(6) الجزء السادس

محمد بن صالح العثيمين

فتاوى العلامة الشيخ ابن عثيمين عن الصيام مجمعة..

  • التصنيفات: فقه الصيام -

هناك بعض الناس يقدمون من مناطق مختلفة ليعتكفوا العشر الأواخر من رمضان في المسجد الحرام، ولكنهم يتركون السنن الرواتب أرجو التفصيل والله يحفظكم؟

فأجاب فضيلته بقوله: في الحقيقة أن الإنسان إذا منّ الله عليه أن يصل إلى هذا المسجد فإنه ينبغي له أن يكثر من الصلاة، سواء كانت من الصلاة المشروعة، أو من الصلوات الأخرى الجائزة، والإنسان الذي يكون في هذا المكان أمامه النوافل المطلقة يعني إذا قلنا: إن المسافر لا يصلي راتبة الظهر، ولا راتبة المغرب، ولا راتبة العشاء فليس معنى ذلك أن نقول: لا تصلي أبداً بل نقول: صلِّ وأكثر من الصلاة، والصلاة خير موضوع، وهي كما قال عز وجل: {إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت من الأية:45]، ولهذا نحن نحث إخواننا على أن يكثروا من النوافل والصلاة في هذا المسجد وإن كانوا مسافرين، لأن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يمنعه السفر من أن يتطوع بالصلاة، بل كان عليه الصلاة والسلام يدع سنة الظهر، وسنة العشاء، وسنة المغرب، وباقي النوافل باقية على استحبابها، وحينئذ لا يكون في المسألة إشكال [166/20].

* * *

 

هل يضاعف أجر الصوم في مكة كما حصل في أجر الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: جوابنا على هذا السؤال أن نقول: الصلاة في مكة أفضل من الصلاة في غيرها بلا ريب، ولهذا ذكر أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينما كان مقيماً في الحديبية في غزوة الحديبية كان في الحل، ولكنه يصلي داخل أميال الحرم، وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم أي داخل أميال الحرم أفضل من الصلاة في الحل، وذلك لفضل المكان، وقد أخذ العلماء من ذلك قاعدة قالوا فيها: "إن الحسنات تضاعف في كل مكان أو زمان فاضل" كما أن الحسنات تتضاعف باعتبار العامل كما ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (صحيح البخاري: [3673]).

 

إذاً فالعبادات تتضاعف باعتبار العامل، وباعتبار الزمان والمكان، كما تختلف أيضاً في ثوابها باعتبار جنسها وهيئتها. وقد أخذ أهل العلم من ذلك أن الصيام يضاعف في مكة، ويكون أفضل من الصيام في غيرها، وذلك لشرف مكانه، على أن الصيام إمساك وليس بعمل يحتاج إلى زمان ومكان، سوى الزمان الذي شرع فيه وهو من طلوع الفجر الثاني إلى مغيب الشمس، وقد ورد في حديث عند ابن ماجه بسند ضعيف "أن من صام رمضان بمكة وقام ما تيسر منه كتب له أجر مئة ألف رمضان" وهذا إسناده ضعيف، ولكنه يستأنس به، ويدل على أن صوم رمضان في مكة أفضل من صومه في غيرها [167/20].

* * *

هل تتضاعف السيئات في مكة وما كيفية مضاعفتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: المضاعفة في مكة بالنسبة للسيئات ليست من ناحية الكمية، ولكنها تتضاعف من ناحية الكيفية، بمعنى أن العقوبة تكون أشد وأوجع، والدليل أنها لا تضاعف كمية قوله تعالى: {مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى" إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [الأنعام:160]، وهذه الآية مكية، لأنها في سورة الأنعام، لكن كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج:25]، يعني أن إيلام العقوبة في مكة أشد من إيلام العقوبة إذا فعلت هذه المعصية خارج مكة. وفي هذا التحذير الشديد من المعاصي في مكة [169/20].

* * *

 

متى يبتدىء الاعتكاف؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: جمهور أهل العلم على أن ابتداء الاعتكاف من ليلة إحدى وعشرين لا من فجر إحدى وعشرين، وإن كان بعض العلماء ذهب إلى أن ابتداء الاعتكاف من فجر إحدى وعشرين مستدلاًّ بحديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري: "فلما صلى الصبح دخل معتكفه" لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام انفرد من الصباح عن الناس، وأما نية الاعتكاف فهي من أول الليل، لأن العشر الأواخر تبتدىء من غروب الشمس يوم عشرين [169/20].

* * *

 

متى يخرج المعتكف من اعتكافه أبعد غروب شمس ليلة العيد أم بعد فجر يوم العيد؟
فأجاب فضيلته بقوله: يخرج المعتكف من اعتكافه إذا انتهى رمضان، وينتهي رمضان بغروب الشمس ليلة العيد [170/20].

* * *

هل يجوز للمعتكف أن يذهب إلى منزله لتناول الطعام والاغتسال؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للمعتكف أن يذهب إلى منزله لتناول الطعام إذا لم يكن عنده من يحضر الطعام إليه، فإن كان عنده من يحضر الطعام إليه في المسجد فإنه لا يخرج، لأن المعتكف لا يخرج إلا لأمر لا بد له منه.
وأما الاغتسال فإن كان من جنابة وجب عليه أن يخرج، لأنه لا بد من الاغتسال، وإن كان عن غير جنابة للتبرد فلا يخرج، لأن هذا أمر له منه بد، وإن كان لإزالة رائحة يشق عليه بقاؤها فله الخروج، فصار الخروج للاغتسال ثلاثة أقسام: واجباً، وجائزاً، وممنوعاً [178/20].

* * *

شخص عليه التزامات لأهله فهل الأفضل له أن يعتكف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاعتكاف سنة وليس بواجب، ومع ذلك إذا كان على الإنسان التزامات لأهله فإن كانت الالتزامات واجبة عليه وجب عليه القيام بها، وكان آثماً بالاعتكاف الذي يحول دونها، وإن كانت غير واجبة فإن قيامه بتلك الالتزامات قد يكون أفضل من الاعتكاف، فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت، فدعاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: أنت قلت ذلك؟ قال: نعم، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صم وأفطر، ونم وقم، فإن لنفسك عليك حقًّا، ولربك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا» (صحيح البخاري: [5199])، فكون الإنسان يدع التزاماته ليعتكف قصور منه في العلم، وقصور في الحكمة أيضاً، لأن قيام الإنسان بحاجة أهله أفضل من كونه يعتكف [178/20].

* * *

هل يجوز للمعتكف الاتصال بالهاتف لقضاء حوائج بعض المسلمين؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للمعتكف أن يتصل بالهاتف لقضاء حوائج بعض المسلمين إذا كان الهاتف في المسجد الذي هو معتكف فيه، لأنه لم يخرج من المسجد، أما إذا كان خارج المسجد فلا يخرج لذلك، وقضاء حوائج المسلمين إذا كان هذا الرجل معنيًّا بها فلا يعتكف، لأن قضاء حوائج المسلمين أهم من الاعتكاف، لأن نفعها متعدٍّ، والنفع المتعدي أفضل من النفع القاصر، إلا إذا كان النفع القاصر من مهمات الإسلام وواجبات الإسلام [179/20].

* * *

هل يجوز للمعتكف في المسجد الحرام أن يطوف حول الكعبة؟
فأجاب فضيلته بقوله: المعتكف له أن يذهب ويجيء مادام في المسجد الذي اعتكف فيه، فله أن ينتقل من جهة إلى جهة، وله أن يصلي في أي مكان من المسجد، وله إذا كان في المسجد الحرام أن يطوف، لأنه ليس معنى الاعتكاف أن الإنسان يبقى في نفس المكان لا يتعداه، ولكن معنى الاعتكاف أن يكون ملازماً للمسجد [180/20].

* * *

 

إذا دعي المدرس المعتكف إلى اجتماع في المدرسة فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا الاجتماع الذي قرر في المدرسة إذا كان معلوماً قبل دخول الاعتكاف واشترط الإنسان أن يخرج له فلا بأس، أما إذا لم يكن معلوماً فإن دعي الإنسان إلى حضور هذا الاجتماع فيخرج من الاعتكاف، لأن دعوة ولي الأمر مدير المدرسة في هذا تقتضي أن يحضر الإنسان ويكون له الأجر فيما سلف من الاعتكاف، وأصل الاعتكاف سنة وليس بواجب [180/20].

* * *

 

ما حكم التزام مكان معين في المسجد الحرام لغير المعتكف ليصلي فيه طيلة شهر رمضان مع وضعه للوسائد والفرش على الأعمدة في الحرم؟
فأجاب فضيلته بقوله: المسجد الحرام كغيره من المساجد يكون لمن سبق، ولا يحل لأحد خارج المسجد أن يتحجر مكاناً له في المسجد.
أما إذا كان في نفس المسجد، ولكنه أحب أن يبتعد عن ضوضاء الناس وجلس في مكان واسع فإذا قربت الصلاة جاء ليصلي في مكانه الذي احتجزه فهذا لا بأس به، لأن له الحق في أن يجلس في أي مكان في المسجد، ولكن إذا قدرنا أنه يضع شيئاً ثم ذهب ليصلي في مكان آخر أوسع له، ثم لحقته الصفوف فإنه يجب عليه أن يتقدم إلى مكانه، أو يتأخر لمكان واسع، لأنه إذا وصلته الصفوف وكان في مكانه هذا فقد اتخذ لنفسه مكاناً آخر من المسجد، والإنسان لا يملك أن يتخذ مكانين له.
وأما التزام مكان معين لا يصلي إلا فيه فإن هذا منهي عنه، بل ينبغي للإنسان أن يصلي حيث ما وجد المكان [182/20].

* * *

إذا ارتكب المعتكف شيئاً لا يجوز في الاعتكاف فهل يبطل اعتكافه؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم إذا ارتكب المعتكف شيئاً يبطل الاعتكاف فإن اعتكافه يبطل، ولا ينبني آخره على أوله، وليس كل شيء محرم يبطل الاعتكاف، بل هناك أشياء خاصة تبطل الاعتكاف، فالمعتكف مثلاً لو أنه اغتاب أحداً من الناس فقد فعل محرماً، ومع ذلك فإن اعتكافه لا يبطل، إلا أن أجره ينقص.
وخلاصة الجواب: أن الإنسان المعتكف إذا فعل ما يبطل الاعتكاف فمعناه أن آخر اعتكافه لا ينبني على أوله، ولا يكتب له أجر من اعتكف العشر الأواخر من رمضان، وذلك لأنه أبطل ما سبق. والله أعلم [183/20].

* * *

قال بعض العلماء: ينبغي للإنسان إذا دخل المسجد أن ينوي الاعتكاف فهل لهذا القول دليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا القول لا دليل عليه؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يشرعه لأمته لا بقوله، ولا بفعله، وإنما كان عليه الصلاة والسلام يعتكف العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر [185/20].