[77] سورة الأنفال (10)

محمد علي يوسف

  • التصنيفات: القرآن وعلومه - الزهد والرقائق - تزكية النفس -

المؤمنون حقًا..

ما نفسكش تبقى منهم؟!

مؤمنين حقًا إزاي يعني؟

أقول لك..

نفهم بالراحة..

ناس كتير فاهمه إن الإيمان هو مجرد التصديق بوجود الله وخلاص على كده..

وده ممكن يكون معنى الإيمان لغةً؛ لكن الحقيقة أنه لو ده بس معنى الإيمان يبقى على كده إبليس مؤمن -وهو طبعًا ليس كذلك- فالله يقول أنه: {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة من الآية:34]..

تأمَّل.. {مِنَ الْكَافِرِينَ}..

رغم أنه يعرف بوجود الله؟

نعم.. رغم إنه يعرف بوجود الله..!

هل سمع أحدكم أن إبليس يُنكِر وجود الله؟

الجواب معروف..

طبعا.. لا.

هو يعلم وجود الله بل ويُقسِم به وبِعِزَّته أحيانًا..

لكن مع ذلك هو رأس الكفر ومنبعه..

لماذا؟

لأن تصديقه لم يتبعه قبول وانقياد..

ولأن معرفته بالوجود لم تمنعه عن الجحود والنكران..

علم أن الله ربه وخالقه لكنه رفض أن يطيعه ويعبده..

جحد واستكبر عِياذًا بالله..

مثلما فعل قوم فرعون الذين قال عنهم ربنا: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل من الآية:14]..

يبقى الموضوع مِش مجرد كلمة وخلاص ولا خانة في البطاقة..

المؤمن حقًا له خصائص ومقومات ربك ذكرها في آيات كتير في كتابه العزيز..

من ضمنها آيات من أروع آيات سورة الأنفال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون . الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الأنفال:2-3]..

لاحظ ما بعدها..

{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:4]..

وفي نفس السورة: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم} [الأنفال:74]..

ركِّز كده في الآيات دي..

تأمَّل في أولها؟

بدأت بـ{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ}..

هما دول اللي صفاتهم كده..

واخد بالك انتهت بإيه؟

{أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ}..

وبينهما صفات..

هي دي صفات المؤمنين حقًا: (ذِكر، وخشية، ووجل، وتلاوة قرآن تزيد منسوب الإيمان في القلب، وتوكل، وصلاة، وإنفاق)..

ما شاء الله...

ما أجملها من حياة التي تُتوجها تلك الصفات..

مِش ملاحظ حاجة في الأعمال والصفات دي؟

مِش ملاحظ إن أغلبها بنعمله بالفعل وممكن نتدرَّب عليه في رمضان؟

مِش ملاحظ إن نسبة الصفات دي بترتفع جدًا وبتبقى أسهل في رمضان؟

كل حاجة حواليك بتذكِّرك بالله في رمضان..

حتى اللي بيشتموا برة رمضان تلاقيهم بدل ما يشتموا يذكروا الله قائلين "اللهم إنى صائم"..

والتلاوة!

تلاقي من هجروا القرآن شهورًا عادوا إليه في رمضان، واللي بيختم مرة واللي بيختم اتنين واللي ربنا بيفتح عليه ويتلو القرآن آناء الليل والنهار..

حاجة جميلة..

والصلاة!

تلاقي ما شاء الله المساجد مليانة على آخرها حتى في صلاة الفجر وكمان في النوافل زي التراويح تلاقي مساجد ما شاء الله مِش مكفية المصلين وفارشين برَّه..

والإنفاق!

ما شاء الله تلاقي شنط رمضان وكرتونة رمضان وناس تطلع زكاة مالها في رمضان وناس تفطر الصائمين في الشوارع..

شيء رائع..

وأيضًا هناك جهاد!

نعم جهاد من أول جهاد النفس وحتى ذروة السنام وهو جهاد العدو مرورًا بجهاد الكلمة والصدع بالحق في وجه الجائر الظالم الطاغية..

ما لا يعلمه كثير من الناس أن أعظم فتوحات وانتصارات المسلمين في ميادين الجهاد منها ما كان في رمضان،
ده طبعًا غير مجاهدة النفس في الصيام والقيام وترك الشهوات..

وهِجرة!

نعم هجرة رغم أنه «لا هجرة بعد الفتح»[1] لكن هناك هجرة المعاصي والذنوب وهذا يفعله كثير من الناس في رمضان بفضل الله..

يعني ما شاء الله أكثر الصفات موجودة وممكنة التحقيق بشكل أسهل في رمضان..

بس اللي يزعَّل.. إن كتير من الناس بيوصل للحالة الرائعة دي التي تقارب الوصف الرباني للمؤمنين حقًا وبعدين تلاقيه ييجي عليه العيد ينسى كتير من الأحوال الإيمانية والطاعات التي كان مداومًا عليها منذ أيام..

لماذا لا نجعل رمضان هذا العام معسكر تدريب على الإيمان الحق، وفرصة لنتمرَّن على أن نكون من أولئك الرهط الكريم من المؤمنين حقًا.

ـــــــــــــــــــــــ

[1]- (رواه البخاري).

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام