[83] سورة التوبة (6)

محمد علي يوسف

وحين تُردِّد النداء مُدوِّيًا في جنبات المدينة: "يا خيل الله اركبي".. بدأ الجميع يتجهزون أنفسهم ويعدون العدة لسفر طويل هم مقبلون عليه.. إنها مسيرة شهر كامل، في هذا الوقت من العام؛ من القيظ الحارق والحرّ الشديد!

  • التصنيفات: القرآن وعلومه - الزهد والرقائق - تزكية النفس -

وحين تُردِّد النداء مُدوِّيًا في جنبات المدينة: "يا خيل الله اركبي"..

بدأ الجميع يتجهزون أنفسهم ويعدون العدة لسفر طويل هم مقبلون عليه..

إنها مسيرة شهر كامل، في هذا الوقت من العام؛ من القيظ الحارق والحرّ الشديد!

ظروف قاسية، تحتاج إلى إعداد بالغ، وتجهز كاف، يعين على لأواء تلك العسرة، والتي لم تكن على بال، في تلك الظروف..

وبينما الكل في جِدِّه واجتهاده وتجهزه وإعداده، إذ بدأ الطابور الخامس والسوس الذي لا تخلو منه أُمّة، ينخر في أعمدة الهِمَّة، التي تعلو وتلتهب في أرجاء "طيبة" الطيبة..

فما بين مُعوِّق ومُثبِّط ومُرجف ومُشكِّك؛ مارس ذلك الطابور هوايته الكئيبة..

ها هي مجموعة تقف في الظل، ترقب المجدين، في تراخ واسترخاء، قائلة في تكاسل: {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} فيأتيها الرد تتلوه شفاه شققها قيظ الصيف المتقد صادعا بقول الحق: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [التوبة من الآية:81]..

وها هي مجموعة أخرى من طابور الحقد ترقب من يأتى باليسير من المال أو ببعض تمرات لم يجد غيرها ليعين بها في تجهيز بها جيش العسرة، فيلمزونه في الصدقات، ويسخرون من القليل الذي جاء به، رغم أنه لا يملك غيره، وخير الصدقة جهد المقل..

ومجموعة ثالثة ورابعة وخامسة، زرافات ووحدانا، لا هم لهم إلا التثبيط والإرجاف والتعويق عن إجابة داعي الله، والاستجابة لمنادي الجهاد..

حتى جاءت اللحظة الحاسمة، وحان وقت التحرُّك، وبدأت خيل الله في الركوب، واستعدت لملاقاة مدلهم الخطوب..

هنا بدأ المعذِّرون في الإقبال على الرسول القائد صلى الله عليه وسلم..

وهكذا دأب أهل النفاق في كل زمان..

إن لم يتمكنوا من التعويق والإبطاء لجأوا إلى الأكاذيب والمعاذير..

المهم ألا يبذلوا أو يُقدِّموا شيئًا وأن تظل صورتهم أمام الناس مزينة بتبريراتهم ومعاذيرهم الواهية..

لكن مهما تعذَّروا وتجمَّلوا وتزيَّنوا فحقيقتهم معلومة لا تخفى على أولي الألباب وكفى بالله شهيدًا على ما في قلوبهم وهو يعلم إسرارهم..
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام