يا أهل مصر أرحمة الله، أمّا يجمعون؟!

رحاب حسَّان

نعم اليوم رغم قسوته وشدة لهيبه وقلة مناصريه،
نعم اليوم رغم ألم الفقد والفراق والأسر والبطش، لكنه في أصفى ما يكون وأوضح ما يكون، فليس بعد نعمة تمايز الصفوف نعمة، وليس بعد الثبات من بعد الابتلاء مفاز

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

- معركة الأخلاق والقيم تلك التي تتقهقر كل مرة على عتبات "الشعب الثاني" وفي منازل سعيهم ونضالهم المزيف؛ فتختطف منهم كل يوم بكلاليبها مبتلى لتفضحه بعد ان ستره الله.

فمن رقصات في منتصف الشوارع، إلى تحرش في ميدان التحرير، إلى تخلي من ناصروهم عنهم، وما خفي من خذلانهم للمؤمنين، وافتضاح أخلاقهم في المعاملات اليومية ....الخ هو أعظم.
أليس جديرا أن تحمدوا الله على العافية، حتى وإن أحزنكم حالهم؟!

- ومعركة الحق والباطل وافتضاح خطة الاستعمار تلك التي أتت عليها أياما ما كان سوى عصبة قليلة هي التي تُنذِر منها وما كان يصدقهم سوى النزر اليسير، وكانت جملة "نظرية المؤامرة" يستخِف بها كل مفوه، ويُرمي بها كل مستبصر بالتهور والاندفاع.


اليوم اتضحت معالم المؤامرة وعلمتم من أعدائكم، ومن أوليائهم، ولحساب من تدار الدفة بداية من أمريكا والصليبيين والمجلس المستأسد والفلول واليهود والعلمانيين، وقد ظهر مدى حقدهم واتضح وزنكم عندهم كما قال تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}[التوبة: من الآية10].

الكل قد عُلم مكانه ومكانته ووظيفته من احتلال البلاد، ونهبها في أجلى ما يكون من الوضوح، وقد كنتم من قبل -إلا من رحم ربي- كالعميان تهشون في وجوههم، وتبغون رضاهم، وتُحذَّرون منهم فلا تستجيبون.
ألا تحمدوا الله على افتضاح أمرهم حتى علمهم الجاهل قبل العالم والصغير قبل الكبير؟!

يا أهل مصر
ما لكم تسأمون ونعم الله عليكم لاتحصى!!
تغدون في رضى الله ونصرة دينه، وتعودون بيوتكم تظفرون بالإيمان والصدق معه
أيُ شرف بعد هذا؟!

يا أهل مصر ماذا تريدون بعدُ؟!
هل تريدون ان تحوزوا الدنيا بحذافيرها؟
أتريدون الاصطفاء واتخاذ الشهداء والإيمان العملي واليقين والجهاد وتمايز الصف، تلكم الغنائم التي لم يظفر بها أسلافكم قرابة قرن من الزمان
ثم تريدون أيضا مغانم الدنيا في ذات اليوم؟!

ألم تحرم مصر من تلك الطاعات وهذه الرحمات قدحًا من الزمان؛ ومنذ الجلاء الغربي العسكري ومنذ سياسة الحرب الباردة والغزو الفكري؟!
ألم تكونوا تسعون لتحرير الأقصى، ألم تنشدوا ذلك في صلواتكم ودعائكم وقيامكم؟!
فأيُ نعمة أنتم قادمون عليها وأيُ شرف اختاره الله لكم أن تكونوا من أوائل هذا الرعيل ويكون لكم سبق الإحياء لتلك السنن العظيمة في بلد جف فيها منبع الجهاد الزاكي والجهر بالحق بعد أن دفنه أسلافكم من أجيال الستينيات ومن قبلهم؟

- ومعركة الحق المدجّل
ثم إنكم قد جربتم الغنيمة العاجلة كيف هي، حينما يشوبها الدخن خلال العامين الماضيين.
لقد عاينتم بأنفسكم شريعة مدجَّلة بالديمقراطية، وعقيدة "العَقد الاجتماعي" الملحدة وارتضيتم بصناديق الانتخاب بديلًا عن الشورى، ورضختم للدساتير الكفرية بحجة تمرريها وعدم تطبيقها مجاراة للآخرين، ولم تكن هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، فوقفتم في منتصف الطريق كأهل الأعراف لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
ولقد جربتم باطلًا قد كنتم تشربونه في أواني الحق فلا تستسيغونه.
تقلدون فيه موتى العلماء ولا تتجرؤا على الإعتراض أو الرفض، تضحكون على أنفسكم بالكلام المزدان.
تنكرون بقلوبكم، وتتحدثون بألسنتهم، تساقون الى حيث لا تريدون.
وتخرجون من الميادين والمناظرات مقهورين من بني علمان، مجبورين على المداهنة والابتسام إلى من لا يستحق سوى الحسام.
ولم تكونوا تستطيعون ان تذودوا عن بيضة الحق، تكظمون الغيظ فلا يرتد إليكم سوى المزيد من التنازل والخذلان، فلم تنعموا لا بدنيا ولا بدين.


ثم بعد أن وقاكم الله شر فتنة الدين، وأوضح لكم الحق المستبين، لا على يد عالم ولا على يد شريف؛ بل منَّ عليكم بالاهتداء إلى الحقائق الربانية كأنها صورًا مجسدةً أمامكم من مواقف المتخاذلين وصفاتهم العملية في موالاتهم للمعتدين، وخذلانهم للمستضعفين، ومن براهين تنهال عليكم تترى جرّاء الأحداث التي تعايشونها يوميًا والمواقف الصريحة التي يميز حسنها من قبحها كل ذي فطرة وعقل.

أليس الفكاك من ربقة الدخن وسيف الليبرالية الذي كان مسلطًا على رقابكم وجلاء فتنة دعاة السلطان، ووضوح راية الحق نعمة من الله تعالى؟!

يقول تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِندَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[آل عمران:الآيتان 156-157].
فما الذي يستحق الفرح حقًا، وما الذي يستوجب حسرة القلوب؟
هل فضل الله تعالى من الهدى ودين الحق ورحمته وعفوه ورضوانه؛ أم ما يجمعونه من حطام الدنيا وغنمها والقعود؟!
يقول تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:آية58].
وهذه ليست دعوى للتخلي عن مغانم الدنيا ولكنها دعوى لعدم استعجال النصر او النظر إليه على أنه الغاية الكبرى، دعوى لشكر الله على نعمة الثبات وغنيمة الدين.

نعم اليوم رغم قسوته وشدة لهيبه وقلة مناصريه
نعم اليوم رغم ألم الفقد والفراق والأسر والبطش

لكنه في أصفى ما يكون وأوضح ما يكون، فليس بعد نعمة تمايز الصفوف نعمة، وليس بعد الثبات من بعد الابتلاء مفاز، وليس بعد نجاتكم من فتنة التمحيص التي ما تركت داعية ولا عالم الا ابتلته وغسلته أو دنسته.
ولا تركت عاقل إلا ونالت منه، فتساقطت الوجوه المرهفة وافتضحت القامات المترفة، وعاد الحق في أنقى ما يكون، وردّت الهيبة الى أصحابها،وأرز العلم إلى جحره.

وليس بعد وضوح الغاية ونقاء الراية غنيمة؛ فحافظوا على وضوح رايتكم، ولا تفرطوا فيها ولا يلبس عليكم شيطان مريد رايات عمياوات؛ فتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة ، فليس بعد هذا الغنم غنم.

أما غنائم الدنيا فلتعلموا انها وسيلة ولم تكن يومًا هدفًا ولا غاية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لصحابته رضي الله عنهم أجمعين.
بل لم يكن بشرٌ أزهد فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان أكبر المحصلين من الغنائم بعد الفتح هم المؤلفة قلوبهم ومسلمة الفتح، وكانت غنيمة الأنصار هي صحبته صلى الله عليه وسلم، وكان هدفهم دومًا هو إعلاء كلمة الله وليس انتظار الفتح ولا الغنائم.

وليس عليكم سوى المزيد من الصبر وتحري الصواب في كل خطوة تُنزِلون فيها أقدامكم، واستحضار النية في كل غدوة وروحة، واستجداء الثبات من القويّ الجبَّار، واحتساب ذلك كله عنده عز وجل.

المصدر: فريق عمل طريق الإسلام