(11) نمط السحرة

محمد علي يوسف

إن جريمة ساحر الطاغية لهي أشد وطأة عندي من جريمة الطاغية.. ذلك بأن الطاغية قد يُطاع خوفًا من سيفه، ورهبةً من سوطه، وانبطاحًا أمام جبروته.. لكن ذلك كله قد يزول لحظة انهيار حاجز الخوف، وتمكُّن الإيمان من القلوب حتى تعلم أنه لن يُصيب أصحابها إلا ما كتبَ الله لهم؛ فيرفعون رؤوسهم في وجوه الظالمين، ويصدعون بالحق غير خائفين لوم اللائمين، وبطش الطاغين والجبَّارين ما دام في ذات الله ربّ العالمين..

  • التصنيفات: الآداب والأخلاق -

ولا بُدَّ للطغاة من نمطٍ مهمٌ جدًا لا يستغني عنه ظالم ولا يزهد فيه مُستبِد.. إنه نمط السحرة!

لا بُدَّ لهم من سحرةٍ يُزيِّنون باطلهم، ويُحسِنون فسادهم وإفسادهم، ويُجمِّلون بغيهم، ويُشرعِنون بطشهم، ويسوقون باطلهم!

قد كان لصاحب الأخدود ساحره الذي طالما خدع الناس بألاعيبه وحِيلِه ليُعَبِّدهم لمليكه!

وكان لفرعون سحرته الذين طالما جمعهم ليسحروا أعين الناس ويسترهبوهم! ولطالما فعلوا وجاءوا بسحرٍ عظيم..

وإن جريمة ساحر الطاغية لهي أشد وطأة عندي من جريمة الطاغية..

ذلك بأن الطاغية قد يُطاع خوفًا من سيفه، ورهبةً من سوطه، وانبطاحًا أمام جبروته.. لكن ذلك كله قد يزول لحظة انهيار حاجز الخوف، وتمكُّن الإيمان من القلوب حتى تعلم أنه لن يُصيب أصحابها إلا ما كتبَ الله لهم؛ فيرفعون رؤوسهم في وجوه الظالمين، ويصدعون بالحق غير خائفين لوم اللائمين، وبطش الطاغين والجبَّارين ما دام في ذات الله ربّ العالمين..

لكن الساحر حين يُزيِّن البغي، ويُشرعِن العدوان، ويُجمِّل الفساد فإنه بذلك يصنع حالة من اللامبالاة، والتنطُّع والاستسلام الطوعي؛ بل والاقتناع والسعادة.. وربما الانبهار بصنيع الطواغيت ويرسخ تعظيمًا لهم في نفوس الناس حتى يستمرئون الذل ويتلذَّذون بالهوان..

باختصار.. الساحر يصنع جيلًا ممسوخًا من المقتنعين بقمع النار والحديد، بل ومن المطالبين بالمزيد والمزيد والفرحين بأنهم للطواغيت عبيد..

وليس صوابًا التهوين من شأن سحرة المستبدِّين وسحرهم، ولقد وصفه ربنا في كتابه بأنه عظيم {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف من الآية:116].

لكن مهما بلغت عظمة سحرهم وقوة خداعهم وحِدَّة مكرهم؛ فإن الله سيُبطِله؛ ذلك لأن أصل سحرهم كذب واسترهاب وجذوره بطلان وضلال، وحقيقته تسويغٌ لطغيانٍ وظلمٍ واستبداد، وكل ذلك جماعه الفساد والإفساد، والله لا يحب الفساد..

ولقد بيَّن في كتابه مآل ذلك على لسان نبيه موسى عليه السلام قائلًا: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس من الآية:81].

ويتنوَّع السحر حسب الزمان والمكان، وليس كل السحر حبالًا وعِصيًّا أو تعاويذ وأعمال؛ بل «إن من البيان لسحرا»[1] كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولتعرِفنَّ أهل ذلك السحر في لحن قولهم، وتزيين أكاذيبهم..!

وإن الساحر ليتقنع بشتى أنواع الأقنعة، ويتدثر بمختلف الهيئات والأغلفة التي تُخفي زيفه وتستر حقيقته..

فما بين قناع مثقف، وعباءة نخبوي، وأصباغ غانية، وطلاقة لسانٍ سياسي مُفوَّه، وعِمامة شيخ سلطان، وإمام ضلالة وبُهتان يتخفَّى سحرة العصر!

فلا تغرنَّك يومًا أقنعتهم، ولا تخدعنَّك أستارهم ودثارهم، وزيف سمتهم وانظر دومًا إلى حقيقتهم..

حقيقة أنهم يشغلون ذالكم المنصب المهم.. منصب سحرة الطاغية..!

وأنهم مهما تقنَّعوا أو تنخَّبوا أو تثقَّفوا أو حتى تعمَّموا وتسنَّنوا ظاهرًا؛ فإن قولهم وفعلهم ومآل صنعهم يثبت لك دائمًا أنهم مجرد سحرة..

ــــــــــــــــــــــ

[1]- (رواه البخاري).

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام