دور الأندلس والأندلسيين في انتقال الإسلام من المغرب إلى جنوب أوربا
ابتدأت عمليات فتح الأندلس كما هو معروف في رمضان من سنة 92 للهجرة، وقد سجلت منعطفا في شهر ذي القعدة من سنة 95 هجرية حين بدأ موسى بن نصير وطارق بن زياد رحلة العودة إلى دمشق بأمر من الخليفة الوليد بن عبد الملك. ورغم قصر المدة التي استغرقتها العمليات العسكرية التي قاما بها في شبه جزيرة أيبيريا، فقد شكلت إحدى أضخم عمليات الفتح ونشر الإسلام في عهد الدولة الأموية..
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
ارتبطت مناطق غرب البحر المتوسط فيما بينها منذ القدم، وقد كانت الروابط والصلات أكثر وثوقاً بين مناطق شمال إفريقيا وشبه جزيرة أيبيريا بحكم القرب الجغرافي بينهما، وازدادت تلك الروابط والصلات متانة بعد سنة 92 هجرية حين أصبحت أجزاء من شبه جزيرة أيبيريا تحت نفوذ المسلمين، وانتقلت للاستقرار بها أعداد من مسلمي شمال إفريقيا ومن مسلمي مشرق دار الإسلام.
ومنذ سنة 92 للهجرة أصبح المجال الجغرافي الذي شمله نفوذ المسلمين في شبه جزيرة أيبيريا يسمى "بالأندلس"؛ سواء إبان مراحل امتداد هذا النفوذ أو خلال مراحل تراجعه. ومن المتعارف عليه أن العرب المسلمين اشتقوا تسمية "الأندلس" من اسم القبائل الجرمانية "الندال" التي شاركت في الموجة الأولى من غزوات القبائل الجرمانية خلال القرن الخامس للميلاد، والتي استقرت بإقليم "انداليشيا" (Vandalicia) أو بيتيكا (Baetica) الواقع جنوب اسبانيا الحالية (1).
وتمثل الأندلس من وجهة نظر جغرافية الإقليم الواقع جنوب نهر الوادي الكبير، والذي يسمى حاليا أندلثيا (Andalucia)، وقد صور الجغرافيون القدامى منذ العهد الروماني الأندلس (ومجموع شبه جزيرة أيبيريا) على هيأة مثلث، وأبرز من تبنى هذا التصور باولوس أوروسيوس أو هرشيوش Paulus Orosius (2)، الذي وضع بين سنتي 416 و418 ميلادية مؤلفا في التاريخ (3)، خص الكتاب الأول منه للحديث عن المجال الجغرافي الذي تندرج في إطاره الأحداث المتناولة في مؤلفه، فجعل الأندلس، ومجموع أقاليم شبه جزيرة أيبيريا على هيأة مثلث ذو ثلاثة أركان، وقد تبنى هذا التحديد الجغرافي "أبو الجغرافية والتاريخ في الأندلس" أحمد بن محمد بن موسى الرازي (4)، حيث يذكر أن شبه جزيرة أيبيريا كلها ذات شكل مثلث، ويرى بأنها معتمدة على ثلاثة أركان:
الأول: هو الموضع الذي فيه صنم قادس المشهور بالأندلس، ومنه مخرج البحر المتوسط الشامي الآخذ بقبلي الأندلس، والركن الثاني هو بشرقي الأندلس بمحاذاة مدينتي نربونة وبرذيل (بوردو الحالية)، والركن الثالث منها في الشمال الغربي من بلد جليقية، ومن هرشيوش والرازي انتقلت هذه النظرية إلى الذين كتبوا عن جغرافية شبه جزيرة أيبيريا خلال القرن الخامس الهجري كالمحدث أحمد بن عمر بن أنس العذري، والجغرافي أبي عبيد البكري، وتواترها فيما بعد جغرافيو ورحالة القرون الموالية، ولازال يتبناها الجغرافيون المعاصرون (5).
ومن خلال هذه النبذة الجغرافية يتضح بأن الأندلس، ومعها شبه جزيرة أيبيريا، تنتمي جغرافيًا للمجال الأوربي بحكم وقوع أحد أركانها بهذا المجال. وتكاد تنتمي كذلك جغرافيا للمجال الإفريقي بحكم قرب ركن آخر من أركانها من شمال إفريقيا عامة ومن المغرب بوجه خاص. وهذا ما يستشف من كلام أحد الباحثين في جغرافية البحر المتوسط حين يذكر بأن: "الإسبان يعتقدون بأن إسبانيا، على الرغم من أنها جغرافيا جزء من أوربا، إلا أنها لا تنتمي إليها بمعنى الكلمة، إذ تتجه أكثر نحو شمال غرب إفريقيا، فإفريقيا تبدأ حدودها هنا من جبال البرانس كما حدث أثناء حكم المور" (6).
وقد شهدت شبه جزيرة أيبيريا، منذ سنة 92 للهجرة، أحداثا وتطورات جعلتها فعلا مرتبطة بشمال غرب إفريقيا، وإن الأندلس التي كانت في قلب تلك الأحداث والتطورات أصبحت منذ هذا التاريخ وأكثر من أي وقت مضى، نقطة تقاطع بين المغرب (وشمال إفريقيا ودار الإسلام) وجنوب أوربا، ولا نحتاج إلى التأكيد بأن هذا الانتماء المزدوج جعل الأندلس تنفرد عن باقي مناطق البحر المتوسط، كما كانت له أبعاد بالغة الأهمية؛ إذ أتاح للأندلس و"للأندلسيين" إمكانية القيام بدور متميز في التواصل الحضاري بين شمال إفريقيا وجنوب أوربا، تجلى هذا الدور في عدة مجالات، ومن بينها المجال الديني الذي يهمنا في هذا البحث، وخاصة ما يتعلق بإسهام الأندلس والأندلسيين في انتشار الإسلام بمناطق جنوب أوربا ما وراء جبال البرانس، بعد أن انتقل من المغرب إلى الأندلس.
ابتدأت علاقة الأندلس بالإسلام رسميا في رمضان من سنة 92 هجرية، ونميز في تاريخ تلك العلاقة بين مرحلتين: مرحلة أولى امتدت من سنة 92 هـ، حتى حدود سنة 100 هـ، كانت فيها الأندلس هدفا لعمليات الفتح وفضاء انتقل إليه الإسلام من المغرب، ومرحلة ثانية امتدت من سنة 100هـ، تحولت فيها الأندلس إلى محطة أخذت تنطلق منها عمليات نشر الإسلام بأقاليم جنوب أوربا.
أما عن دور"الأندلسيين" في انتقال الإسلام من المغرب إلى جنوب أوربا وانتشاره في مناطق ما وراء جبال البرانس، فيمكن التمييز فيه هو الآخر بين مرحلتين:
- مرحلة أولى امتدت من سنة 92 هـ، حتى حدود سنة 138 هـ، تاريخ قيام الإمارة واستقلال الأندلس عن الخلافة الإسلامية، في هذه المرحلة كان الأندلسيون موضوع عمليات الفتح والمتلقين للديانة الجديدة، وإن اشتركوا خلال الفترات المتأخرة من هذه المرحلة في نشر الإسلام بربوع شبه جزيرة أيبيريا وفي أقاليم ما وراء جبال البرانس.
- ومرحلة ثانية ابتدأت سنة 138 هـ، وفيها أصبح الأندلسيون عناصر فاعلة في حركة انتقال الإسلام من شمال إفريقيا إلى جنوب أوربا؛ بحكم قيادتهم للعمليات التي تم القيام بها في هذا الشأن، وأبرزها عمليات تثبيت (وإعادة نشر) الإسلام في جزر البليار.
أولا: الأندلس فضاء يتلقى الإسلام من شمال إفريقيا:
ابتدأت عمليات فتح الأندلس كما هو معروف في رمضان من سنة 92 للهجرة، وقد سجلت منعطفا في شهر ذي القعدة من سنة 95 هجرية حين بدأ موسى بن نصير وطارق بن زياد رحلة العودة إلى دمشق بأمر من الخليفة الوليد بن عبد الملك. ورغم قصر المدة التي استغرقتها العمليات العسكرية التي قاما بها في شبه جزيرة أيبيريا، فقد شكلت إحدى أضخم عمليات الفتح ونشر الإسلام في عهد الدولة الأموية، وقد كان من الممكن أن يستكمل هذا الانجاز جميع مراحله لولا الأمر الصادر عن الخليفة بوقف العمليات العسكرية التي كانت على وشك أن تجعل جميع أقاليم شبه جزيرة أيبيريا تحت راية الإسلام، بحيث إن المد الإسلامي بها وصل إلى حدود البحر المتوسط في الشمال الشرقي وإلى مقدمة أقاليم دولة البرتغال الحالية في الشمال الغربي.
وقد حاول عبد العزيز بن موسى بن نصير استكمال عمليات الفتح بعد أن استلم إدارة الأقاليم المفتوحة بتكليف من أبيه، غير أن الجهود التي بذلها خلال السنتين وبضعة أشهر التي دامتها ولايته كانت محدودة نسبيا رغم نجاحه في ضم أقاليم الشمال الشرقي وأقاليم الجنوب الشرقي إلى حظيرة الإسلام.
ودون الخوض مطولا في تفاصيل أحداث هذه المرحلة الأولى من مراحل انتشار الإسلام بشبه جزيرة أيبيريا، التي توقف عندها المؤرخون القدامى والباحثون المحدثون، فلا بأس أن نقدم بين يدي القارئ نصاً بالغ القيمة لابن القوطية يلخص مجريات العمليات العسكرية التي شهدتها هاته المرحلة، ويسمح بتكوين فكرة عن خارطة انتشار الإسلام بشبه جزيرة أيبيريا مباشرة بعد الفتح، يقول ابن القوطية: "فلما جاوز طارق وصار بعدوة الأندلس، كان أول ما افتتحه مدينة قرطاجنة، بكورة الجزيرة.
ثم تقدم إلى أستجة، والى قرطبة، ثم إلى طليطلة، ثم إلى الفج المعروف بفج طارق، الذي منه دخل جليقية، فخرق جليقية حتى انتهى إلى أسترقة، وأخذ موسى في ساحل شذونة، وكان دخوله بعد طارق بسنة، وتقدم إلى شذونة، ثم إلى أشبيلية فافتتحها، ثم قصد من أشبيلية إلى لقنت، إلى الموضع المعروف بفج موسى في أول لقنت إلى ماردة، وتقدم فدخل جليقية من فج منسوب إليه فخرقها حيث دخلها ووافى طارقا بأسترقة، ثم أتاهما عهد الوليد بن عبد الملك بالانصراف فانصرفا.
وشد موسى بن نصير حصون الأندلس واستخلف ابنه عبد العزيز على الأندلس وأسكنه أشبيلية" (7).
شملت عمليات الفتح كما يتضح من النص أهم المراكز الحضرية التي كانت معروفة بشبه جزيرة أيبيريا، وقد كانت تقيم في كل مركز تم فتحه حامية عسكرية تؤمن السيادة عليه، بينما يتقدم الفاتحون إلى المركز الموالي، وبناء عليه، فقد انتشر الفاتحون بعد انتهاء عمليات الفتح مباشرة، ثم خلال السنوات التي أعقبتها، بالمناطق الواقعة على طول خطوط الفتح.
فقد استقر البربر في المراكز الواقعة على طول الطريق التي سلكها طارق بن زياد مثل الجزيرة الخضراء ومالقة وإلبيرة وقرطبة وبلنسية وطليطلة، بينما فضل عدد آخر منهم الاستقرار في أحواز المدن، أو في بعض المناطق الجبلية المشابهة لمواطن استقراهم في العدوة المغربية، أما العرب فقد استقروا في الحواضر الواقعة على طول الطريق الذي سلكه موسى بن نصير، مثل مدينة شذونة وأشبيلية وماردة ووشقة وسرقسطة وطرطوشة.
واتسع مجال الاستقرار (8)، فيما بعد في حواضر أخرى قديمة وفي حواضر مستحدثة، وقد خضع الاستقرار لعامل الغلبة العددية أحيانا قليلة ولعامل الصدفة في معظم الأحيان كما يستشف من نص للمقري يذكر فيه أن العرب والبربر كانوا كلما مر قوم منهم بموضع استحسنوه، حطوا به ونزلوه قاطنين، فاتسع نطاق الإسلام بأرض الأندلس (9).
ويتضح جلياً بأن الإسلام، الذي كان وجوده يقف عند حدود سواحل البحر المتوسط قبيل شهر رمضان من عام 92 هجرية اتسع نطاقه فعلا وأصبح يشمل بعد سنتين أو ثلاث سنوات من هذا التاريخ أغلب الحواضر الايبيرية التي كانت تضم أكبر التجمعات البشرية خلال فترة الحكم القوطي، وقد اعتنق عدد من سكان هذه التجمعات الإسلام، بينما بقيت عناصر أخرى محتفظة بدينها مع تبنيها للغة القرآن وللثقافة الإسلامية.
وبما أن عددا من العرب ومن البربر ظلوا يتوافدون على الأندلس، فرادى أو جماعات، فقد أفضت هجراتهم واتصالهم الوثيق بالسكان المحليين، عن طريق الجوار والمعاملات اليومية، إلى تغلغل الإسلام، كما أفضت في ذات الوقت إلى اتساع رقعة تأثيره، وخاصة بعد أن ضاقت الحواضر القديمة بسكانها فاضطر القائمون على الأمر في الأندلس منذ عصر الإمارة إلى استحداث مدن أخرى مثل بجانة وشنترين وبطليوس. وهكذا لم يكد ينصرم جيل بعد الفتح حتى كانت دائرة الإسلام ولغة الإسلام وثقافة الإسلام قد اتسعت رقعتها بشبه جزيرة أيبيريا.
ثانياً: الأندلس قاعدة مساهمة في تفعيل حركة المد الإسلامي:
تمثل سنة 100 للهجرة بداية انتقال المسلمين من مرحلة الاستقرار وترسيخ الإسلام بشبه جزيرة أيبيريا إلى مرحلة نشر الإسلام في أقاليم ما وراء جبال البرتات أو البرانس، وهي مرحلة تحولت فيها الأندلس إلى قاعدة أصبحت تنطلق منها حركة المد الإسلامي في اتجاه أوربا، وقد اتخذت مدينة برشلونة مركزاً لانطلاق هذه الحركة التي دشنها الوالي الحر بن عبد الرحمن الثقفي ببعض الغارات الخاطفة على أقاليم جنوب غالة (أو غاليا) لم تؤكد حدوثها النصوص الإسلامية أو الدراسات العربية الحديثة، ولكن بعض النصوص اللاتينية أشارت إلى حدوثها، ومن بين أهم هذه النصوص "إخبارية مواساك" (Chronicon Moissiacensis) التي وضعها أيمريكوس (Aymericus De Peyraco)، فقد كان هذا الأخير راهبا بدير مواساك (Moissac) جنوب غالة بين سنتي 1377 و1406 ميلادية؛ أنجز مؤلفا تحدث فيه عن تاريخ البابوات وعن ملوك غالة وعن الأقماط الذين تعاقبوا على إدارة قمطية تولوز، فأشار ضمن حديثه ذاك إلى حدوث غارات إسلامية على بعض مواقع هذه القمطية قبل سنة 719 م، /100هـ (10).
وعلى غراره ذهب الراهب الفرنسي جون- بييربابون (Jean-Pierre Papon)، الذي وضع مؤلفا حول تاريخ قمطية بروانفسيا، إلى القول بأن مسلمي اسبانيا طرقوا أبواب هذه القمطية منذ سنة 716 م، كما شنوا سلسلة غارات على إقليم سبتمانيا (la Septimanie) المجاور (11).
ويبدو أن تلك الغارات لم تكن عمليات عسكرية منظمة وهادفة بقدر ما كانت تحركات تقوم بها سرايا من حين لأخر لاختبار مدى حصانة المواقع استعدادا لاقتحامها مستقبلا من خلال عمليات منظمة، ومثل هذا الأسلوب كان المسلمون يتبعونه منذ أن شرعوا في فتح بلاد المغرب (12).
ومهما يكن من أمر، فإن المتفق عليه بين المؤرخين العرب القدامى والمحدثين هو أن مرحلة نشر الإسلام في أقاليم جنوب غالة ارتبطت رسميا بشخص السمح بن مالك الخولاني الذي عينه الخليفة عمر بن عبد العزيز واليا على الأندلس خلفا للحر بن عبد الرحمن الثقفي. فبعد أن استلم مهامه سنة 100 ه، /719 م، تحرك على رأس جيش قوي في اتجاه الشمال حيث عبر جبال البرتات وتوغل في إقليمي بروانفسيا وسبتمانيا، واستمر في التحرك حتى أشرف على مدينة طولوشة (تولوز الحالية) إحدى أكبر حواضر هذه الأقاليم، وقد أوشك المسلمون على فتحها لولا الهجوم المباغت الذي قام به أوديس (Eudes) دوق أكيتانيا، أقوى الوحدات السياسية في جنوب غالة، وقد انتهى هجومه باستشهاد الوالي والقائد السمح بن مالك وعدد من المحاربين (13)، ويتفق المؤرخون المسلمون والمسيحيون القدامى بأن هذه الهزيمة فتت في عضد المحاربين المسلمين وحالت دون تقدمهم، فاضطرت الأعداد القليلة المتبقية منهم للتراجع إلى أربونة (أو نربونة) (Narbonne) التي غدت منذ هذا التاريخ قاعدة متقدمة ينطلق منها المسلمون لنشر الإسلام بأقاليم غالة.
وبعد فترة استغرقت ما ينيف عن الأربع سنوات قضاها الوالي الجديد عنبسة بن سحيم الكلبي في إعادة تنظيم صفوف الجيش الإسلامي، وفي حل الخلافات القائمة بين مختلف العصبيات، عاود المسلمون نشاطهم الجهادي في جنوب غالة، فعبروا جبال البرانس سنة 105 هـ، وشرعوا في شن هجوم كاسح على الأقاليم الواقعة جنوب غرب أربونة بدءا بإقليم قرقشونة (Carcassonne)، فإقليم نيمة (Nime)، فإقليم بورغونيا (a Bourgogne).
ويبدو أن النجاح الذي حالف المسلمين هذه المرة شجعهم على المضي قدما في فتح أقاليم غالة، فاستمروا في اتجاه الشمال حتى أشرفوا على مدينة باريس، التي لم تعد تفصلهم عنها سوى مسافة قصيرة لم يتمكنوا من اجتيازها بسبب المقاومة العنيفة التي أبدتها فرق من محاربي بلدة سانس (Sens) بزعامة إيبون (St. Ebbon) أسقف البلدة الذي نجح في رد المسلمين بعد وقعة 109 هـ، /727 م، (14).
والراجح أن استشهاد عنبسة بن سحيم في ظروف غامضة هو الذي حسم المعركة لصالح المسيحيين، فخسر المسلمون كل الانجازات التي حققوها من قبل، وتراجعوا إلى القاعدة الوحيدة التي ظلت تحت سيطرتهم في غالة وهي أربونة.
وعادت المشاكل الداخلية لتطفوا على السطح خلال فترة امتدت زهاء خمس سنوات تعاقب خلالها على تدبير شؤون الأندلس خمس ولاة، فتوقفت من جراء ذلك عمليات التوسع ونشر الإسلام بأقاليم ما وراء جبال البرانس حتى بداية عهد الوالي عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي سنة 112 هـ، /730 م، الذي احتفل، كما تقول النصوص، في الإعداد لحملة كاسحة على غالة.
وانطلقت تلك الحملة فعلا في أوائل صيف عام 114 هـ؛ حيث اخترقت جبال البرانس عبر ممرالروسنسفال (Roncesvalles) متجهة مباشرة إلى أكيتانيا، باعتبارها أكبر وأقوى دوقيات الجنوب، التي سقطت في أيدي المسلمين، ومنها احكموا سيطرتهم على اثنتين من أكبر وأهم مدن جنوب غالة وهما طولوشة (تولوز) السالف ذكرها وبردال أو برديل (بوردو)، ثم واصل المسلمون مسيرتهم نحو مدينة بواتيي التي توقفوا عند مشارفها استعدادا لملاقاة جيش غالي ضخم كان قادما من الشمال تحت إمرة شارل محافظ قصر أوسترازيا.
وحدثت تلك المواجهة بين الطرفين وانتهت باستشهاد عبد الرحمن الغافقي وعدد كبير من المسلمين (15)، فتمكن محاربو غالة بقيادة شارل من استعادة كافة المواقع التي كانت بحوزة المسلمين باستثناء أربونة ومحيطها التي استعصت عليهم، ولم يتمكن مسيحيو غالة من استعادتها إلا سنة 141هـ، /759 م، على يد بيبن القصير (Pépin le Bref) خليفة شارل (16).
وقد أسالت وقعة بواتيي كثيرا من المداد، وذهب بعض مفكري الغرب، منذ القرن السادس عشر، إلى اعتبارها من المعارك الحاسمة في تاريخ أوربا السياسي والعسكري والديني، وكتب أحدهم في هذا الصدد بأن انتصار المسلمين فيها كان سيجعل أقاليم غالة تحت السيطرة الإسلامية (17)، فيما ذهب أخر إلى الاعتقاد بأن انتصار المسلمين فيها كان سيجعل مجموع أقاليم غرب أوربا جزءا من دار الإسلام (18).
ومما لا شك فيه أن تلك الوقعة كان لها تأثير سلبي على حركة المد الإسلامي في اتجاه غالة وجنوب أوربا عموما، بدليل أن المحاولات التي قام بها بعض الولاة بعد سنة 114 هـ كانت قليلة ومحدودة الفعالية، بل الأكثر من ذلك أن مراكز الجنوب التي كانت في حوزة المسلمين أصبحت تحت سيادة مسيحيي غالة باستثناء قا?دة أربونة كما ذكرنا آنفا.
ثالثا: "الأندلسيون" يتلقون الإسلام من المغرب:
أوضحنا فيما مضى أن المسلمين أطلقوا اسم "الأندلس" على مجموع الأقاليم التي شملها نفوذهم في شبه جزيرة أيبيريا، وقد ظلت هذه التسمية مواكبة للوجود العربي الإسلامي بشبه جزيرة أيبيريا إبان مراحل امتداد هذا الوجود أو خلال مراحل تراجعه وانكماشه، ومن ثم، فإننا نعني "بالأندلسيين" سكان المناطق التي شملها نفوذ المسلمين بشبه جزيرة أيبيريا، ونميز في هؤلاء السكان، من وجهة نظر تاريخية، بين سكان مرحلة ما قبل الفتح الإسلامي وسكان مرحلة ما بعد الفتح.
يتألف سكان مرحلة ما قبل الفتح من العناصر أسبانو- رومانية، ومن بقايا الوندال ومن القوط الغربيين ومن بعض العناصر اليهودية، ويتألف سكان مرحلة ما بعد الفتح من جميع هؤلاء ومن العناصر البربرية والعربية والسودانية التي قامت بعمليات الفتح، وقد تعززت هذه العناصر بأعداد أخرى من الذين هاجروا إلى الأندلس بعد انتهاء عمليات الفتح.
وقد بدأت علاقة سكان مرحلة ما قبل الفتح بالإسلام في رمضان من سنة 92 هجرية حين وطأت أقدام المسلمين، بقيادة طارق بن زياد، أراضي شبه جزيرة أيبيريا. ومنذ هذا التاريخ تزايدت أعداد الذين ننعتهم بالأندلسيين، كما تنوعت انتماءاتهم اثنو- جغرافية، إذ انضافت إلى العناصر أسبانو- رومانية وبقايا الوندال والعناصر القوطية والعناصر اليهودية، أعداد من المحاربين البربر والسودان الذين قدموا إلى الأندلس تحت إمرة طارق بن زياد، ثم أعداد من المحاربين العرب قدموا تحت إمرة موسى بن نصير، ثم انضافت إلى هؤلاء طلائع العرب الذين انتقلوا من المشرق للإقامة بالأندلس، وأعداد من البربر عبروا بدورهم المضيق واستقروا هم كذلك بالأندلس، وقد شارك من ننعتهم بالأندلسيين، بمختلف انتماءاتهم الجغرافية واثنية، بدور فعال في حركة المد الإسلامي طيلة عصر الولاة:
- فالمحاربون البربر (وعدد من المحاربين السودان) والمحاربون العرب انطلقوا من المغرب ومن المشرق وقاموا بنقل الإسلام إلى شبه جزيرة أيبيريا، واجتهدوا في نشره في بعض أقاليم ما وراء جبال البرانس.
- أما الوافدون غير المحاربين، من عرب وبربر، فقد ساهموا بدورهم في نقل الإسلام وحضارة الإسلام إلى الأندلس، كما قاموا بتثبيتهما وترسيخهما بمختلف الحواضر والأرياف التي استقروا بها من خلال التواصل مع السكان المحليين، ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن عددا من الوافدين، من الذكور القادرين على حمل السلاح، انضموا، بعد عبورهم إلى الأندلس واستقرارهم بها، إلى فرق المحاربين وأسهموا في عملية نشر الإسلام في أقاليم ما وراء جبال البرانس.
- أما السكان أسبانو- رومانيين وبقايا الوندال والقوط الغربيون واليهود، فقد اعتنق عدد كبير منهم الإسلام وساهموا في تثبيت وجوده بشبه جزيرة أيبيريا، ولا شك أن بعضهم قد انضم إلى صفوف المحاربين وشارك في عملية نشر الإسلام خارج حدود شبه جزيرة أيبيريا، ومن المفيد التذكير في هذا المقام بأن عددًا من الذين لم يعتنقوا الإسلام من بين هذه العناصر تعلموا اللغة العربية وساهموا في نشر لغة القرآن داخل شبه جزيرة أيبيريا وخارجها، ويعزى الفضل إلى عدد منهم في التعريف بالثقافة الإسلامية في مختلف مناطق أوربا.
ورغم ما أوردناه من معطيات، فإننا نعتقد أن الأندلسيين ظلوا يحتلون موقع المتلقي للديانة الإسلامية حتى حدود سنة 138 هجرية تاريخ قيام الإمارة الأموية بالأندلس، لأن إسهاماتهم في حركة المد الإسلامي كانت تتم باسم الخلافة الإسلامية بالمشرق وتحت لواء الولاة الذين كانوا يديرون شؤون الأندلس باسم الخلافة مبدئيا. وبعد سنة 138 هجرية انتهى دورهم كمتلقين وتحولوا إلى عناصر فاعلة في عملية انتقال الإسلام من المغرب، ومن دار الإسلام عموما، إلى جنوب أوربا، وأصبح فعلهم يتم في إطار استقلال سياسي تام عن الخلافة.
رابعا: الأندلسيون عناصر فاعلة في انتقال الإسلام من المغرب إلى جنوب أوربا:
تمثل سنة 138 هجرية نهاية مرحلة التلقي، ليتحول الأندلسيون بعدها إلى عناصر فاعلة في عملية انتقال الإسلام إلى جنوب أوربا، على اعتبار أن جيل المحاربين أصبح بعد سنة 138 هـ، يخوض حروبه باسم الإمارة، كما أن أبناء وحفدة العناصر التي وفدت إلى الأندلس إبان الفتح وبعده مباشرة، وكذلك أبناء وحفدة السكان المحليين الذين اعتنقوا الإسلام منذ سنة 92 هـ، انتقلوا من مرحلة التلقي إلى مرحلة التفعيل، وذلك من خلال إسهامهم في تثبيت الإسلام بشبه جزيرة أيبيريا وإسهامهم في نشره ببعض أقاليم جنوب أوربا.
ويمكن أن نقف عند مظاهر هذا الانتقال من مرحلة التلقي إلى مرحلة التفعيل انطلاقا من معطيين:
- يتمثل المعطى الأول في القطيعة التي أحدثها الأندلسيون مع مذهب عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (الذي انتقل إلى الأندلس من بلاد الشام) وتحولهم إلى المذهب المالكي في عهد الأمير هشام الرضى بن عبد الرحمن الأول الذي قرر حوالي سنة 172 هجرية اعتماد هذا المذهب في القضاء والإفتاء (19). ورغم أن هذا المذهب لم يتم استحداثه بالأندلس، وتلقاه الأندلسيون من المشرق، فإن اعتناقهم له في إطار الاستقلالية السياسية يمثل، في اعتقادنا، شكلا من أشكال نهاية مرحلة التلقي.
- ويتمثل المعطى الثاني في سلسلة حملات جهادية خاضها الأندلسيون تحت زعامة أمرائهم لإعادة نشر الإسلام، أو لتثبيت وجوده ببعض أقاليم جنوب أوربا، وأهم الحملات التي تعنينا في هذا العرض تلك التي شنوها لإعادة نشر الإسلام بالجزائر الشرقية، أو ما يعرف بجزر البليار، وتلك التي قاموا بها لتثبيت الإسلام ببعض أقاليم جنوب غالة.
1- الحملات الجهادية بجزر البليار:
تتمثل جزر البليار في أرخبيل من الجزر تقع في البحر المتوسط شرق شبه جزيرة أيبيريا وأكبر هذه الجزر مساحة جزيرة ميورقة (Maillorca)، ثم تليها من حيث الأهمية والمساحة جزيرتا منورقة (Menorca) ويابسة (Ibiza). كانت هذه الجزر خاضعة مبدئيا للسلطة البيزنطية، ولكنها كانت مستقلة من الناحية الفعلية عندما انطلقت عمليات الفتح الإسلامي للأندلس، وقد شن عليها المسلمون سلسلة من الغارات قبل سنة 92 هجرية نظرا لقربها من الساحل الشمال إفريقي الذي أصبح يدخل ضمن مجال نفوذ المسلمين في سياق حركة المد الإسلامي (20)، وكانت أهم تلك الغارات غارة 89 هجرية التي انتهت بإبرام أول معاهدة بين المسلمين وحكام جزيرتي ميورقة ومنورقة، وبموجب هذه المعاهدة أصبح الميورقيون والمنورقيون معاهدين، يدفعون جزية محددة للمسلمين ولا يعترضون سبيل قطع الأسطول الإسلامي، وظلت هذه المعاهدة سارية المفعول حتى حدود حوالي سنة 160 هجرية، حيث نقض حكام الجزيرتان العهد، مستغلين المشاكل الدائرة في مشرق الخلافة الإسلامية، وتغير نظام الحكم في الأندلس بوصول عبد الرحمن الداخل إليها، ودخلوا في تحالف مع مسيحيي غالة الذين كانوا آنذاك في أوج قوتهم بعد أن أصبح يحكمهم شارلمان ابتداء من سنة 155هـ، /771 م.
وفي ضوء هذه المتغيرات أصبح من الصعب إعادة تلك الجزر مجددا إلى حظيرة الإسلام، ولكن ما إن سيطر أفراد الأسرة الأموية على مقدرات السلطة في الأندلس، حتى شرعوا في شن غارات على جزر البليار، ولعل أهم الغارات تلك التي تمت سنة 234 هـ، ويذكر ابن حيان في معرض حديثه عنها أن الأمير عبد الرحمن بن الحكم وجه أسطولا قوامه ثلاثمائة مركب إلى جزيرتي ميورقة ومنورقة ردا على نقضهم للعهد المبرم سابقا واعتراضهم لمراكب المسلمين (21)، ويبدو أن المسلمين لم يستطيعوا إنهاء هذه الغارة، كسابقاتها بحسم عسكري وسيطرة تامة على الجزيرتين، وهكذا اكتفوا هذه المرة كما في المرات السابقة بإبرام عهد مع حكام الجزيرتين اعترف فيه هؤلاء على مضض بتبعيتهم الاسمية للمسلمين.
وظل الوضع بين عهد ونقض للعهد حتى حوالي سنة 290 ه، حين جهز الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الأوسط أسطولا قويا انخرط فيه كثير من غزاة البحر والمتطوعين الراغبين في الجهاد (22)، وقد أوكلت مهمة قيادة هذا الأسطول لأحد العارفين بأمور البحر وهو القائد عصام الخولاني الذي شن حملة مكثفة على جزيرتي ميورقة ومنورقة انتهت، هذه المرة، بسيطرة المسلمين عليهما، فعين الأمير الأموي القائد الخولاني حاكما عليهما، وقد اتخذ هذا الأخير من ميورقة أكبر جزر الأرخبيل مقرا لسلطته، ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه الجزر تندرج ضمن خارطة المجال الجغرافي الذي شمله الإسلام ونفوذ المسلمين. فقد تعاقب على تدبير شؤونها عدد من الولاة، كما تعززت صلاتها بالمراكز الواقعة في قلب الأندلس بفضل الجالية الإسلامية المقيمة بها؛ والتي كانت أعداد أفرادها في تزايد مطرد منذ سنة 89 هجرية بفضل الهجرات التي كانت تقوم بها كثير من الأسر من الأندلس، ومن مختلف مناطق دار الإسلام.
2- الحملات الجهادية بأقاليم جنوب غالة:
تمثل هذه الحملات استمرارية للمجهود الحربي- الجهادي الذي قام به المسلمون منذ عصر الولاة كما أوضحنا ذلك في الصفحات السابقة، ولكنها أصبحت تتم منذ سنة 138 هجرية تحت إمرة أمراء الأندلس المستقلة.
وأولى الحملات التي تجاوزت جبال البرتات في عهد الإمارة تلك التي سيرها عبد الرحمن بن معاوية إلى أربونة سنة 141 هـ، /758 م، ، مباشرة بعد أن استتب الأمر له، في محاولة منه لفك الحصار الذي ضربه الفرنجة على مسلمي هذه المدينة، غير أن الحملة فشلت في تحقيق المراد، وسقطت أربونة في حوزة الغاليين سنة بعد ذلك كما ذكرنا آنفا.
وأهم الحملات التي حققت نجاحا ميدانيا، ولو محدودا، تمت سنة 177 هـ، /772م، في عهد الأمير هشام بن عبد الرحمن الذي أرسل جيشا تحت إمرة حاجبه عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث الذي توغل في جرندة واصطدم فيها بحامية من محاربي غالة، وقد نجح في الاستيلاء عليها، ومنها توغل في إقليم سبتمانيا واتجه إلى مدينة أربونة القاعدة الإسلامية القديمة ونجح في دخولها ولكن دون التمكن من استعادتها إلى حظيرة الإسلام.
وان أهم ما توقف عنده الإخباريون المسلمون الذي تناولوا مجريات هذه الحملة هو أن القائد عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث أرغم الأسرى الغاليين، وهو عائد بجيشه إلى قرطبة، على حمل كميات من تراب وأحجار أربونة استعملت في توسعة مسجد قرطبة الذي كان الأمير عبد الرحمن الداخل قد بدأ تشييده (23).
وعاود مسلمو الأندلس الجهاد في الجبهة الغالية في عهد الأمير عبد الرحمن بن الحكم الذي عين عبيد الله البلنسي قائدا على جيش عبر جبال البرتات سنة 226 هـ، /840 م، وقد وصل هذا الجيش فعلا إلى حدود مدينة أربونة وهزم الجيش الفرنجي الذي اعترض طريقه، ورغم النصر البين الذي حققه المسلمون فقد اكتفوا بما حصلوا عليه من غنائم وأسرى كما حدث في حملة 177 هـ، ولم يعملوا على السيطرة على المدينة أو على معاقل أخرى غالية.
ومهما يكن من أمر فإن المعلومات التي تتضمنها كتب الإخباريات، والدراسات الحديثة، عن هذه الحملة وعن سابقاتها تترك لدى القارئ الانطباع بأن جهاد مسلمي الأندلس في أقاليم ما وراء جبال البرتات أصبح محدودا وغير ذي فعالية خلال عصر الإمارة، ولا شك أن ثمة من الأسباب ما يبرر هذا الأمر؛ فغالة، ميدان ذلك الجهاد، أصبحت كيانا قوي الشكيمة منذ منتصف القرن الثاني الهجري/الثامن للميلاد، وبالتالي فإن أمر معاودة غزوها، أو استعادة المراكز والمواقع التي تمت السيطرة عليها قبل وقعة بواتيي أصبح أمرا مستعصيا على المسلمين، بل الأدهى من ذلك أن القائمين على الأمر في غالة انتقلوا من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم، وأصبحوا يعملون على التوسع داخل تراب شبه جزيرة أيبيريا، فتمكنوا فعلا منذ سنة 185 هـ /801 م، من الاستيلاء على مدينة برشلونة، التي اتخذوها مع محيطها ثغرا لمملكتهم داخل شبه جزيرة أيبيريا.
ومن جهة أخرى، فإن الاتجاه الذي أخذه تطور الأوضاع داخل الدائرة التي شملتها سيادة المسلمين في شبه جزيرة أيبيريا، وداخل باقي أراضي شبه جزيرة أيبيريا أيضا أصبح يقتضي صرف النظر نسبيا (وربما كليا) عن الجهاد في أقاليم ما وراء جبال البرتات، فعلى مستوى دائرة السيادة الإسلامية، تفاقمت الانتفاضات الاجتماعية وحركات العصيان ومحاولات الاستقلال عن السلطة المركزية، فوجد القائمون على الأمر في الأندلس أنفسهم مجبرين على استنفار الجيوش وتعبئة الموارد المرة تلو المرة خلال السنة الواحدة لإخماد تلك الانتفاضات وتأديب المتمردين واستئصال شأفة المنتزين.
وعلى المستوى الأيبيري، فإن الزمرة من فلول المسيحيين الذين لاذوا بالفرار، وتحصنوا في بضع مواقع في شمال شبه الجزيرة، زمن عمليات فتح الأندلس تعاظمت قوتهم، وأصبحت معاقلهم عبارة عن كيانات سياسية متماسكة، فأخذ حكامها يطمحون في توسيع مجال نفوذهم، ولتحقيق هذا المسعى كثيرا ما كانوا يستغلون الفتن والاضطرابات داخل الإمارة للقيام بعمليات عدائية ضد بعض الحواضر والحصون الثغرية الإسلامية، كما لم يترددوا في مد يد العون لبعض القوى الداخلية المناوئة لإضعاف السلطة المركزية وتحقيق مسعاهم، ومن ثم فإن جانبا من موارد الإمارة، ومن طاقاتها العسكرية؛ أصبحت تستنزف داخل حدود شبه جزيرة أيبيريا، حتى أن معظم الذين تعاقبوا على حكم الأندلس من أمراء وخلفاء وحجاب اضطروا إلى تنظيم سلسلة مكثفة من الحملات العسكرية، المعروفة بالصوائف والشتاوي، لاحتواء خطر هذه الممالك، ويكفي أن نذكر في هذا السياق بأن آخر أقوى من حكموا الأندلس، ونعني به الحاجب المنصور بن أبي عامر، سير لوحده ما يفوق الستة والخمسين حملة ضد معاقل هذه الممالك (24).
وما أتينا على ذكره في الأسطر السالفة لا يعني البتة بأن دور الأندلسيين في نشر الإسلام بربوع غالة قد تراجع بفعل محدودية وعدم فعالية الحملات التي سيرها الأمراء نحوها، إذ حاولوا عن طريق العلاقات السياسية والدبلوماسية، وعن طريق المبادلات التجارية والثقافية تحقيق ما فشلوا في تحقيقه عسكريا. ودون الخوض مطولا في هذه الجوانب التي تقتضي لوحدها عرضا مستقلا، فضلا عن كونها شكلت مواضيع عدد من الأبحاث والدراسات، نكتفي بالقول، فيما يتعلق بموضوع عرضنا، بأن هذه العلاقات والمبادلات شكلت إحدى قنوات انتشار الإسلام في غالة، وفي أقاليم جنوب أوربا بشكل عام.
فكما هو معروف قامت هذه العلاقات والمبادلات منذ الفترات المتأخرة من عهد عبد الرحمن الداخل على أساس حركة انتقال للمبعوثين وللأفراد وللبضائع بين الأندلس وغالة وإيطاليا وغيرهما من أقطار أوربا، وقد كانت الأفكار، ومنظومة القيم تنتقل بدورها مواكبة لحركة انتقال المبعوثين والأفراد والبضائع، وبذلك كانت مبادئ الإسلام ولغة القرآن تنتقل من الأندلس إلى الديار الأوربية عبر الرسائل والرسل، وبواسطة التجار والبعثات الأندلسية، كما كانت نتقل بواسطة الرسل والتجار والمبعوثين الأوربيين.
ويبدو أن دور بعثات الطلاب الأوربيين كان حاسمًا في هذا المجال، فقد كان هؤلاء الطلاب يفدون من مختلف ممالك أوربا إلى الأندلس، فيقيمون بها ردحا من الزمن لتلقي العلم، وتفيد بعض الدراسات التي تناول مؤلفوها هذا الجانب (25)، أن عدد الطلبة الذين كانت تتألف منهم تلك البعثات كان يتجاوز أحيانا المئات، وقد حدث أن قدمت إلى الأندلس بعثة مؤلفة من 215 طالبا باريا، فتحول ثمانية طلبة منهم (بين ذكور وإناث) إلى الإسلام (26). ولا شك أن مثل هذا الأمر كان يحدث أيضا في أوساط الأسرى، الذين كان عدد منهم، من ذكور وإناث، يعتنقون الإسلام خلال فترة الأسر ويتعلمون اللغة العربية، ثم ينقلون، بعد فترة الأسر، إسلامهم وما تعلموه من مبادئ إلى مدن ومراكز إقامتهم في أوربا.
والراجح أن الكتب مثلت أهم الوسائط التي انتقل من خلالها الإسلام وثقافة الإسلام إلى أوربا، فقد تم الشروع، منذ منتصف القرن الرابع الهجري، في نقل عدد من مصنفات المسلمين، في مجالات الطب والفلك والفلسفة، إلى اللغة اللاتينية، وقام المستعربون واليهود، كما هو معروف، بدور بارز في هذا المجال، بل إن الأوربيين أنفسهم انخرطوا في عملية النقل تلك. ونستحضر في هذا المقام ما قام به الراهب بطرس الجليل (Pierre le Vénérable) (27) الذي جمع في أعقاب زيارة قام بها للأندلس بين سنتي 1142 و1143م، نخبة من المتمرسين على اللغة العربية وأمرهم بترجمة نص القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية.
والحقيقة أن معظم الذين قاموا بدور النقل، من مستعربين ويهود وأوربيين، لم يعتنقوا الإسلام رغم تعاطيهم لعملية نقل هذا التراث، حتى وأن تمثله بعضهم من خلال عمليتي القر?ءة والترجمة إلى اللاتينية قبل نقله كبضاعة إلى أوربا، ولكن عملية النقل التي قاموا بها كان لها، من دون شك، تأثير بالغ الأهمية، فقد أقبل الأوربيون على القرآن وعلى المصنفات المترجمة، ولا شك أن عددا منهم اكتفوا باقتناء نسخ منها بوصفها بضاعة تصلح لتزيين الفضاء، بينما اقتنى آخرون نسخا منها، وقرؤوها وتمثلوها وأثرت فيهم لأن جانبا من مضامينها كان يخاطب الوجدان.
وبناء على هذه الفرضية، فمن المحتمل جدا أن يكون عدد من الأوربيين قد تحولوا إلى الإسلام تحت تأثير مضامين القرآن وتلك المؤلفات، رغم أننا لا نتوفر على معطيات رقمية أو مؤشرات تسمح باقتراح تخمينات (des conjectures) حول العدد الإجمالي للذكور وللإناث الأوربيين الذين يمكن أن يكونوا قد تحولوا إلى الإسلام خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة تحت تأثير الثقافة الإسلامية. وفي أسوء الأحوال، فمن المؤكد أن النص القرآني والمؤلفات الأخرى التي تم نقلها من الأندلس إلى ممالك جنوب أوربا قد سمحت لجمهور من الأوربيين من التعرف على مبادئ الإسلام في مجالي العبادات والمعاملات. ومن ثم، فلا شك أن عددا من الذين اطلعوا على نماذج منها قد تبنوا بعض المبادئ التي تتضمنها (28).
مما لا شك فيه أن المعطيات التي تضمنتها الصفحات السابقة تسمح بإبراز دور الأندلس والأندلسيين في انتقال الإسلام من شمال إفريقيا إلى جنوب أوربا، ونستطيع في ضوء تلك المعطيات أن نستنتج الخلاصات الكبرى التالية:
أولاً: رغم وجود مجرى مائي جعل القارة الأوربية منفصلة جغرافيا عن القارة الإفريقية، فإن أحداث تاريخ أقاليم غرب البحر المتوسط في العصرين القديم والوسيط أبانت بأن ذلك المجرى لم يعق أبدا التواصل بين مجتمعات شمال إفريقيا ومجتمعات شبه جزيرة أيبيريا، بل إن استحضار نماذج من تلك الأحداث يفيد بأن ذلك المجرى المائي كان مجرد ممر، كالممرات والمسالك اليابسة، فقد كان أفراد تلك المجتمعات يسلكونه فرادى وجماعات في أوقات السلم وفي أوقات الحرب، رغم استعمالهم لوسائل إبحار تبدو بسيطة بالنظر إلى وتيرة التواصل الذي كان أكثر سيولة وكثافة من التواصل الذي تشهده اليوم المعابر الحدودية بين بعض الدول العربية المتجاورة.
ورغم أن بعض ساسة إسبانيا المعاصرين (29)، يسعون جاهدين إلى ترسيخ انتماء مملكتهم للقارة الأوربية، ويديرون في ذات الوقت ظهورهم لشمال إفريقيا، فإن حقائق التاريخ والجغرافيا تفيد بأن شبه جزيرة أيبيريا كانت دوما، وستبقى إلى الأبد، على مرمى حجر من شمال إفريقيا، وما عمليات العبور التي يقوم بها مئات الشباب يوميا من المغرب نحو شبه جزيرة أيبيريا عبر مراكب، لا تقل بساطة عن تلك التي استعملها الرومانيون والمسل?ون، إلا دليل على صحة ما نذهب إليه. وبما أن اسبانيا تنتمي جغرافيا للقارة الأوربية، وقدر لها أن ترتبط حضاريا بشمال إفريقيا خلال فترات من تاريخها، فإنها مؤهلة أكثر من غيرها من أقطار أوربا لاحتضان المؤسسات المهتمة بالحوار بين الأديان لأنها كانت خلال العصر الوسيط مجالا تعايشت فيه المسيحية واليهودية والإسلام (30). ويمكن أن تتخذ، على الأقل، قاعدة للتقريب بين دول شمال إفريقيا (والدول العربية عامة) ودول أوربا.
ثانيا: بناء على المعطى الذي أتينا على ذكره، نعتقد أن ساسة اسبانيا مدعوون للاضطلاع بدور رائد في الحوار العربي- الأوربي، والى الانتصار للقضايا العربية داخل الاتحاد الأوربي وفي مختلف المحافل الدولية.
ويبدوغير مفهوم موقف هؤلاء الساسة الذين يتعاملون مع ماضي مملكتهم بمعيار مزدوج، فهم يتنكرون لقرون طويلة من تاريخها الوسيط والحديث فيها حضور عربي، فيديرون أظهرهم للمجتمعات العربية في آسيا وفي شمال إفريقيا كما ذكرنا، ويحرصون بالمقابل على تمتين عرى التواصل مع بعض مجتمعات أمريكا اللاتينية التي تربطها بدولتهم أواصر اللغة وذكريات الحقبة الاستعمارية، ولا شك أن مثل هذا الموقف يستدعي هبة من قبل المثقفين الموضوعيين، ومن قبل هيئات ومنظمات المجتمع المدني الإسبانية والعربية (التي ينتمي إليها إسبان من أصول عربية أو أفراد من الجالية العربية) لتصحيح المسار ولتحفيز مواطني إسبانيا على تمتين الصلات مع مواطني الأقطار العربية.
ثالثا: توضح المعطيات التي يتضمنها العرض بأن الإسلام انتشر في رقعة جغرافية واسعة من القارة الأوربية في ظرف وجيز، ويبدو هذا الأمر مثيرا للغاية إذا علمنا بأن الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتوفر على أقوى الجيوش عدة وعددا، لم تستطع قط اكتساح دويلة أفغانستان؛ كما أن اجتياحها للعراق تطلب أشهرا طويلة، ولم يتحقق إلا بفضل الدعم العسكري المباشر الذي قدمته دول أخرى ناهيك عن الدعم اللوجستيكي اللامحدود.
وإذ لم يعد ثمة أحد ينكر آثار الإسلام في شبه جزيرة أيبيريا، والتي لا زالت بادية للعيان حتى اليوم رغم مرور قرون طويلة، فإن عددا من الباحثين الفرنسيين ظلوا حتى السنوات القليلة الماضية ينكرون وجود مثل هذه الآثار في حدود التراب الفرنسي (31)، ويجمعون بأن حصيلة الوجود الإسلامي في مدن جنوب غالة تنحصر في بضع قطع من خزف، وبضع قطع نقدية، وبضع كلمات، وبقايا منشأة في مدينة أربونة يبدو أنها كانت مسجدا (32).
ودعواهم في ذلك هو أن المسلمين لم يقيموا طويلا في تلك المدن، فمدن مثل أرل (Arles) وبيزيي (Béziers) ونيم (Nîmes) اقتحموها و"نهبوها" دون أن يقيموا بها، أما مدينة أربونة، التي تذكر المصادر أن المسلمين اتخذوها مستقرا لهم، فإن إقامتهم بها لم تدم أكثر من أربعين سنة، أما موقع "فرخشنة" (le Fraxinet) أو (Fraxinetum) الذي كانت تتوالى عليه مراكبهم، فقد كان مزار مجموعة "قراصنة" همهم السلب والنهب، وحجة هؤلاء الباحثين فيما يذهبون إليه هو أن المصادر الخطية، الإسلامية والمسيحية، التي تناولت مجريات غارات المسلمين على هذه المدن قليلة جدا، كما أن المعلومات التي تتضمنها لا تسمح بالحديث عن وجود إسلامي مماثل لذلك الذي حدث في الجزر الإيطالية أو في جزر البليار.
وقد حاول ثلة من المؤرخين (33)، منذ سنوات قليلة مضت إعادة النظر في هذه الأطروحة التي كادت أن تصبح من المسلمات، فعكفوا على إعادة قراءة تلك المصادر الخطية، وانضم إليهم بعض الباحثين الأثريين (34)، الذين قاموا بعمليات سبر وتنقيب جدية أسفرت في بحر سنة 2005 عن نتائج بالغة القيمة، فقد كشفت عن عدد من القطع النقدية، وعن عدد من القطع الخزفية، وعن مجموعة أختام (des sceaux) تتألف من 42 قطعة من حجم متوسط مصنوعة من الرصاص تم العثور عليها في موقع روسينو (Ruscino) القريب من مدينة بربنيان (Perpignan)، كل قطعة من تلك الأختام منقوش عليها بخط كوفي عبارة "مغنوم طيب" على وجه، وعبارة "قسم بأربونة" على الوجه الأخر (35).
أفادت التحاليل والتحريات بأن هذه الأختام تعود لسنة 720 ميلادية، ويحتمل أنها كانت تستعمل لشد طرفي أشرطة جلدية لإحكام ربطها (ودمغها إلى حد ما لكي لا يجرؤ أحد على فتح ما ربطت به)، وقد كانت هذه الأشرطة تستعمل لربط (إغلاق) صناديق أو أكياس كانت تودع بها الأشياء الثمينة (قطع ذهبية وغيرها) التي غنمها المسلمون بعد غارتهم الأولى على أربونة، وإن العبارتان المنقوشتان على تلك الأختام تفيد بأن المسلمين اتخذوا من أربونة، بعد الاستيلاء عليها، قاعدة عسكرية متقدمة في التراب الفرنسي، كما اتخذوها مركزا إداريا كانت تباشر منه إدارة مجموع مناطق ما وراء جبال البرانس التي انضوت تحت السيادة الإسلامية.
ومن المعلوم أن الباحثين الفرنسيين ظلوا متحفظين كثيرا، ولسنوات طويلة، حتى تاريخ الإعلان عن نتائج هذه الكشوفات، ولا بأس من التذكير في هذا المقام بأنهم أنكروا فيما مضى على الباحث جون لاكام (Jean Lacam) ما توصل إليه، من خلاصات، بعد حفريات قام بها في موقع بأربونة سنة 1952، مفادها أن المسلمين استقروا في المدينة وعمروها وأقاموا بها مرافق عامة وحولوا جناحا من كنيستها إلى مسجد يشهد بأن شعائر الإسلام أقيمت في تلك الديار (36).
ورغم أن اللقى التي أسفرت عنها التنقيبات في موقع روسينو ستفرض إعادة النظر في الطروحات السابقة، فنعتقد أن إعادة النظر هاته -إذا ما حصلت طبعًا- تنسجم مع منطق الأشياء، وسترد الأمور إلى نصابها، لأن المسلمين أقاموا في مدينة أربونة زهاء الأربعين سنة، وأقاموا في منطقة فرخشنة ما يزيد عن قرن من الزمان، فلا يعقل أن يوسمون بكونهم كانوا عابري سبيل أو قراصنة يلاحقون الطرائد، وحتى إذا افترضنا بأن المسلمين حلوا بهذه المدن من أجل السلب والنهب، فلا يعقل أن يكونوا قد قضوا تلك المدة الطويلة في سواحل جنوب غالة على متن مراكبهم دون أن يفكروا في الاستقرار واستثمار الأرض وإقامة ما يحتاجون إليه من دور للإقامة ومساجد لأداء الشعائر ومقابر لدفن موتاهم.
ومن المحتمل جدًا أن تكون المرافق والمنشآت التي أقاموها قد تعرضت لعمليات تخريب وتدمير ممنهجة بعد إجلاء المسلمين عن تلك المدن، فمن المعروف أن عمليات من هذا القبيل قد طالت كل معلم ذي صلة بالإسلام وبالمسلمين لمحو أي أثر لهما في هذه المناطق، وحدث ذلك في سياق روح الكراهية التي سادت في غالة، وفي شبه جزيرة أيبيريا أيضا، ابتداء من مطلع القرن الحادي عشر للميلاد بمناسبة الحروب الصليبية وحرب الاسترداد التي كانت عبارة عن حروب تطهير عرقية وثقافية في ذات الوقت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لمزيد من التفاصيل بخصوص هذا الموضوع يمكن العودة إلى كتاب ج. س. كولان، الأندلس، تعريب لجنة الترجمة بدائرة المعارف الإسلامية، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، القاهرة-بيروت، 1980، ص.ص. 17-60.
(2) باولوس أوروسيوس (Paulus Orosius) رجل دين، وأحد أبرز تلامذة القديس أوغسطين. ولد على الأرجح في مدينة طركونة باسبانيا بين سنتي 375 و380 ميلادية. اشتهر باشتراكه في عدة سجالات ضد المناوئين للمسيحية وللكنيسة في شبه جزيرة أيبيريا وفي افريقية وفلسطين. استقر في مدينة قرطاج التونسية وبها اعتكف بين سنتي 416 و418 م. على وضع مؤلفه الشهير "Historiarum adversum paganus" (تواريخ ضد الوثنيين).
(3) اطلع مسلمو الأندلس على هذا المؤلف خلال القرن الرابع الهجري وقاموا بنقله إلى اللغة العربية.وقد أعاد الباحث المصري عبد الرحمن بدوي تحقيق هذا النص العربي وقدم له ونشره تحت عنوان "تاريخ العالم". وصدر صمن منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت سنة 1982. وقد أعيد نشر نفس النص العربي بمدريد سنة 2001 تحت عنوان:
Kitab Hurusiyus (traduccion arabe de las « Historiae adversus paganus » de Orosio), edi- cion y estudio Mayte Penelas, Consejo Superior de Investigaciones Cientificas y Agencia Espagnola de Cooperacion Internacional.
(4) Al-Razi, Abu Bakr Ahmad Ibn Muhammad (mort en 344 H/952), Description de l’Espa-gne, texte traduit et établi par EvaristeLévi-Provençal, Al-Andalus, Vol. XVII, Fasc, 2, 1953, pp.51-108.
(5) من بينهم على سبيل المثال الباحث الجغرافي ميشال درين (Michel Drain) الذي يرى بأن شبه جزيرة أيبيريا تبدو على هيئة مثلث، أطول أضلاعه يقع في واجهة المحيط الأطلسي، ويمتد على طول 250 كلم. أنظر ?تابه:
Géographie de la Péninsule Ibérique, Paris, P.U.F., 1972, p.127.
(6) يسري الجوهري، جغرافية البحر المتوسط، منشورات منشأة المعارف، الإسكندرية، 1984، ص. 49.
(7) أبو بكر محمد بن القوطية (توفي سنة 367 ه.)، تاريخ افتتاح الأندلس، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، القاهرة-بيروت، 1989، ص.ص. 35-36.
(8) لا يدخل ضمن اهتمامنا في هذا العرض الحديث بإسهاب عن مراكز استقرار الفاتحين. ولمزيد من التفاصيل يمكن العودة إلى كتاب الفتح والاستقرار العربي الإسلامي في شمال إفريقيا والأندلس لعبد الواحد ذنون طه، منشورات دار المدار الإسلامي، بيروت، 2004، ص.ص. 173-284.
(9) أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني (توفي سنة 1041 ه.)، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، تحقيق إحسان عباس، دار صادرن بيروت، 1968، المجلد الأول، ص. 276.
(10) يمكن العودة إلى النسخة اللاتينية من كتابه:
Chronicon, Paris, Bibliothèque Nationale de France, Latin 4991 A.
كما يمكن العودة إلى ترجمتها الفرنسية الموسومة ب:
Chronique des abbés de Moissac, éd. et trad. Régis De La Haye, Maastricht, Maastricht- Moissac, 1994-2006., pp., 43-44.
(11) أنظر كتابه:
Histoire générale de Provence, Paris, éd. Moutard, 1777-1786, 4 volumes.
(12) أنظر في هذا الشأن ما أورده عبد الرحمن بن عبد الحكم عن فتح افريقية في كتابه فتوح مصر وأخبارها. حيث يذكر (في الصفحة 34 من النسخة التي حققها عبد الله أنيس الطباع ونشرها تحت عنوان:فتوح إفريقيا والأندلس) أن عمرو بن العاص وبعده عبد الله بن سعد بن أبي سرح كانا يبعثان"المسلمين في جرائد الخيل" إلى أطراف افريقية فيغنمون ويعودون. وقد خبروا بذلك تحصيناتها ومستوى جاهزية مقاتليها قبل أن يقوموا بفتحها.
(13) أنظر وقائع ونتائج الوقعة في كتاب حسين مؤنس، فجر الأندلس (دراسة في تاريخ الأندلس من الفتح الإسلامي إلى قيام الدولة الأموية)، العصر الحديث للنشر والتوزيع ودار المناهل للنشر والتوزيع، بيروت، 2003، ص.ص. 305-306. وأنظر معلومات عنها من وجهة نظر مسيحية في إخبارية فردڭير التي يتضمنها كتاب تاريخ الفرنجة لغريغوار أسقف كنيسة تور:
Chronique de Frédégaire in Histoire des Francs de Grégoire de Tours,éd. et traduction François Guizot, Paris, J. L. J. Brière Libraire, 1825, Tome II, p.238 et suivantes.
(14) لمزيد من التفاصيل حول شخصية إيبون وحول الوقعة المذكورة يمكن العودة إلى كتاب:
Abbé Cornat, Notice sur les archevêques de Sens et les évêques d’Auxerre, Sens, Impri- merie et librairie Ch. Duchemin, 1855, pp.12-13.
(15) أنظر رواية إخباريي غالة عن هذه الوقعة في إخبارية فردڭير التي سبقت الإحالة عليها، ص.ص.240-241. وفي إخبارية أديمار:
Adémar de Chabannes (mort en 1034), Chronicon, éd. Jules Chavanon, Paris, éd. Picard, 1866-1919, Livre I, chap. 52, p. 52.
(16) نفس المصدر، الكتاب الأول، فصل 59، ص.61.
(17) François-Marie Arouet (Voltaire), Essai sur les mœurs et l’esprit des nations, Paris, éd. Garnery, 1875, Tome I, chap., VI, p. 368.
(18)François-René de Chateaubriand Analyse raisonnée de l’histoire de France, Paris, éd. Furne, 1865, Tome VIII, p. 16.
(19) أنظر كتاب ذكر بلاد الأندلس لمؤلف مجهول، تحقيق وترجمة لويس مولينا (Louis Molina)، المجلس الأعلى للأبحاث العلمية ومعهد ميغل أسين، مدريد، 1983، ص. 125.
(20) للوقوف على تفاصيل تلك الغارات نحيل القارئ على كتاب عصام سالم سيسالم، جزر الأندلس المنسية (التاريخ الإسلامي لجزر البليار) (89ه – 685ه.)، دار العلم للملايين، 1984، ص.ص. 49-52.
(21) أبو مروان حيان بن خلف بن حيان القرطبي (توفي سنة 469ه.)، المقتبس من أنباء أهل الأندلس (القطعة الخاصة بعصر عبد الرحمن الأوسط)، تحقيق وتقديم وتعليق محمود علي مكي، منشورات لجنة إحياء التراث العربي، القاهرة، 1994، ص. 414.
(22) عصام سالم سيسالم، جزر الأندلس المنسية...، ص.50 وعبد الرزاق حسين، الأدب العربي في جزر البليار، منشورات دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية، الكويت، 1994، ص.18.
(23) أبو العباس أحمد بن محمد بن عذاري المراكشي (كان حيا سنة 712 ه.)، البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب، الجزء الثاني، تحقيق ومراجعة ج. س. كولان وإيفاريست-ليفي بروفانسال، دار الثقافة، بيروت، 1980، ص. 64. ونفح الطيب...، مصدر سبقت الإحالة عليه، المجلد الأول، ص. 337.
(24) أنظر كتاب ذكر بلاد الأندلس الذي سبقت الإحالة عليه، ص. 185.
(25) من بينها على سبيل المثال لا الحصر كتاب وات منتجومري، فضل الإسلام على الحضارة الغربية، ترجمة حسين أحمد أمين، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1983. وكتاب خليل إبراهيم السامرائي وعبد الواحد ذنون طه وصالح مطلوب، تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2000.
(26) أنظر كتاب تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس، ص. 478.
(27) راهب فرنسي ولد حوالي سنة 1093 أو 1094م. انخرط في دير كلوني (Cluny) ابتداء من سنة 1122 م. حتى تاريخ وفاته في دجنبر من سنة 1156 م. أنظر عن حياته وعن موقفه من الإسلام:
James Kritzeck, Peter the Venerable and Islam, Princeton, Press, 1964.
(28) من المفيد الإشارة في هذا الصدد إلى أن الباحث جون-لوي جروتو نشرمقالا يتضمن إشارات بالغة الدلالة تسير في هذا الاتجاه وهو يعالج بعض مظاهر حضور التصوف في ثقافة وسلوك عناصر من النخبة المثقفة في أوربا. أنظر:
Jean-Louis Girotto, « Traces de soufisme en Europe occidentale », www.soufisme.
(29) نعني هنا أقطاب الحزب الشعبي بوجه خاص.
(30) يبدو أن هذا المعطى بالذات هو الذي كان وراء اختيار ‘سبانيا لاحتضان أول مؤتمر عالمي لحوار الأديان انعقد في منتصف شهر يوليوز سنة 2008.
(31) نذكر من بين هؤلاء على سبيل المثال ألبيرغرونيي (Albert Grenier) وغابريال ديميون دارشيمبو (Gabrielle Demians D’Archimbaud).
(32) أنظر في هذا الصدد كتاب جورج ألانبرتران (Georges Alain Bertrand):
Traces, mémoires musulmanes en cœur de France, Paris, Chaman édition, 2000, p.64.
(33) نذكر على رأس هؤلاء الباحثين فليب سيناك (Philippe Sénac) وجون– فرانسوا كليمونJean-François) . (Clément
(34) على رأسهم الباحث ريمي ماريشال (Rémy Marichal) الذي أحدثت تنقيباتهفي موقع روسينو (Ruscino)نقلة نوعية فيما نحن بصدد الحديث عنه. وقد وافته المنية في شتنبر 2007 قبل أن يستكمل مشروعه الطموح.
(35) أنظر عن هذه الكشوفات:
Le Centre archéologique Rémy Marichal sur le site de de Perpignan www. mairie-perpignan.fr
(36) لمزيد من التفاصيل يمكن العودة إلى كتابه الموسوم ب:
Les Sarrasins dans le haut Moyen Age français: Histoire et archéologie, Paris, Maison-neuve et Larose, 1965.
يوسف نكادي