(30) اسم الله العظيم
هاني حلمي عبد الحميد
العظيم في اللغة: صفة مشبهة لمن اتصف بالعظمة، والعظمة: معناها الكبر والاتساع وعلو الشأن والارتفاع، يقال: عَظُمَ أي كبر واتسع وعلا شأنه وارتفع، والعظم خلاف الصغر، والتعظيم معناه التبجيل والعظمة والكبرياء..
- التصنيفات: الأسماء والصفات -
ورد هذا الاسم تسع مرات في القرآن الكريم من ذلك قول الله تعالى: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255]، وقوله تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129]، وقوله: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل من الآية:26]، ومنه كذلك قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة من الآية:74].
والعظيم في اللغة: صفة مشبهة لمن اتصف بالعظمة، والعظمة: معناها الكبر والاتساع وعلو الشأن والارتفاع، يقال:عَظُمَ أي كبر واتسع وعلا شأنه وارتفع،. والعظم خلاف الصغر، والتعظيم معناه التبجيل والعظمة والكبرياء.
كل هذه معان تراعى في اسمه تعالى العظيم، وفي معنى التعظيم يأتي اسمه تعالى الكبير وكذا اسمه الواسع وكذا يأتي معنى التبجيل لله سبحانه وتعالى، أما في حق العبد فإن العظمة مذمومة، ففي الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته، لقى الله وهو عليه غضبان»، لأنه نازع الله تعالى في صفة استأثر بها نفسه.
معنى الاسم في حق الله تعالى:
- العظيم هو الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه، فله سبحانه وتعالى صفة العظمة في كل شيء، فهو عظيم في ذاته، عظيم في أفعاله، عظيم في صفاته وكل ما كان من دونه سبحانه وتعالى فصغير"، لو ملأ قلبك بهذه فإنها تحفظك أن تخاف ما سواه سبحانه، ولم تخاف وليس في الكون عظيم غيره؟ فلا يعظم أحد مثله فهو وحده ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه.
- قال الأصفهاني: "العظمة صفة من صفات الله لا يقوم لها خلق، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضًا، فمن الناس من يعظم لمال، ومنهم من يعظم لفضل، ومنهم من يعظم لعلم،ومنهم من يعظم لسلطان، ومنهم من يعظم لجاه، وكل واحد من الخلق إنما يعظم بمعنى دون معنى؛ أما الله عز وجل فيعظم في الأحوال كلها".
- ويقول ابن الأثير: "العظيم معناه الذي جاوز قدره عز وجل حدود العقول فلا تدركه الأبصار، ولا تدركه العقول حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته"، فالله عظيم لدرجة لا يستوعبها عقلك القاصر الذي ليس بعظيم لذا فهو لا يستوعب معرفة عظمة الله عزوجل، فهو محدود مهما راح وغدا.
إذا الله سبحانه وتعالى عظيم في كل شيء..
من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن عظم الكرسي، ففي صحيح ابن حبان والحديث صححه الألباني من حديث أبى ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة..»، وفي بعض الأحاديث تفصيل أن الأرض وما فيها كحلقة في فلاة بالنسبة للسماء الدنيا، نعم الأرض بما فيها من مجرات ونجوم كلها تساوي حلقة في صحراء بالنسبة للسماء الدنيا، وهكذا إلى أن تصل إلى السماء السابعة ثم السموات السبع بما فيها كحلقة في فلاة بالنسبة للكرسي! وهكذا تظل تتفكر بخيالك حتى تصل إلى مرحلة العجز عن الإدراك لشدة العظمة، وهذا هو عين الإدراك.
وصح عن ابن عباس موقوفًا أنه قال: "الكرسي موضع القدمين لله" والعرش لا يقدر قدره إلا الله سبحانه، فإذا كان عرشه قد وصف بالعظمة وخصه بالإضافة إليه والاستواء عليه قال تعالى: {الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ} [طه:5]، فما بالك بعظم وعظمة من استوى عليه وعلا فوقه؟! سبحانه.. سبحانه.
يقول ابن القيم رحمه الله في الفوائد: "أنزه المخلوقات وأوسعها وأعظمها وأكبرها الكرسي..
أعظم خلق الله لأنه آثره الله تعالى بعلوه، وكلما كان شيء من خلق الله أقرب كلما كان أرفع"، ثم قال رحمه الله: "وقلب المؤمن محل لعلو المثل الأعلى، والمثل الأعلى هو معرفته ومحبته وإرادته سبحانه! لذلك أعظم خلق الله الكرسي وأعظم ما يملك الإنسان قلبه لأنه محل لمعرفة الله وإرادته ومحبته".
الشاهد: أنه يقول أن أنزه المخلوقات وأعظمها الكرسي، وهذا يناسب أن آية الكرسي في القرآن ختمت باسمه العظيم.
الدعاء باسم الله العظيم:
ورد هذا الاسم مقرونًا باسمه العلي، وورد الدعاء بالوصف في بعض الأحاديث من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم اجعل في قلبي نورًا وفي بصري نورًا وفي سمعي نورًا وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا ومن فوقي نورًا وتحتي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا وعظم لي نورًا».
وفي لفظ عند أبي داوود: «اللهم وأعظم لي نورًا».
وورد كذا في أذكار الصباح والمساء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: « ».
وروى النسائي وصححه الألباني قال: "كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستر ورأسه معصوب في مرضه الذي مات فيه فقال: «اللهم قد بلغت ثلاث مرات اللهم قد بلغت اللهم قد بلغت، إنه لم يبقى من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له، ألا إني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود فإذا ركعتم فعظموا ربكم وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فانه قمن -أي: حرى أو أولى- أن يستجاب لكم».
وهنا لفتة: فهذا موقف للنبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته، رغم شدة مرضه لا يسكت عن الدعوة وفي مسائل المفترض أنه قد رسخها في أتباعه وعاشوا عليها، فلقد صلى معه الصحابة ما يقارب العشر سنوات ويعرفون الركوع والسجود وما يقولون فيه، ولكنه صلى الله عليه وسلم يؤكد على المعالم، يؤكد على الاقتداء به: «صلوا كما رأيتموني أصلى» (صحيح البخاري:631)، حتى لا يلتبس الأمر على الناس فيأتي من يقول نقرأ في الركوع والسجود بدلا من التسبيح.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا دعى أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسالة وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه» (صحيح مسلم:2679)، ورد كذلك الدعاء بمقتضى هذا الاسم فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام يضطجع على شقه الأيمن ويقول: «اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان...» إلى أن يقول صلى الله عليه وسلم: «...اقض عنا الدين واغننا من الفقر» (صحيح مسلم:2713).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم صحابته الاستخارة في الأمور ومن ذلك أن تقول: "وأسالك من فضلك العظيم" فهو يدعو بصفة من صفات الله سبحانه أنه ذو الفضل العظيم، وكذلك الحديث في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إذا كان على أحدكم إمام يخاف تغطرسه -يخاف ظلمه- فليقل اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم، كن لي جارًا من فلان بن فلان وأحزابه من خلقائك أن يفرط على أحد منهم أو يطغى، عز جارك وجل ثناءك ولا إله إلا أنت».
روى ابن ماجه وصححه الألباني من حديث أسماء بنت يزيد أنها قالت: "لما توفى ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المعزى إما أبى بكر وإما عمر أنت أحق من عظم الله حقه.." كأنهم تعاظموا أن يبكي النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: "أنت أحق من عظم الله حقه" فقال: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب لولا أنه وعد صادق وموعود جامع وأن الآخر تابع للأول لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا بك لمحزونون».
حظ المؤمن من هذا الاسم:
لا شك أن اعتقاد العبد بأن الله سبحانه وتعالى عظيم هذا يورثه شيء من الاطمئنان لأنه حين يشعر أن ربنا هو العظيم كما قلنا وما دونه حقير لا يساوى شيئا فإنه لا يأبه بأي ضغوط ولا يخاف شيء.
الأمر الثاني قاله ابن القيم في (الوابل الصيب): "أن العبد إذا أراد أن يكون له حظ من اسم الله العظيم فينبغي أن يعظم أمره ونهيه"، قال رحمه الله: "فعلامة تعظيم الآمر الناهي تعظيم الأمر والنهي، ومن هذا أن لا يترخص ترخصًا جافيًا يخرجه عن حد التعظيم"، ومثاله ما شرع من الإبراد في شدة الحر، وهو تأخير صلاة الظهر عن وقتها قليلاً اتقاء حر الشمس ورفعًا للمشقة على الناس، فبدلاً من أن تصلى في الثانية عشر ظهرًا تصلى في الواحدة أو الواحدة والنصف، رخصة من الله لعبادة.. فيأتي أحدهم ويترخص ترخصًا جافيًا فيصليها قبل العصر بقليل بحجة شدة الحر. فهنا يخرج عن حد التعظيم، لأن تعظيم الله عز وجل يوجب على العبد الامتثال للأمر والنهي ابتداءً وسرعة الاستجابة، ثم إتيان الأمر على مراد الله ولا يخرجه عن حد الاعتدال، يعني لا يترخص ولا يغلو.
قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91]، فالله سبحانه وتعالى مهما بالغت في العبادة له لا تفي له بأدنى شيء، لذا ينبغي على العبد أن يستقصى جهده وتعلو همته في البذل لكي يصل إلى ربه، فيكون تعظيم الله سبحانه وتعالى دافعا له على ذلك.
منها كذلك إذا كان هو يرى الله بعين العظم والإكبار يرى نفسه بعين الذل والانكسار والافتقار.
لذلك سبحان ربي العظيم مناسبة جدًا للركوع، سبحان فيها تنزيه له سبحانه عن النقص والإقرار لنفسي به، وربي فيها معنى المحبة، ثم العظيم فيها الإعظام والإكبار، فيتحقق في سبحان ربي العظيم معاني العبودية: (ذل تام، وحب تام) على جهة التعظيم والإكبار والإجلال.
- ومن تعظيم الله الإكثار من ذكره والبدء باسمه دائما في كل شيء كما بدأ به سبحانه كتابه.
فيستحب أن يسمي الإنسان في جميع أموره لا سيما في البيوت، ولا سيما حين انكشاف العورات، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدُهم الخلاءَ أن يقول العبد بسم الله» (صححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح:343)، فالشيطان يخنس ويصغر عند ذكر الله لأنه لا يعظم مع اسم الله شيء، والمفترض أن قلبك كذلك يخضع وينكسر لما يذكر عنده اسم الله، فلا يعظم مع اسم الله شيء!
- من تعظيمه سبحانه أن يطاع نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله قال: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:80].
فمن أطاع الرسول فقد أطاع المرسل ومن عصاه فقد عصى الله. قال الله " لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ "الفتح: أي أن تعظموه وتعطوه قدره -صلى الله عليه وسلم- فلا ينبغي بأي حال ابتداء أن ينادى النبي صلى الله عليه وسلم كما ينادى غيره ولا ينبغي بحال أن تكون مكانة النبي صلى الله عليه وسلم توازى في قلبك مكانة أي أحد آخر فالله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وهذا يحتاج إلى معايشة معه صلى الله عليه وسلم من خلال سيرته.
فمن يتعايش معه ومع صفاته يكبره ويعظمه ويجله.
- من تعظيم الله أن يعظم كلامه.. تعظيم القرآن..
فعليك بمعرفة آدابه قراءة وحملاً، اقرأ آداب حملة القرآن للإمام النووي، و(التبيان في آداب حملة القرآن) وللآجوري، واقرأ كذلك (مقدمة تفسير القرطبي) في المبحث الخاص آداب تعلم القرآن، لتعرف كيف تعظم القرآن وتتعامل معه، فالقرآن له عظمة وتعظيمه من تعظيم الله عزوجل.
- من تعظيم الله كذلك تعظيم الشعائر..
ما عظمه الله يجب أن يعظم عندك، ونذكر قول الله تعالى في سورة الحاقة لما تكلم عن أهل الشمال أعاذنا الله منهم وإياكم: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ . يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ . مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ . خُذُوهُ فَغُلُّوهُ . ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ . ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ . إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:25-33]، أي أنه لم يكن يعظم ما نعظم، فإذا كان الله سبحانه يعظم شأن بعض الأيام كالعشر من ذي الحجة فينبغي أن تعظم في قلبك..
وإذا كان لرمضان مزية عن باقي الشهور فينبغي أن يعظم في قلبك، وإذا كان للأشهر الحرم مزية عن غيرها من الشهور فينبغي أن تعظم، وهكذا لذلك قال الله تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢]، فمن تعظيمه تعظيم شعائره لاسيما ما عظم في شرعنا وعلى رأسها الصلاة.
- ومن تعظيم الله كذلك أن تجتنب النواهي يقول الله: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} [الحج:30 ]، لأنك ما وقعت في النهي إلا لما هان الله في قلبك، والأصل أنك قد هنت عنده فوكلك إلى نفسك ومن يهن الله فماله من مكرم. ولو كان لله في قلبك من التعظيم ما وقعت.
- من تعظيم الله تعالى الغيرة له..
أن تغار لله، فالله يغار وغيرة الله أن تنتهك محارمه، فتغار وأنت ترى انتهاك حرمات الله سبحانه وتعالى، وينكر قلبك ولا يخلو حال العبد من أسف وندم على هذا الانتهاك. إذا كان يؤمن أن الله عظيم فيغار لله سبحانه وتعالى.