مقتطفات من الدرر السنية (7)

الإيمان ليس بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل

** لما افتخر المسلمون وأهل الكتاب أنزل الله قوله تعالى: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به}. [النساء من الآية:123]

أي ليس لكم ولا لهم النجاة بمجرد التمني بل السرعة بطاعة الله سبحانه واتباع ما شرعه على ألسنة الرسل الكرام ولهذا قال بعده: {من يعمل سوءا يجز به} [النساء من الآية:123] كقوله: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة الاية:7-8] وقد روي أن هذه الآية لما نزلت شق ذلك على كثير من الصحابة قال الإمام أحمد: حدثنا عبدالله بن نمير حدثنا إسماعيل عن أبي بكر بن أبى زهير قال: أخبرت أن أبا بكر رضي الله عنه قال: يا رسول الله كيف الفلاح بعد هذه الآية ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به فكل سوء عملناه جزينا به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست تنصب ألست تحزن ألست تصيبك اللأواء» " قال بلى قال " «فهو مما تجزون به».


فهذه المصيبات التي تصيب المسلم في الدنيا تكفرعنه سيئاته فإن بقى عليه ذنوب عوقب بها في الاخرة أو يغفر الله له إن شاء.


** أما الكافر فما يصيبه في الدنيا من مصائب فهي عقاب له في الدنيا قبل عذاب الاخرة.

قد يصدر الشرك من المؤمن وهو لا يدري مع كونه مجتهدًا في اتباع أمر الله و الرسول وقد صدر من بعض الصحابة أشياء من هذا الباب كحلفهم بآبائهم  وحلفهم بالكعبة  وقولهم ما شاء الله وشاء محمد وقولهم اجعل لنا ذات أنواط ؛ ولكن إذا بان لهم الحق اتبعوه ولم يجادلوا بالباطل حمية الجاهلية لمذهب الأباء والأجداد والعادات
أما الذي يفعل من الشرك الأمور العظام فإذا تليت عليه آيات الله استكبر عنها،  ولم يخضع لها ولم يتبعها كما فعل الصحابة واتبعوها فليس هذا بالمسلم.

** التصنع للمخلوق الذي هو الرياء كثير جدًا في هذه الأمة في كثير من العبادات ولا يفطن له صاحبه وهو أخفى من دبيب النمل وهو الشرك الخفي  مثل أن يزين الرجل صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه ومن يعظم قدر الله لا يرائي الناس.
 أما خوف المخلوق الذي يحمل العبد على ترك ما فرض الله أو فعل ما حرم الله خوفأ من ذلك المخلوق، والذي يرجو المخلوق فيجعله ذلك يخرج عن التوكل على الله والثقة بوعده. 
فكل هذا قد يكون شرك أصغر أو شرك أكبر  وهذا يختلف باختلاف الأحوال، فقد يتصنع لمخلوق فيخافه ويرجوه فيدخل في الشرك اﻷصغر وقد يتوغل فيه حتى يصل إلى الشرك اﻷكبر.

** عن ابن مسعود مرفوعًا: «الطيرة شرك الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل». (سنن الترمذي؛برقم:1614)
 هذا الحديث رواه أيضًا ابن ماجة وابن حبان ولفظ أبي داود: «الطيرة شرك الطيرة شرك ثلاثًا». (سنن الترمذي؛ برقم:1614)


قوله: "الطيرة شرك"، صريح في تحريم الطيرة وأنها من الشرك لما فيها من تعلق القلب على غير الله . ولكن منها ما لا إثم فيه وهي التي يذهبها الله تعالى بالتوكل عليه فإذا وقع في القلب شئ من التشاؤم وكرهه المسلم ولم يعمل به وخالفه لم يضره ذلك.


** ولأحمد من حديث ابن عمرو «من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك قالوا: فما كفارة ذلك قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك». (مسند أحمد؛برقم:220)
  وذلك أن التطير هو التشاؤم بالشيء المرئي أو المسموع فإذا استعملها الإنسان فرجع بها عن سفره، وامتنع بها عما عزم عليه، فقد قرع باب الشرك، بل ولجه وبرئ من التوكل على الله، وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق بغير الله، وذلك قاطع له عن مقام  {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة الآية:5] فيصير قلبه متعلقًا بغير الله، وذلك شرك.

** يقول صلى الله عليه وسلم: «أربع في أمتي من أمور الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن بالأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة».  (صحيح مسلم؛ برقم:934)
فخر الإنسان بحسبه وأجداده وآباءه منهي عنه لأن فخر الإنسان بعمله منهي عنه فكيف بفخره بشئ ليس من عمله.