العلمانية في خدمة اليهود
محمد المصري
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
إن المشاهد التي تعرض كل يوم عن قتل وتذبيح واستباحة الحرمات في أرض فلسطين المغتصبة تصيب المسلم بالغم والهم والحزن واليأس أحياناً.
وعندما يفكر المسلم في إيجاد مخرج للخروج من هذا النفق وهذه الفضيحة للمسلمين يجد أن جميع الحلول قد وضعت لها العراقيل والجدر والحواجز ،وهذه العراقيل والعقبات والحواجز لم يصنعها اليهود ولا الحاخامات بل صنعها أناس من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ولكنهم أشربوا من كأس النفاق والعلمنة أنهم بنو علمان.
فالعلمانية التي تمكنت في ديار المسلمين بمساعدة اليهود عن طريق زرع الدسائس والعملاء بدءاً بكمال أتاتورك إلى غيرهم من المسوخ والأذناب التي تعمل الليل والنهار على منع كلمة الله من أن تكون هي العليا وعملهم على أن تكون كلمة الطاغوت هي المهيمنة وهي السائدة.
وأي محاولة من الذين يقولون ربنا الله لا لقيصر أو لفرعون أو لهامان تقابل من سدنة العلمانيين بالبطش والنكال لأنهم يخافون أن يعمل داعي الخير على تبديل دين العلمانيين أو نشر الصلاح في الأرض.
وعند التساؤل عن السبب وراء وقوف الطغمة العلمانية كحائط سد أمام نصرة المسلمين ونصرة المسجد الأقصى لا نتعجب من الإجابة لمن له بصيرة في الأمر أن مصلحة اليهود والصهيونيين هي نفسها مصلحة العلمانيين.
العلمانيون عملوا على تنحية شرع الله وغربوا الأمة عن هويتها وأصبح كل من يتمسك بالهوية الإسلامية محارب ومحاصر من جميع طوائف النظم العلمانية، سواء الأمنية أو السياسية أو حتى الاجتماعية فأصبح حال المسلم كما وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الغرباء كالقابض على الجمر كما في الحديث المروي في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : « » .
ومن الناحية الأخرى فاليهودية والصهيونية لا تلقي بالاً من أي مشروع علماني مهما كانت جعجعته وصياحه لأنها هي من تبنت وعملت على نشر الأفكار البشرية بدءاً من الشيوعية إلى العلمانية وبالتالي فلا تخاف من صنيعتها ولا من لعبتها التي أعطتها للحمير كما جاء في بروتوكولاتهم "يقولون أن الأمميين (غير اليهود) هم الحمير الذي خلقهم الله ليركبهم شعب الله المختار وكلما نفق (مات) منهم حمار ركبوا حمارا آخر".
ما الذي يخشاه اليهود:
وإنما يخشى اليهود المسلم الحق رجل العقيدة المسلم الذي يقدم حياته فداء لدينه ونشراً لعقيدته.
المسلم الذي يحمل المفهوم الصحيح والعقيدة الصحيحة التي علم من خلالها أن اليهود لا عهود لهم وأن قتلة كيف لا وهم قتلة الأنبياء والرسل .
المسلم الذي تعلم من خلال السيرة النبوية بأنه لا صلح ولا ثقة في عهود بني اليهود .
المسلم الذي يتعلم من سيرة رسوله صلى الله عليه وسلم كيفية التعامل مع اليهود .
المسلم الذي يرى أنه لا فرق بين العلمانية والصهيونية لأنهما يحاربان الله ورسوله .
المسلم الذي لا يقف أمامه أي شئ لأنه ليس له إلا النصر أو الشهادة .
ومن هنا يحارب هذا المسلم من جميع أعداء الله من يهود ونصارى وعلمانيين لأنهم أعداء الله .
والمسلم ولي الله يحارب أعداء الله وينابذهم العداء .
مثل هذه الكلمات التي أذكرها هنا لا تخفى على أي مسلم آمن حقيقة بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً .
ولكنها تخفى على المخدوعين الذين يسيرون خلف السراب فيتوهموا أن العلمانية قد تساعدهم في تحرير الأقصى ،وقد يطربهم بعض التمثليان الهزلية من الزعامات الورقية التي يفعلونها من أجل الخداع والتلبيس .
أو الذين يخدعون بأغنية حماسية تلهب المشاعر ولكنها تسكن الأعضاء والأركان .
أن الذي منع الإمدادات عن المجاهدين وعن الشعب المحاصر وتاجر بقضيتهم هي الدول المجاورة والتي تعلوها راية العلمانية .
أنهم الذين يسعون لإجهاض أي محاولة لأي نصر إسلامي حتى لا يكون له مثيل في بلدانهم وبالتالي فهم يعملون على إجهاض المشروع الإسلامي بشتى السبل .
ما الحل وما السبيل ؟
رجل العقيدة هو الحل:
هو ذلك الإنسان الذي تصبح الفكرة همه :تقيمه وتقعده ويحلم بها في منامه وينطلق في سبيلها في يقظته.
وليس لدينا –بكل أسف- من هذا النوع القوي والعبقري ولكن لدينا نفوساً متأملة متحمسة مستعدة بعض الاستعداد ،ولابد للنجاح من أن ينقلب هؤلاء إلى مثلٍ قوية تعي أمرها ،وتكمل نقصها ليتم تحفزها الذي ينطلق من عدم الرضا بالواقع والشعور بالأخطار التي تتعاقب ،وينتهي باستجابة لأمر الله ونداءات الكتاب الحكيم ومراقبة وعد الله ووعيده،والتأسي بسيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وليس ما ذكر من نوع الفكرة التي يحلم بها الفرد في ساعات الراحة وتذهب فيها أحلامه كل مذهب تلك هي أحلام اليقظة التي يعتبرها علماء النفس متنفساً للرغبات الدفينة ونوعاً من التعويض عن تحقيق ما يرغب الفرد فيه ،فإذا سيطرت هذه الأحلام على الفرد وشغلت أكثر وقته كان ذلك انحرافاً عن الحال السوية،وتعوّد هذا الإنسان أن يلجأ إلى أحلامه كلما استعصت الأمور،ولعل أكثر مشروعات شبابنا من هذا النوع من الأحلام.
إن محمدًا عليه الصلاة والسلام لم يعمد إلى إصلاح اقتصادي أو أخلاقي أو صحي أو سياسي أو إداري أو علمي ،ولكنه عمد إلى إصلاح الإيمان ،ودعا بدعوة التوحيد فكان من بعد ذلك كل لإصلاح وكل قوة وكل خير.
ولا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح عليها أولها.
فرجل العقيدة السبيل الوحيد لعلاج أنواع الانحرافات التي سبق ذكرها جميعاً،ذلك أن رجل العقيدة سهم يندفع في تحقيق أهدافه ،وهو إنسان ملأت نفسه عقيدته،فهو يعيش من أجلها ويرضى بكل أذى في سبيلها ويبذل جهده وكل غالٍٍ ورخيص.
ورجل العقيدة أعظم ذخر نقدمه للعقيدة وأكبر رصيد نعدّه في سبيل نصرتها.
رجل العقيدة إن لم تكن لديه الوسائل الكاملة سعى في إيجادها ولو كان أمرها مستحيلاً ،فالوسيلة الفعالة القوية هي تكوين أمثال هؤلاء الرجال ،والإصلاح الذي نرقبه لا يتم إلا في إيجاد أمثال هؤلاء (انظر كتاب المسئولية للدكتور محمد أمين المصري رحمه الله ).
فرجل العقيدة لا يتربى على الكلام النظري البارد وإنما يتربى على الخشن من القول والعمل ،وديدان رجل العقيدة وحديثه الدائم (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق )أو كما قال صلى الله عليه وسلم .
فحديثه الدائم عن تحديث النفس بالغزو والعمل على مقارعة أعداء بالحجة والسنان في كل زمان و كل مكان .
إعداد الأمة لمواجهة العدوان :
المطلوب أن تكون الأمة على مستوى الحدث وفهم طبيعة الصراع من حيث أن الصراع هاهنا هو صراع ديني وليس صراع على أرض أو أي عرض زائل .
اليهود تحركهم عقيدتهم المحرفة باستمدادها من التلمود والتوراة المحرفة .
ولكن الأمة الإسلامية من يحركها ومن يدفعها في المعركة ؟
أتترك الأمة لسحرة العلمانية التي يسحرون الناس ويفتنوهم ويهيئون لهم أن الصراع هو على الأرض والمصالح فقط .
أم لابد أن يتحرك الدعاة لتبصير الأمة ودعوتها لتقف في المكان الصحيح في المعركة ..
أن المطلوب هو بذل الجهد في تصحيح المفاهيم لهذه الأمة ولن يكون تصحيح المفاهيم من خلال كتب او نظريات بل ستكون تصحيح المفاهيم من خلال عمل وقدوة .
لقد رأينا بأعيننا كيف أن الكثير من الناس في أرض فلسطين وغيرها حينما رأى البطولات واستشهاد القدوات بدءاً من الشيخ أحمد ياسين مرورا بالشيخ العلامة نزار ريان رحمهما الله وغيرهم من الشهداء كيف له أثر ذلك على الناس وعلى بذلهم الغالي والرخيص لنصرة الدين وتحرير الأرض من الكافر المحتل .
فلابد للدعاة هنا من التعامل مع الأمة وإعدادها للمعركة مع أعداء الله كل أعداء الله ولذلك ينبغي أن يكون الفرقان واضح بين الحق والباطل وهذا يستلزم بذل جهود كثيرة في تصحيح المفاهيم الملتبسة وكذلك التعامل مع واقع الأمة وفق سنن الله في التغيير ومراعاة حال الأمة من حيث التباس المفاهيم والتبعية المفروضة عليهم.
ولابد من الحذر هنا: من الانزلاق إلى هاوية "تكفير المجتمعات، وما يتبعها من قضايا" !!.. فإن هذا الانزلاق يُضيّع الجهود، ويُخرج أفراد هذا الكيان الإنساني عن طريق البناء، ليدخلهم في دائرة مفرغة من الجدل والأبحاث والأوراق التي لا تنتهي!!...
وأخيرا فبدون دور وفاعلية للأمة في المعركة سيكون مصير كثير من الجهود المبذولة عرضة لأن تكون بلا فاعلية حقيقية فلابد أن يكون للأمة دورها في مكافحة العدوان لأن من أهم حقائق العصر الذي نعيشه فيه أنه حين تنشب الحرب، فإن الدولة بأسرها شعبا وجيشا تخوض الحرب، وتدفع تكاليفها، وتتحمل نتائجها، فقد انتهى ذلك العهد الذي كانت فيه الحروب قاصرة على تصارع الجيوش في ميادين القتال، ولم تعد هناك في عصرنا بقعة من أرض الدولة أو سمائها أو مياهها الإقليمية بمنأى عن متناول العدو.
فالخلاصة من كل هذا أن يكون للأمة دورها في الصراع وأن تستوعب أن الصراع بين المسلمين واليهود هو صراع ديني وليس صراع من أجل بقعة من الأرض فقط.
وأن اليهود يعملون على تحقيق عقيدتهم المحرفة واقع على الأرض بينما المسلمين كثير منهم ما يكون تعاملهم مع قضية فلسطين تعامل عاطفي لا يتجاوز في أغلب الأحيان دور المصدوم بالصدمات المتكررة والتي سرعان ما يتم الإفاقة منها.
المعركة هي بين الحق والباطل .
الحق هو دين الله عزوجل .
والباطل هي شرائع الأحبار والرهبان وكل نهج بعيد عن منهج الله عز وجل .
فإذا كنا نتكلم هنا عن (العدو الخارجي )من يهود ونصارى ، فلا ننسى التكلم عن خطورة فضح ومقارعة( العدو الداخلي ) من الطابور الخامس في بلاد المسلمين من العلمانيين والمنافقين .
وبكلمة
إنّ من سنن التغيير التي أودعها الله - سبحانه وتعالى - في كتابه أو أجراها على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن الدعوات الصادقة إذا أريد لها النجاح لابد لها من قوى تؤيدها وتنصرها ، قوى من التكتل الجماهيري الذي يلتف حول هدف واضح محدد أو - بمصطلح ابن خلدون - لابد من (العصبية) التي تعني الالتحام والتعاضد والتناصر لتحقيق هدف معين ، وليس المعنى المذموم لكلمة (عصبية) ، وإذا كان التكتل سابقاً يعتمد على القبائل والعشائر ، فإنه في العصر الحديث يعتمد على جميع شرائح المجتمع ، الذين يلتفون حول علماء - فقهاء ، يعلمون بفقههم وتفكيرهم سنن التغيير وتحويل المجتمعات والتأثير فيها ، وخاصة ما نحن فيه من تعقيدات هذا العصر . [1]
هذه القوة والمنعة هي التي افتقدها نبي الله لوط - عليه السلام - حين قال : {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود : 80] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » [2]
ويقول الإمام الجويني : "وما ابتعث الله نبياً في الأمم السالفة حتى أيده وعضَّده بسلطان ذي عدة ونجدة ، ومن الرسل - عليهم السلام - مَن اجتمعت له النبوة والأيد والقوة كداود وموسى وسليمان صلوات الله عليهم أجمعين " [3]
هوامش
1-من كتاب خواطر في الدعوة د.محمد العبدة
2-صحيح الجامع الصغير ، 3/176 وقال عنه حديث حسن .
3-غِياث الأمم ، 182 .