كن متفائلاً

إن التفاؤل هو الوقود المحرك للأمم والأفراد لبلوغ الغايات العظيمة وتحقيق الأهداف السامية، وهذا يعني أنه لا بد مع التفاؤل من العمل الجاد والحركة الدؤوب والأخذ بالأسباب المشروعة.

  • التصنيفات: تربية النفس - محاسن الأخلاق -


أيها الحبيب حين تقرأ كتاب الله تجد أن الله سبحانه وعد حال العسر الواحد يُسرين فقال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5- 6] فإذا كان الأمر كذلك فلماذا اليأس؟ ولماذا التشاؤم؟
 

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطِيَرة. يعني يكره التشاؤم، وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل» (البخاري: 5776) والفأل: الكلمة الحسنة والكلمة الطيبة.

وقد كانت حياته كلها ترجمة لهذا المعنى الكريم، فحين أتاه خباب بن الأرت رضي الله عنه يشكو تسلط المشركين وأذيتهم للمسلمين فكان جوابه صلى الله عليه وسلم: «والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون» (البخاري: 6943)، وحين كان يمر على آل ياسر وهم يُعذَّبون كان يزرع في نفوسهم الأمل والتفاؤل فيقول: «صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة» (فقه السيرة:103).


وحين خرج من مكة بصحبة الصديق رضي الله عنه ولجأ إلى الغار وتبعه المشركون حتى وقفوا على فم الغار فلما رآهم الصديق رضي الله عنه قال : "يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا"، فأجاب إجابة عظيمة تدل على مدى توكله وتفاؤله فقال: «لا تحزن إن الله معنا» [1].

حتى إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطنت الـمكاره واسـتقرت *** وأرست في أماكنها الخطـوب
ولم تـر لانكشاف الضر وجها *** ولا أغنى بحيلـته الأريــب
أتاك على قنوط منك غوث *** يـمن به اللطـيف المستجيـب
وكل الحادثات إذا تناهـت *** فموصـول بها فـرج قريب


إن الاسترسال وراء الظنون والأوهام التي تسيطر على الإنسان لا يجلب عليه إلا الهم والحزن وهو ما يجره إلى القعود والكسل، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى من الهم والحزن: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال» (أبو داوود: 1555)، والله عز وجل يقول: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة:10].

فيا أيها الحبيب تفاءل لأن الله تعالى بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير يملك رفع الضر وكشف الكرب: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الملك:1]، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:62].
 

مـتفائـلٌ أبـدًا أنا *** إن كان همٌ أو هَـنا
ألقَى حياتي باسمـًا *** مَا دَام رُوحي مؤمنا
ربي الذي قَـدستُهُ *** بـَرَأ الـحـياةَ وسيرا
ربي الذي أحـببته *** بعطائـه غَمَرَ الورَى


إنه سبحانه الذي يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. 

تفاءل لأن هناك من يحبك، يدعو لك ويرجو لك الخير، أبواك زوجك أولادك جيرانك ، وإن غفل هؤلاء جميعًا عن الدعاء لك فإن في السماء من لا يغفل عن الدعاء لك: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:7- 9].

وأعجب من ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً . هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:41- 43].

فيا أيها الحبيب تفاءل وإن عظمت الخطوب، وإن تكاثر الأعداء، تفاءل وإن عظم البلاء:

متفـائـل رغــم القنـوط يذيقنا *** جمر السياط وزجرة الجلاد
متفائل بالغيث يسقي روضنا *** وسمـاؤنا شمس وصحو بـاد
متفـائـل بالزرع يخرج شطأه *** رغم الجراد كمنجل الحصاد
متفائل يا قوم رغم دموعكـم *** إن الـسما تبكي فيحيا الوادي
والبحر يـبـقى خيره *** أتضره يا قومنا سـنارة الصياد؟!


إن التفاؤل هو الوقود المحرك للأمم والأفراد لبلوغ الغايات العظيمة وتحقيق الأهداف السامية، وهذا يعني أنه لا بد مع التفاؤل من العمل الجاد والحركة الدؤوب والأخذ بالأسباب المشروعة.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.

______________________________
[1] لعل الكاتب يقصد هذا الحديث عن أبي بكر رضي الله عنه قال: «قُلْت للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا في الغارِ: لو أن أحَدَهُم نظرَ تحتَ قدَمَيْهِ لأبْصَرَنا، فقال: ما ظَنُّكَ يا أبا بكرٍ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما» (البخاري: 3653).