[60] سورة الأعراف (4)

محمد علي يوسف

  • التصنيفات: القرآن وعلومه - الزهد والرقائق - تزكية النفس -

وإن من الناس من يعيش حياته مذبذَبًا لا هو إلى هؤلاء ولا إلى أولئك..!

إنه نمط يحقر نفسه ولا يحدِّد وجهة أو يحسم أمرًا أو يفصِل في اختيار فيسلك سبيله إلى نهايته..!

نمط يعيش على الأعراف في الدنيا بين الحق والباطل ويُخشى عليه أن يكون من أهل أعراف الآخرة بين الجنة والنار - الذين لم يعرفوا إلى أين يذهبون في الآخرة كما تذبذبوا و لم يعرفوا طريقهم في الدنيا..

{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف من الآية:46]..

وهم يعرفون الصنفين الآخرين بسيماهم لأنهم كانوا يختلطون مع كل صنف في الدنيا ويرون خياراتهم وأعمالهم بيد أنهم لم يصاحبوا أيًّا منهم مصاحبة كاملة..

{وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [الأعراف من الآية:46]..

ما أجمعها من كلمة..

يطمعون..

كلمة يظهر منها استشرافهم للدخول ورغبتهم في التنعُّم بنعيمها لكنه يومئذ يكون مجرّد طمع لا يُترجم لعمل؛ فقد انقضى وقت العمل وقد زهدوا فيه والآن يعلمون أنهم ليسوا أهلًا لها بعد تميعهم في الدنيا وتثاقلهم عن سلوك سبيلها..

{وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:47]..

يخافون من هذا المكان الموحش القاسي ويدركون أنهم ليسوا بمعزلٍ عنه بسبب تقصيرهم وبعدهم عن طاعة الله

{وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأعراف:48]..

عرفوهم كما عرفوهم في الدنيا حيث كانوا يُردِّدون في الدنيا أنهم أصحاب المال والمنصب والجاه ويتعالون على المنعَّمين الآن {أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ} [الأعراف من الآية:49]..

ولقد تركت الآيات مصير أهل الأعراف مُعلقًا كما كان قرارهم في الدنيا مُعلقًا.. وقوفهم يوم القيامة في المنتصف على الأعراف لأنهم في الدنيا كانوا في المنتصف أيضًا..

كانوا بين بين..

يعرفون أهل الحق الذين كانوا يدعونهم إلى الهدى..

{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} الأنعام من الآية:71]..

لكنهم مع معرفتهم لم يختاروا أن يكونوا معهم..!

ويعرفون أيضًا أهل الباطل لكنهم لم يختاروا الانحياز الكامل إلى صفهم..

هكذا كانوا في حيرة في الدنيا..

وهكذا تستمر الحيرة هناك خارج الجنة..

نعم ربما يدخلونها بعد حين لكن متى؟!

بعد كم عام من الانتظار؟!

وأي عذاب نفسي هذا الذي يتعرضون إليه وهم ينظرون إلى البشر من حولهم يساقون إلى الجنة وإلى النار وهم باقون منتظرون خائفون ويطمعون..!

صحيح أنه عذاب نفسي لم يرد الخبر فيما نعلم أن عذابًا ماديًا يصاحبه..

لكن في النهاية هو أمر صعب استحقوه بتميعهم وتذبذبهم البارد وحرجهم من سلوك طريق الحق..

فما أشد خوفهم وما أعمق حزنهم حين ينظرون إليها ولم يدخلوها وهم يطمعون..

تمامًا كما كانوا يرقبون السبيل في الدنيا ولم يلجوه.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام