إتقان الصيام (2)

محمد هشام راغب

ومن إتقان الصيام أن نستصحب معه سائر الأعمال الصالحة من كثرة الذكر وقراءة ومدارسة القرآن وكثرة الصدقات وصلة الأرحام والدعوة إلى الله تعالى. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس عموما، ولكنه كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة.

  • التصنيفات: فقه الصيام -

أول درجة لإتقان الصيام تكون باجتناب كل ما من شأنه أن يضر بالصيام وينقص أجره، من الأفعال والأقوال مثل الغيبة وقول الزور والكذب والنميمة والكلام الفاحش البذئ، ومثل أفعال الجهال والفساق، ومجاراة السفهاء في أفعالهم. كل هذه الأفعال تُنقص من قيمة الصيام ولكنها لا تبطله، وإن كان بعض العلماء ذهب إلى بطلان الصيام بها فقد نقل عن عائشة رضي الله عنها أن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم، وبه قال الإمام الأوزاعي وبالغ ابن حزم فقال: يُبطل الصيام كل معصية من متعمد لها ذاكر لصومه سواء كانت فعلا أو قولا، لعموم قوله «فلا يرفث ولا يجهل»، ولقوله «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، ولكن جمهور العلماء وإن حملوا النهي على التحريم إلا أنهم خصوا بطلان الصيام فقط بالأكل والشرب والجماع.

الدرجة الثانية في إتقان الصيام وإحسانه، أن نأتي به على أكمل وجه ممكن وأقرب ما يكون لصوم النبي صلى الله عليه وسلم. وذلك بمعرفة أحكام الصيام والالتزام بها، والحرص على كل السنن المصاحبة للصيام. وقد كان الصحابة الكرام شديدي الحرص على تتبع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صومه فقد روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، فسأله من حوله "كم كان بينهما؟"، يريدون أن يعرفوا بالضبط متى كان يتسحر ومتى كان يُمسك. قال زيد "قدر خمسون آية"، أي حوالي عشر دقائق تقريبا. وكانوا يحرصون على السحور في آخر الليل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
«تسحروا فإن في السحور بركة»، والبركة أثر غيبي يكون في الأشياء. وقد رأينا بعض الناس يفرطون في هذه السنة المباركة فيتغاضون عن السحور أو يكتفون ببعض الطعام عند منتصف الليل، فتفوتهم هذه السنة وهذه البركة الموعودة في الحديث.

وفي الفطر كانوا يحرصون على تعجيله امتثالا لترغيب وأمر رسول الله في قوله في الحديث القدسي، قال الله عز وجل
«أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا»، فكانوا يمتثلون هذا، حتى إذا غربت الشمس وليس عند أحدهم ما يفطر عليه، نوى الفطر بقلبه امتثالا لهذه السنة المباركة. وقد سار التابعون من بعدهم على هديهم وحرصهم، وقد قال أحدهم وهو أبو عطية رحمه الله: دخلت أنا ومسروق على عائشة رضي الله عنها فقال لها مسروق رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كلاهما لا يألو عن الخير أحدهما يعجل المغرب والإفطار والآخر يؤخر المغرب والإفطار فقالت من يعجل المغرب والإفطار قال عبد الله يعني ابن مسعود فقالت هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الفطر نفسه، نتتبع هدي رسول الله فيما يفطر عليه وفي بعض ما ورد من دعاء عند الفطر. وقد روى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي المغرب على رطبات فإن لم تكن رطبات فتميرات فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء. إن ملاحظة هذه السنن المختلفة يضفي عناية وإحسانا على الصيام.

ومن إتقان الصيام أن نستصحب معه سائر الأعمال الصالحة من كثرة الذكر وقراءة ومدارسة القرآن وكثرة الصدقات وصلة الأرحام والدعوة إلى الله تعالى. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس عموما، ولكنه كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة.