الثورة.. والهستيريا!

نحن شعب عاش في سجن كبير بغيض؛ سجن قاتم بلا نوافذ.. بلا أمل.. ولم نجد أمامنا إلا الصراخ، ثم الصراخ، ثم الصراخ، وبعد الثورة لا زال أمامنا فترة من الصراخ، والهيستيريا، وإلى أن يمن الله علينا بالشفاء، سيظل الصراخ من حولنا، حتى نصل بإذن الله تعالى إلى مرحلة العقل التي ندرك معها أن الخروج من السجن قد يكون ممكناً بالصراخ، لكن بناء دولة لن يكون أبداً بالصراخ ولا الهستيريا.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

صراخ، ثم صراخ، ثم مزيد من الصراخ.. وبعد الصراخ يأتي قليل من الصراخ! هذه تحديداً كانت حالة الشابين الذين أتيا إلى غرفة الحالات الحرجة، كانت حالة في منتهى الغرابة، فلم أقابل في حياتي المهنية مثل هذا، سألت عن ما حدث لهما، فأجابنا الأهالي بقصة عجيبة.

طُلب من هذين الشابين تنظيف إحدي المقطورات التي تستخدم في شفط المياه من الداخل، وأثناء عملهما أغلقت الفتحة العلوية عن طريق الخطأ، وفجأة أصبح الشابان محبوسين داخل هذا القفص الحديدي المصمت؛ لا هواء.. لا ضوء.. ولا شيء على الإطلاق.. فقط الظلام الدامس، والإحساس بالضياع، والرعب!

لقد دفنا أحياءً.. أخذا في النداء بأعلى صوت، أخذا في الطرق على الجدران ولا مجيب..
لقد دفنا أحياءً! أخذ الرعب يدب في قلبيهما، فلم يجدا أماهما إلا الصراخ فصرخا، وصرخا، وصرخا..
حتى سمع بعض الناس الصوت، فقاموا بإنقاذهما، ورغم الخروج من السجن المحكم، ورغم النجاة إلا أن نوبة الصراخ لم تتوقف، لقد أصيبا بهيستيريا الأماكن المغلقة، ولا زال أماهما فترة من الصراخ قبل أن يتماثلا للشفاء.

تذكرت هذه القصة وأنا أتأمل حالة الهيستيريا التي أصابتنا بعد الثورة، فوجدت أن الأمر متشابه إلى حد كبير، فنحن شعب عاش في سجن كبير بغيض؛ سجن قاتم بلا نوافذ.. بلا أمل.. ولم نجد أمامنا إلا الصراخ، ثم الصراخ، ثم الصراخ، وبعد الثورة لا زال أمامنا فترة من الصراخ، والهيستيريا، وإلى أن يمن الله علينا بالشفاء، سيظل الصراخ من حولنا، حتى نصل بإذن الله تعالى إلى مرحلة العقل التي ندرك معها أن الخروج من السجن قد يكون ممكناً بالصراخ، لكن بناء دولة لن يكون أبداً بالصراخ ولا الهستيريا.
اللهم اشفنا جميعاً وارزقنا العقل يا كريم.

د. محمد فرحات

المصدر: موقع المصريون