النساء:].

{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ} أي النبي عليه الصلاة والسلام، {فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} أي تائبين نادمين لا بمجرد القول، {وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} أي: دعا لهم بالمغفرة، {لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}، فهو حث لهم، حث للعباد على أن يأتوا للنبي صلى الله عليه وسلم، يعلنوا عنده توبتهم، وليسأل الله لهم، وليس المراد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كما يظنه بعض الجهال، لا، بعد موته لا يؤتى لهذا الغرض، وإنما يؤتى للسلام عليه لمن كان في المدينة أو وصل إليها من خارجها، لقصد الصلاة في المسجد والقراءة فيه ونحو ذلك..

فإذا أتى المسجد سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه، لكن لا يشد الرحل من أجل زيارة القبر فقط، بل من أجل المسجد، وتكون الزيارة تبعًا، تكون الزيارة للقبر الشريف وقبري صاحبيه الصديق وعمر، تابعة لزيارة المسجد، وأما أن يأتي من ظلم نفسه ليتوب عند القبر، وليستغفر عند القبر فهذا لا أصل له، بل هو منكر، ولا يجوز، وهو وسيلة للشرك، وسيلة إلى أن يأتي فيسأله الشفاعة، أو يسأله شفاء المريض، أو كذا أو كذا، أو يسأله أن يدعو له، وهذا لا يجوز؛ لأن هذا ليس من خصائصه عليه الصلاة والسلام بعد وفاته، ولا من خصائص غيره، فكل من مات لا يدعى ولا يطلب منه الشفاعة، لا النبي عليه الصلاة والسلام ولا غيره:
 
أولًا: تاريخ القبة الخضراء:

لم تكن القبة التي على قبر النبي صلى الله عليه وسلم موجودة إلى القرن السابع، وقد أُحدث بناؤها في عهد السلطان قلاوون، وكان لونها أولًا بلون الخشب، ثم صارت باللون الأبيض، ثم اللون الأزرق، ثم اللون الأخضر، واستمرت عليه إلى الآن. قال الأستاذ علي حافظ حفظه الله: "لم تكن على الحجرة المطهرة قبة، وكان في سطح المسجد على ما يوازي الحجرة حظير من الآجر بمقدار نصف قامة تمييزًا للحجرة عن بقية سطح المسجد.

والسلطان قلاوون الصالحي هو أول من أحدث على الحجرة الشريفة قبة، فقد عملها سنَة 678هـ، مربَّعة من أسفلها، مثمنة من أعلاها بأخشاب، أقيمت على رؤوس السواري المحيطة بالحجرة، وسمَّر عليها ألواحًا من الخشب، وصفَّحها بألواح الرصاص، وجعل محل حظير الآجر حظيرًا من خشب. وجددت القبة زمن الناصر حسن بن محمد قلاوون، ثم اختلت ألواح الرصاص عن موضعها، وجددت، وأحكمت أيام الأشرف شعبان بن حسين بن محمد سنة 765هـ، وحصل بها خلل، وأصلحت زمن السلطان قايتباي سنة 881هـ.

وقد احترقت المقصورة والقبة في حريق المسجد النبوي الثاني سنة 886هـ، وفي عهد السلطان قايتباي سنة 887هـ جُدِّدت القبة، وأسست لها دعائم عظيمة في أرض المسجد النبوي، وبنيت بالآجر بارتفاع متناه بعد ما تم بناء القبة بالصورة الموضحة: تشققت من أعاليها، ولما لم يُجدِ الترميم فيها: أمر السلطان قايتباي بهدم أعاليها، وأعيدت محكمة البناء بالجبس الأبيض، فتمت محكمةً، متقنةً سنة 892هـ.

وفي سنة 1253هـ صدر أمر السلطان عبد الحميد العثماني بصبغ القبة المذكورة باللون الأخضر، وهو أول من صبغ القبة بالأخضر، ثم لم يزل يجدد صبغها بالأخضر كلما احتاجت لذلك إلى يومنا هذا وسميت بالقبة الخضراء بعد صبغها بالأخضر، وكانت تعرف بالبيضاء، والفيحاء، والزرقاء" انتهى (فصول من تاريخ المدينة المنورة؛ علي حافظ، ص: [127-128]).

ثانيًا: حكمها:

وقد أنكر أهل العلم المحققين -قديمًا وحديثًا- بناء تلك القبة، وتلوينها، وكل ذلك لما يعلمونه من سد الشريعة لأبواب كثيرة خشية الوقوع في الشرك. ومن هؤلاء العلماء:

1- قال الصنعاني رحمهُ اللهُ في (تطهير الاعتقادِ): "فإن قلت: هذا قبرُ الرسولِ صلى اللهُ عليه وسلم قد عُمرت عليه قبةٌ عظيمةٌ انفقت فيها الأموالُ. قلتُ: هذا جهلٌ عظيمٌ بحقيقةِ الحالِ، فإن هذه القبةَ ليس بناؤها منهُ صلى اللهُ عليه وسلم، ولا من أصحابهِ، ولا من تابعيهم، ولا من تابعِ التابعين، ولا علماء الأمةِ وأئمة ملتهِ، بل هذه القبةُ المعمولةُ على قبرهِ صلى اللهُ عليه وسلم من أبنيةِ بعضِ ملوكِ مصر المتأخرين، وهو قلاوون الصالحي المعروف بالملكِ المنصورِ في سنةِ ثمانٍ وسبعين وست مئة، ذكرهُ في (تحقيقِ النصرةِ بتلخيصِ معالمِ دارِ الهجرةِ)، فهذه أمورٌ دولية لا دليليةٌ" انتهى.

2- وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هناك من يحتجون ببناء القبة الخضراء على القبر الشريف بالحرم النبوي على جواز بناء القباب على باقي القبور، كالصالحين، وغيرهم، فهل يصح هذا الاحتجاج أم ماذا يكون الرد عليهم؟ فأجابوا: "لا يصح الاحتجاج ببناء الناس قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم على جواز بناء قباب على قبور الأموات، صالحين، أو غيرهم؛ لأن بناء أولئك الناس القبة على قبره صلى الله عليه وسلم حرام يأثم فاعله؛ لمخالفته ما ثبت عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع تمثالًا إلا طمستَه، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته. وعن جابر رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصَّص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه" (رواهما مسلم في صحيحه)..

فلا يصح أن يحتج أحد بفعل بعض الناس المحرم على جواز مثله من المحرمات؛ لأنه لا يجوز معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول أحد من الناس أو فعله؛ لأنه المبلغ عن الله سبحانه، والواجب طاعته، والحذر من مخالفة أمره؛ لقول الله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر من الآية:7]. وغيرها من الآيات الآمرة بطاعة الله وطاعة رسوله؛ ولأن بناء القبور، واتخاذ القباب عليها من وسائل الشرك بأهلها، فيجب سد الذرائع الموصلة للشرك" انتهى..

الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد الرزاق عفيفي. الشيخ عبد الله بن قعود.

(فتاوى اللجنة الدائمة: [9/ 83-84]).

3- وقال علماء اللجنة الدائمة -أيضًا-: "ليس في إقامة القبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم حجة لمن يتعلَّل بذلك في بناء قباب على قبور الأولياء والصالحين؛ لأن إقامة القبة على قبره: لم تكن بوصية منه، ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم، ولا من التابعين، ولا أحد من أئمة الهدى في القرون الأولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير، إنما كان ذلك من أهل البدع، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»، وثبت عن علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهياج: "ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألاَّ تدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته" (رواه مسلم)..

فإذا لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم بناء قبة على قبره، ولم يثبت ذلك عن أئمة الخير، بل ثبت عنه ما يبطل ذلك: لم يكن لمسلم أن يتعلق بما أحدثه المبتدعة من بناء قبة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم" انتهى..

الشيخ عبد العزيز بن باز. الشيخ عبد الرزاق عفيفي. الشيخ عبد الله بن غديان. الشيخ عبد الله بن قعود.

(فتاوى اللجنة الدائمة: [2/ 264-265]).

4- وقال الشيخ شمس الدين الأفغاني رحمه الله: "قال العلامة الخجندي [1379هـ] مبيِّنًا تاريخ بناء هذه القبة الخضراء المبنية على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، محققًا أنها بدعة حدثت بأيدي بعض السلاطين، الجاهلين، الخاطئين، الغالطين، وأنها مخالفة للأحاديث الصحيحة المحكمة الصريحة؛ جهلًا بالسنَّة، وغلوًّا وتقليدًا للنصارى، الضلال الحيارى: اعلم أنه إلى عام [678هـ] لم تكن قبة على الحجرة النبوية التي فيها قبر النبي صلى الله عليه وسلم؛ وإنما عملها وبناها الملك الظاهر المنصور قلاوون الصالحي في تلك السنة [678هـ]، فعملت تلك القبة. قلت: إنما فعل ذلك لأنه رأى في مصر والشام كنائس النصارى المزخرفة فقلدهم جهلًا منه بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته؛ كما قلدهم الوليد في زخرفة المسجد، فتنبه، كذا في (وفاء الوفاء)..

اعلم أنه لا شك أن عمل قلاوون هذا: مخالف قطعًا للأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكن الجهل بلاء عظيم، والغلو في المحبة والتعظيم وباء جسيم، والتقليد للأجانب داء مهلك؛ فنعوذ بالله من الجهل، ومن الغلو، ومن التقليد للأجانب" انتهى (جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية).
 
ثالثًا: سبب عدم هدمها:

فقد بَيَّن العلماء الحكم الشرعي في بناء القبة، وأثرها البدعي واضح على أهل البدع، فهم متعلقون بها بناءً ولونًا، ومدحهم وتعظيمهم لها نظمًا ونثرًا كثير جدًّا، ولم يبق إلا تنفيذ ذلك من ولاة الأمر، وليس هذا من عمل العلماء. وقد يكون المانع من هدمها درءً للفتنة، وخشيةً من أن تحدث فوضى بين عامة الناس وجهلتهم، وللأسف فإن هؤلاء العامة لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من تعظيم تلك القبَّة إلا بقيادة علماء الضلالة وأئمة البدعة، وهؤلاء هم الذي يهيجون العامة على بلاد الحرمين الشريفين، وعلى عقيدتها، وعلى منهجها، وقد ساءتهم جدًّا أفعالٌ كثيرة موافقة للشرع عندنا، مخالفة للبدعة عندهم!

وبكل حال: فالحكم الشرعي واضح بيِّن، وعدم هدمها لا يعني أنها جائزة البناء لا هي ولا غيرها على أي قبر كان. قال الشيخ صالح العصيمي حفظه الله: "إن استمرارَ هذه القبةِ على مدى ثمانيةِ قرونٍ لا يعني أنها أصبحت جائزة، ولا يعني أن السكوتَ عنها إقرارٌ لها، أو دليلٌ على جوازها، بل يجبُ على ولاةِ المسلمين إزالتها، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه في عهدِ النبوةِ، وإزالة القبةِ والزخارفِ والنقوشِ التي في المساجدِ، وعلى رأسها المسجدُ النبوي، ما لم يترتب على ذلك فتنةٌ أكبر منه، فإن ترتبَ عليه فتنةٌ أكبر، فلولي الأمرِ التريث مع العزمِ على استغلالِ الفرصة متى سنحت" (بدعِ القبورِ: أنواعها، وأحكامها، ص: [253]).

 

أحمد آل هداف

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام