أحاسيس عانس!

الفتاة العانس أو التي تأخر بها قطار الزواج تعيش في أغلب الأحيان أسيرة لمجموعة مختلفة من المشاعر السلبية، التي قد تؤثر على شخصيتها إن استمرت في تجاهلها أو العيش معها ولم تحاول علاجها والتصدي لها..

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -


آهات وزفرات:
"أتمنى عندما أريد الحب من شخص أن أجده، أتمنى أن لا يخيب ظني، يكفي ما خاب ظني منهم ومن خيبت فيهم ظني، أعرف أنني لست جميلة وأنني مهما لبست من ملابس راقية لن أبدو جميلة ومهندمة، أبسط شيء الحجاب، آخذ فيه ساعات لأشعر بالارتياح نحوه، مقيدة بألوان معينة لأن لون بشرتي لا يسمح لي بكل الألوان، فأنا سمراء كأبي وأختاي بيضاوات كأمي.

أحب أحلام اليقظة بل أعشقها، فأنا فيها مصممة مواقع يقبل عليها الشباب. وأنا فيها نجمة تتسارع القنوات لاستضافتي وتتسارع الجمعيات النسوية لدعوتي. وأنا فيها أستاذة جامعية، وأنا فيها أم لفتاة جميلة وزوجة لرجل وقور، وأنا فيها فتاة تسافر هنا وهناك لها من المهام الكثير، وأنا فيها فتاة جذابة يتعلق بها شاب في العمل أو في المواصلات أو زميل في الدراسة" (استشارات موقع مجانين).

"أنا مدرسة لغة إنجليزية وطالبة بالدراسات العليا في تمهيد الماجيستر ولا أشعر بأي سعادة. في أوقات كثيرة أتمنى لو أن ترتسم على شفتي الابتسامة، أشعر أنني غير محظوظة فأنا أكبر في السن ولم أتزوج حتى الآن، كان هذا الموضوع في السابق لا يهمني حتى أنني كنت أتمنى لوقت قريب أن لا أرتبط، ولكن عندما بدأت أخرج للعمل حيث أنني حديثة العهد بوظيفتي وجدت أن هناك فرقًا بين الفتاة التي يتهافت على خطبتها الشباب وبين الفتاة التي لم يدق بابها خطيب واحد، يؤلمني بشدة إن قال لي أحد: عقبالك، لا أعرف. أشعر وكأن اليوم لن يأتي الذي أصبح فيه زوجة، رغم أني أدعو الله كلما تيسر لي ذلك أن يرزقني الزوج الصالح لأني بحاجة إليه، ليس فقط لتزيد ثقتي بنفسي ولكن لأنني بحاجة إليه ليعصمني من نفسي التي تغويني بالعادة السيئة" (استشارات موقع مجانين).

شبح العنوسة:
إنها آهات وزفرات انطلقت من فتيات في سن الشباب يحسبن أن قطار الزواج قد فات، آهات تشعر بها العديد من الفتيات في عالمنا العربي والإسلامي ولا يستطعن أن يبحن بتلك المشاعر لأحد، إما لخوف أو لشعور شديد بالخجل والعيب.
لقد أضحت مشكلة العنوسة في عالمنا العربي مشكلة تؤرق بال الكثيرين وتصيب الأهل قبل الفتيات بالأرق والقلق، وصارت شبحًا يخافه كل بيت في المجتمع أن يدخله أو يعشش فيه مصيبًا بنتًا من بناته أو فتاة من فتياته.
إن الناظر إلى الإحصائيات والأرقام التي تتحدث عن ظاهرة العنوسة في العالم العربي ليدرك أن شبح العنوسة لم يعد شبحًا، وإنما صار حقيقة مخيفة تلقي بظلالها على كافة الدول العربية والإسلامية.

إحصاءات وأرقام حول العالم العربي:
تنتشر العنوسة في مصر بدرجة كبيرة وحسب الإحصاءات الرسمية يوجد في مصر 13 ملايين شاب وفتاة تجاوزت أعمارهم 35 عامًا لم يتزوجوا، منهم 2.5 مليون شاب 10.5 مليون فتاة فوق سن الـ35، ومعدل العنوسة في مصر يمثل 17% من الفتيات اللاتي في عمر الزواج، ولكن هذه النسبة في تزايد مستمر وتختلف من محافظة لأخرى، فالمحافظات الحدودية النسبة فيها 30% لأن هذه المحافظات تحكمها عادات وتقاليد، أما مجتمع الحضر فالنسبة فيه 38% والوجه البحري 27.8%، كما أن نسبة العنوسة في الوجه القبلي هي الأقل حيث تصل إلى 25%.
 

وفي سوريا تكشف الأرقام الرسمية المنشورة أن أكثر من 50% من الشبان السوريين الذين وصلوا إلى سن الزواج عازفون عن الزواج أو عجزوا عنه بسبب عدم قدرتهم المادية على ذلك وعدم توفر المسكن الملائم للزواج، أما في الكويت فإن نسبة العنوسة بين الفتيات الكويتيات تقترب من نسبة 30% حسب بعض الإحصاءات الرسمية؛ حيث بدأ الشباب الكويتي في العزوف عن الإقدام على الزواج؛ نظرًا للأعباء الاقتصادية الباهظة التي تترتب عليه، بينما وصلت نسبة الطلاق في الكويت إلى 33%.

وفي الجزائر كشفت الأرقام الرسمية التي أعلنها الديوان الجزائري للإحصاء أن أكثر من 51% من نساء الجزائر الذين بلغوا سن الإنجاب يواجهن خطر العنوسة، وأن هناك أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن رغم تجاوزهن الرابعة والثلاثين عامًا، موضحًا أن عدد العزاب بالجزائر تخطى 18 مليونًا من عدد السكان البالغ 30 مليون نسمة، وأن نسبة المطلقات بلغت 36.9%.
وأكدت دراسة سعودية أن عدد الفتيات العوانس في المملكة مرشح للتزايد من مليون ونصف المليون فتاة حاليًا إلى نحو أربعة ملايين فتاة في السنوات الخمس المقبلة، وأشارت نتائج الدراسة إلى أن 18 ألف حالة طلاق وقعت العام 2009 مقابل 60 ألف عقد زواج، ما يشير إلى أن نسبة فشل الزواج تصل إلى 30%.
وبينت إحصائية صادرة عن وزارة التخطيط عام 2010م أن عدد العوانس واللاتي بلغن سن الزواج (1.529.418) فتاة في السعودية، حصدت مكة المكرمة النسبة الكبرى بوجود (396.248) فتاة، تلتها منطقة الرياض بـ(327.427) فتاة، والمنطقة الشرقية بـ(228.093) فتاة، ومنطقة عسير بـ(130.812) فتاة، والمدينة المنورة بـ(95.542) فتاة، وجازان بـ(84.845) فتاة، فمنطقة القصيم بـ(74.209)، ثم الجوف بـ(52.190)، وحائل بـ(43.275) فتاة، ثم تبوك بـ(36.689) فتاة، والمنطقة الشمالية بـ(21.543) فتاة.

أما في الأردن فقد ارتفعت نسبة عنوسة الفتيات فبلغت نسبة الإناث اللاتي لم يسبق لهن الزواج من سن 35 فما فوق 8.7%. وجاء في أرقام لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية نشرتها صحيفة (الرأي) أن نسبة الإناث اللاتي لم يسبق لهن الزواج شهدت ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالأعوام السابقة، ففي عام 1995م كانت النسبة 3.9% من مجموع الأردنيات، وفي عام 2000 وصلت إلى 5.4%.
 

وتعد دائرة الإحصاءات أن سن العنوسة هو 35 فما فوق، على اعتبار أن معدل سن الزواج الأول للفتيات كان العام الفائت 26.3 عامًا، في حين ينظرون اجتماعيًّا للفتاة التي وصل عمرها إلى 30 عامًا ولم تتزوج على أنها أصبحت عانسًا.
 

ورافق الزيادة في هذه النسبة ارتفاع في معدل سن الزواج الأول للفتيات ضمن السنوات نفسها، ففي عام 1995 كان المعدل للإناث 24.9 عامًا، وفي عام 2000 كان 25.9 عامًا، والعام الماضي وصل إلى 26.3 عامًا.

أحاسيس عانس:
والفتاة العانس أو التي تأخر بها قطار الزواج تعيش في أغلب الأحيان أسيرة لمجموعة مختلفة من المشاعر السلبية، التي قد تؤثر على شخصيتها إن استمرت في تجاهلها أو العيش معها ولم تحاول علاجها والتصدي لها.
من السمات الشخصية للفتاة العانس: (مستفاد من: نظرية تشخيصية عن العنوسة، د. عزت الطويل).

أولًا: الميول العدوانية الكامنة نحو النساء المتزوجات:
وقد يحدث هذا في الحالات المتأخرة من العنوسة مع وجود العديد من النساء المتزوجات في محيط علاقات العانس من أخوات أو بنات عمومة أو أقارب أو صديقات، ويزيد الأمر سوءًا إن صاحب ذلك ابتعاد أو نفور من المتزوجات ناحية الفتاة العانس خوفًا منها من أن تؤثر على أزواجهن.

ثانيًا: الوقوع في (عقدة إلكترا) Electra Complex:
وهي التعليق والارتباط بالأب بطريقة مرضية. ويكون هذا هروبًا من الواقع الذي تعيشه الفتاة العانس، وسعيها الدائم لأن تشعر أن هناك رجلًا يحبها ويعجب بها وتستطيع التعامل معه، وتعتبر العانس أن هذا الأمر تعويضًا لها عن الزواج، وقد تبالغ في تضخيم هذا الأمر وتسعى لنشر مفاهيم في الأوساط المحيطة بها أن والدها يغنيها عن أي شيء، وأنها هي من ترفض الزواج حبًا في والدها ورغبة في البقاء معه.

ثالثًا: الميل نحو الانطواء والانعزالية:
ويحدث هذا في أغلب حالات العنوسة خوفًا من نظرة المجتمع السلبية إلى العانس، والثقافة الخاطئة المنتشرة بين الناس حول العنوسة والفتيات التي تأخر بهن قطار الزواج، فتنطوي الفتاة على نفسها وتقل صديقاتها تدريجيًّا.

رابعًا: التمرد على الأسرة والمجتمع بوجه عام:
لشعورها أن لأسرتها دور في مشكلتها سواء من الأب الذي لم يسعَ لتزويجها أو عارض زواجها ورفض ارتباطها بمن تقدم إليها من الشباب، لأسباب متعلقة بالمهر أو الانتماء القبلي وخلافه كما يحدث في العديد من الدول العربية، كما تلقي باللوم على المجتمع الذي يضع أحيانًا قيودًا وشروطًا على الزواج ما أنزل الله بها من سلطان تكون سببًا في تأخير زواج الفتيات.

خامسًا: الشعور بالاغتراب النفسي والعيش بمنأى عن الواقع المعاش:
تلجأ الفتاة التي تأخر زواجها إلى خلق عالمها الافتراضي والعيش فيه هربًا من الواقع المرير، وتصير تخيلاتها عن فتى الأحلام الذي سيأتي على حصان أبيض لينتشلها من هذا الواقع، وتحلم كثيرًا بالزواج، وتعيش في أحيان كثيرة مع القصص الرومانسية والأفلام الغرامية لتجد عوضًا عن الجفاف العاطفي الذي تعيشه.

سادسًا: النزعة التشاؤمية من الحياة والشعور بالإحباط المستمر:
وتزداد هذه النزعة مع تقدم العمر وتأخر الزواج فتصاب الفتاة بالإحباط، ويتولد لديها شعور أنها لن تفرح هذه الفرحة أبدًا، وقد ينتهي بها العمر وحيدة بين والديها وأقاربها، ولن تشعر أبدًا بعاطفة الأمومة وتقع في دوامة مستمرة من الإحباطات.

وبعد، كانت هذه هي الوقفة الأولى لنا مع عالم العنوسة ومشكلاته المتفاقمة ولنا وقفات أخرى نشرح فيها أسباب العنوسة وطرق علاجها الاجتماعية والنفسية والشرعية بإذن الله.
فتابعونا...

المصادر:
- استشارات موقع مجانين.
- ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
- (نظرية تشخيصية عن العنوسة)، د. عزت الطويل.
- مجلة (الغد) الأردنية.
- (العنوسة معاناة إنسانية تهدد البناء الاجتماعي)، د. نهى عدنان قاطرجي. 

 

 أم عبد الرحمن محمد يوسف