تبني الخطاب العلماني من (الجفري) إلى (اليعقوبي)!

أحمد سعد الدمنهوري

كنت قد عنيت بتتبع ظاهرة "جنود الله في المعركة الغلط" من فئة "جامية المتمصوفة والأزهريين" الذين يتم توظيف غفلتهم عن الواقع وتشابكاته في مجال السياسة التي لا يُحسِنون فهمها، ولا الوقائع التي أنتجتها، في ضرب إخوانهم ممن ينبغي أن يكونوا معهم في الخندق نفسه؛ لاتفاق المرجعية الفكرية التي تُعلي من شأن الأصول والهوية الإسلامية..!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -

كنت قد عنيت بتتبع ظاهرة "جنود الله في المعركة الغلط" من فئة "جامية المتمصوفة والأزهريين" الذين يتم توظيف غفلتهم عن الواقع وتشابكاته في مجال السياسة التي لا يُحسِنون فهمها، ولا الوقائع التي أنتجتها، في ضرب إخوانهم ممن ينبغي أن يكونوا معهم في الخندق نفسه؛ لاتفاق المرجعية الفكرية التي تُعلي من شأن الأصول والهوية الإسلامية..!

ولا يخفى على متتبع أن هذه الفئة تتبنى الخطاب العلماني: بمفرداته، وفهمه للواقع، وحكمه على الأمور، وتكييف الصراع، وهو خطاب لا يمكن فصله عن الرؤية العلمانية للعالم والإنسان، والألوهية والأديان..!

(1)

نجاح خطط الأعداء: الفوضى، تقسيم البلاد، ضياع فلسطين... إلخ.

التخلُّف العلمي والحضاري: تبعية الأمة لغيرها، الجهل، الفقر، المرض... إلخ.

تسبَّب فيه كله: الاستبداد السياسي بالمقام الأول..!

فالاستبداد هو الذي يجعل الحاكم يلتحف بالأجنبي مُفضِّلًا أن يكون له تابعًا عن أن يكون لأمته خادِمًا..!

والاستبداد يجعل كل من يختلف في الرأي عدوا يجب إقصاؤه والتنكيل به..!

والاستبداد يجعل كل فكرة جديدة أو شخص موهوب خطرًا على الأمن القومي إذ ربما يفتن الناس، فيدعون عبقرية الحاكم الذي يفهم في كل شيء ويلتفون حول غيره..!

والاستبداد يجعل حقوق الناس منحة يعطيها الحاكم لمن يريد وقتما يحب، ويمنعها وقتما يريد عمن لا يحب أو من يحب..!
 

والاستبداد يجعل من نصح الحاكم تعديًا، ومن أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فتنة..!

الاستبداد شر كله، شؤم كله، وهو مضاد لأخص خصائص الألوهية.. وأخص خصائص الإنسانية، معًا..!

(2)

المستبد يحتاج إلى (كاهن) يقوم بدور التخدير حيث: التسبيح بحمده، وإلقاء اللوم على الأمة أو المصلحين.. وتحميلهم أي فشل، وكل شر..!

المستبد يحتاج إلى (جندي) ليبطش بمن لا يقع تحت تأثير المخدر..!

المستبد يحتاج إلى (جموع الفاسقين) منتكسي الفطر الذين تخلو عن العبودية الحقة لله، وتخلو قبلها عن إنسانيتهم؛ ليصفقوا للمستبد؛ وليكونوا ظهيرًا شعبيًا يرضي غروره أو ليصفقوا له وهو يبطش بإخوانهم.. {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} [الزخرف:54]..

وأهم هؤلاء وأخطرهم فئة (الكهنة) لشدة تأثيرهم على كل من (الجنود) و(العوام)..!

إن كل (شيخ) يلقي لوم الهزائم والانتكاسات التي مُنيت بها الأمة على الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر من مريدي الإصلاح لا يخلو حاله: فهو إما غافل أو عميل لهذا المستبد أو كليهما..!

(3)

كنت قد قرأت مقال الشيخ المحترم "محمد أبو الهدى اليعقوبي" المعنون: (مستقبل الشرق الأوسط)، والمقال في مجمله ترويج لوجهة النظر الرسمية العربية التي سمعت بعضها من ضباط مصريين وغير مصريين، بل فيه عبارات بعينها سمعتها من إعلاميين يعلم الجميع ارتباطهم بأجهزة المخابرات.. كأن هذه الأنظمة تواصت بتلك الآراء والتحليلات لتكون الرأي العربي الواحد في مواجهة المطالبة بالإصلاح، والتي تجعل كل تنظيم أو دعوة إصلاح عدا ما يكون طوع أمرها ورهن إشارتها = عميلًا يحاول تفتيت البلاد..!

هذه الأنظمة تُحَمِّل مسؤولية التردي في كل شيء: إما لـ(عدو خارجي) يتحالفون معه بل يرتمون في أحضانه.. أو (عدو داخلى) يحاولون اصطناعه لتعيش جموع المغيبين وهم المؤامرة الكبرى التي تستهدف الأوطان والإسلام؛ لنُعلِّق كل مشاكلنا وتخلُّفنا على المعارضين والمصلحين فيصبح: (الإسلام السياسي) هو سبب الانقسام، وضياع فلسطين، وتسهيل المؤامرة الإسرائيلية والأمريكية على المنطقة، وتصبح جماعة الإخوان -مثلًا- مزروعة في جسد الأمة لتفتيت الإسلام من الداخل (كذا)..!

هذا في الوقت الذي يمتدح فيه الشيخ حنكة وحكمة حكام دول معينة، وهم أقوى حلفاء أمريكا في المنطقة، التي يقول إنها تتآمر علينا، وهو تناقض عجيب..!

ومن ثم يُصبِح الحل التلقائي إزاء تلك الأزمات و(الفتن) هو: إبقاء الوضع على ما هو عليه على اعتبار أن: "الأعور أحسن من الأعمى"..!

لا يوجد في المقال أي واقعية، ولا معلومة صحيحة ركبت على اختها ليخرج الاستنتاج عقليًا، عدا المشهورات.. بل لا أستبعد كون الشيخ كتبه بإيحاء من بعض تلك الأجهزة التي أمدته بتقاريرها..! وليس في هذا أي تهمة أو منقصة للشيخ؛ إذ هو طيب، يحسن الظن، فيما يظهر لنا..!

المقال لم يأتِ بجديد من الناحية المعلوماتية -بالنسبة لي على الأقل- بل ردَّد بعض الأكاذيب المنحطَّة التي لا تصدر عن شيخ، سوى أنه أتى على لسان (شيخ صوفي) داعم للثورة السورية..!

شيخ نتمنى له أن يتحدَّث فيما يُحسِن... فيما يُحسِن فقط!

(4)

إن الإخوة المتصوِّفة -في الأغلب- لا يُحسِنون الكلام في السياسة ومن هذا شأنه فليتركها لأهلها ومن يتابعها ومن يفهم فيها.. أما أن يُردِّد دون تبيّن ولا بحث ولا نظر أكاذيب العلمانيين وإعلامهم الكاذب، بل بعض انحطاطه، كوصفه الدكتور محمد مرسي بأنه: إطار بديل = استبن!

وما هذا طريق أهل العلم وأهل العدل والإنصاف..!

إن أراد شيخ أن يُدلي بدلوِه فليسمع من كل الأطراف على أقل تقدير، وليقم نفسه بينهم كالحكم العدل بين المتخاصمين إن استطاع..!

الشيخ (اليعقوبي) -وأسأل الله أن يُخيِّب ظني- في طريق (علي الجفري) حيث التحالف مع العلمانيين -بل الجن الأزرق- شرط أن يكونوا ضد من يظنونهم وهابية أو شرط أن يكونوا داعمين لنهجهم..!

المفارقة أنه في مقاله العجيب يعيب على حركات (الإسلام السياسي) أن الغرب يتلاعب بها، والواقع يشهد أن أكثر من لُعِب به، وأكثر من يُوظَّف، وسيُوظّف = هم أحبابه من فئة "جنود الله في المعركة الغلط" الذين أوصت بهم مؤسسة راند في تقرير عام 2007م حين دعت لبناء (شبكات إسلامية معتدلة) معتبِرة في التقرير ذاته أن: "الحد الفاصل بين المسلمين المعتدلين والراديكاليين في البلدان التي تُطبِّق فيها الأنظمة والقوانين الغربية -وهي جُلَّ البلدان الإسلامية- هو وجوب تطبيق الشريعة وعدمه" أهـ.

فهل يقبل إخواننا الصوفية أن يكونوا (معتدلين) وِفقًا لهذا التصنيف الغربي الذي نجد صداه في بلادنا من العلمانيين؟!

إنني أربأ بهم أن يكونوا وقودًا في يدِّ أعداء الأمة المتاجرين بأحلامها، ومن يبيعونها في مواخير الأمم المتحدة، ومجلس الأمن..!

(5)
 

وأخيرًا أقول:

غرضنا هنا:

الإشارة لما يُعد لهذه المنطقة بعد النجاحات التي حققها ما يُطلَق عليه العلمانيون: تيار (الإسلام السياسي)، وشعور الأنظمة بعد هذه النجاحات بالخطر على كراسيهم.. فكانت خطتهم بعد أن عَلِموا ميل الجماهير وشوقها لربها وحُبّها لدينها أن أرادوا الزجَّ بما هو معروف لدى الجماهير بهذا الاسم -الصوفية والتصوُّف- ليكونوا في مواجهة هذا التيار الهادر؛ ليكون دين بدين.. ولا يفل الحديد إلا الحديد.. ولعلك -أخي القارئ- لا حظت احتفاء بعض الأنظمة بهم.. في الداخل والخارج..

أكتب هذا؛ إبراء للذمة، وأداء لحقِّ الأمانة، وقيامًا بواجب النصيحة..

والحمد لله كما ينبغي أن يُحمد.
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام